القاهرة 09 يونيو 2020 الساعة 10:11 ص
بقلم: زينب محمد عبد الرحيم
البطل في اللغة يعني الشجاع، وقيل بطلًا لأنه يُبطل العظام بسيفه وفعل تَبَطل أي صار شجاعًا (بن منظور، لسان العرب، ج3، ص59 )
البطل اصطلاحًا، هو الشخصية الرئيسية في الحكاية أو الملحمة داخل الأدب البطولي، كما أنه القائد القوي المُلهم الذي يستطيع تحديد مسار التاريخ، والبطل الشعبي هو تصور خيالي لشخصية حقيقية، وبعد أن يجتمع الشعب على حبهِ فيأخذ في ترديد سيرته إلى أن يأتي الفنان والمبدع الشعبي ليستغل تلك المرويات الشعبية ليخلق منها عملًا روائيًا فنيًا مثل السيرة الشعبية.
والبطولة تُمثل أحد أهم موضوعات الأدب الشعبي. وعلى تعدد أشكال وصور البطل تنوعت أيضًا الأساطير والملاحم والسير الشعبية والحكايات التي جسدت عدة تنويعات للنموذج البطولي، ومن ثمَّ فإن الخيال الشعبي لطالما توسل بفكرة البطل الشعبي سواء كان له رمزية دينية أو محارب أو حتى شخصية خارقة من وحي الخيال. ولنا أن نقول مما لا يدع مجالا للشك أن فكرة البطولة والبحث عن بطل يتفق حوله العقل الجمعي للجماعة الشعبية هي فكرة أزليه موغلة في القدم جسدتها العديد من الأساطير بداية من أساطير الشرق الأدني القديم مثل ملحمة جلجامش السومرية وفكرة البحث عن الخلود، وأيضًا الأسطورة المصرية القديمة إيزيس وأوزيريس وصراع حورس وست.
فتلك الأساطير مُحملة بكم هائل من الرموز والصراعات الإنسانية كصراع الخير والشر، الحياة والموت وغيرها من الثنائيات التي عبر الإنسان من خلالها متوسلًا بالرمز على وجوده ومدى تفاعله مع الكون من حوله، وكيف كان يُفسر الأمطار والعواصف وغيرها من حتميات الطبيعة التي كانت تقلقه ولا يجد لها تفسيرًا فيُحيلها إلى الميتافيزيقا أو الماورائيات، وكانت تلك الأساطير بمثابة شعائر دينية لها قدسيتها وبالتالي أبطال الأساطير يتم تقديسهم على اعتبارهم آلهه وأنصاف آلهه دارت بينهم معارك إلى أن انتصر الخير على الشر وبدأت الحياة الدينية من تلك النقطة بالنسبة لمعتقدات شعوب الحضارات القديمة، أمَّا عن الفكر الشعبي فقد ارتبطت البطولة بحاجة الجماعة الشعبية لبطل يكون لسان حال الشعب والمُنقذ والمُخلص من شتى أنواع الظلم والاضطهاد والقهر والفساد.
وللبطولة الشعبية أحيانًا شروط منها أن يرتبط ميلاد البطل بنبؤة لابد لها وأن تتحقق وأيضًا يمر بمرحلة الاغتراب والغربة والاضطهاد محاولًا أن يتغلب على شعوره بالاغتراب عن طريق تحليه بالشجاعة والقوة ونُبل الأعمال والأخلاق الحميدة، ويسهم كذلك في تغيير حال مجتمعه.
ويمكننا أن نُلاحظ من خلال أبطال سيرنا الشعبية العربية أن تلك البطولة ما هيّ إلا امتداد للبطولة في الأساطير؛ فميلاد البطل مبني على نبوءة أو عدة نبؤات، وذلك لأنه شخصية غير عادية فهو من سيصنع الأحداث كاملة بمساعدة العديد من الشخصيات الفرعية التي تدور من حوله.
أبطال الحكاية الشعبية
بطل الحكاية الشعبية هو نموذج جاد للإنسان الشعبي الذي يعيش الحياة الواقعية بكل آلامها، ومن ثم فإنه يكشف عن تجربة إنسانية معاشة ويثير داخل الوجدان الشعبي مشاعر القلق والألم، ويُعاني غالبًا من الغدر والظلم والفقر وانحسار القيم الأخلاقية ودائم العتاب على المصير والقدر. وتبرز صورة بطل الحكاية الشعبية بشكل كبير في حكايات ألف ليلة وليلة.
وإذا كان البطل الشعبي القديم لابد له من أن يكون فارسًا شجاعًا جسورا يحمل السيف ليحارب ويهزم الأعداء؛ فإن البطل الشعبي الحديث يتوسل بالعلم ليهزم الأعداء بعقله وفكره، بل يضحي بنفسه من أجل الكلمة والتنوير.
البطل الشعبي الحديث
البطل الشعبي الحديث هو الجندي المُقاتل الذي يحمي حدود بلاده بروحه ودمه، هو الثائر ضد الظلم والمناضل من أجل الحصول على الحرية والعدل البطل الشعبي الحديث، هو الطبيب ومساعدوه من فريق تمريض يقفون بكل بطولة وشجاعة يفقدون حياتهم من أجل أرواح الآخرين في سبيل الواجب أثناء الجائحة.. نمكث في بيوتنا وهم لا يعرفون الراحة، وهؤلاء الأبطال في كل أنحاء العالم الذي يُعاني في تلك الأيام من خطر الوباء الذي لم يجد من يقف أمامه سوى الأطباء والطبيبات، فعلينا أن نعترف جميعًا ببطولتهم في ظل الأزمة. وتلك البطولة الإنسانية ما يُميزها إنها لا تخص فردا في ذاته، إنما تخص دورا مؤسسيا يخص منظومة الطب. فقد أثبتت لنا هذه التجربة القاسية أن منظومة الصحة هي خط الدفاع الأول ضد المخاطر التي تُهدد صحة وحياة الإنسان، وأرجو أن تُعلمنا تلك الأزمة أن تُعيد جميع دول العالم النظر في هذا الكيان الصحي العالمي ليُصبح أكثر قوة واستعدادًا لمواجهة الأوبئة والكوارث، ليكون أكثر قدرة على إدارة تلك الأزمات، وكذلك أكثر تأثيرًا على توعية المواطنين الذين يفقدون رشدهم مستهزئين.. يعرضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر دون وعي أو أدنى إحساس بالمسؤولية.