القاهرة 09 يونيو 2020 الساعة 10:02 ص
كتب: صلاح صيام
داخل كل مبدع رحلة قطعها –بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقي الذي غالبا لا يعرف عن هذا المبدع شيئا إلا ما يصل إليه من إنتاجه الإبداعي. وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين، ونخوص فى أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية، التى فقدت البوصلة وأصابها شيء من الإحباط.. صور مشرقة تعينهم على تحمل متاعب الحياة وتكون نبراسا لهم فى قادمهم...
ونواصل اليوم حديثنا مع الكاتبة السودانية مناجاة الطيب التى بدأت بقولها: أصبت بإحباط وخيبة أمل منعتني من مواجهة أهلي بما حدث لي بعد الاستغناء عنى كمدير تحرير لمجلة "صباح" بسبب أننى "حقانية" أكثر من اللازم.. فهداني تفكيري للذهاب لرئيس التحرير وطلبت منه أن يتركني في العمل دون أجر لشهر واحد كنت أريده للبحث عن بديل، والغريب في الأمر أنه وافق دون تفكير. وكانت تلك تجربة مرة لكنها لم تمنعني من ولوج عالم ثقافة الطفل والاستمرار قدما فيه، فألفت مجموعة من القصص كانت مهمتي الرئيسية وقتها أن تجد حظها من النشر وهى مهمة ليست باليسيرة عندنا، فالطباعة باهظة التكلفة تقف حجر عثرة بين المؤلف وخروج منتوجه للنور.. وكثير جدا من المبدعين ضاعت أعمالهم وماتوا ولم تنشر، فليس هناك منطق يمكن أن يقنع ناشرا بالمخاطرة بطباعة كتب لا تجد من يدفع فيها مبلغا هو في أمس الحاجة إليه لمجابهة ضروريات العيش بعد أن أجبرته الظروف بالتخلي عن غذاء الروح الذي كان يدخر له من أجره فيما مضي، أما وقد أصبح الضغط الاقتصادي يشكل رهقا بالنسبة له فالأمر قد حسم لصالح الخبز ولا عزاء للكتاب.. فالفقراء وحدهم من يقرأون.. أما الناشرون فقد (صرفوا النظر) بعد أن ضيقت عليهم الدولة بالضرائب الباهظة والجمارك والإجراءات التعسفية.. لماذا؟ لا رد.. فالسؤال معلق منذ سنوات وإلى يومنا هذا. أما أنا فقد كنت أجدد كتابة مؤلفاتي كل فترة وأخرى وقد أدخل عليها بعض التعديلات في انتظار الفرج. وكان أكثر ما يؤلمني أن أرى مطبوعة لجهة حكومية متخصصة يدفع بها لمطابع الخليج يدفع فيها ملايين الجنيهات توثق لإنجازات لا نراها إلا على الصفحات المصقولة اللامعة؛ لذلك تجد أن أي بارقة أمل تبدو كمن يرى السراب فيحسبه ماء حتى إذا ما اقترب منه وقع في دوامة نفسه ما حدث معي عندما سمعت بأن إحدى المؤسسات الصحفية تطبع كتبا للمؤلفين الشباب فحملت قصصي وذهبت لمقابلتهم.. وهناك وجدت من أخبرني بأنهم قد أوقفوا هذا المشروع، وتطلع لعناوين مؤلفاتي ووصفها بالجاذبة، فحملت عناويني ذات الجاذبية وعدت إلى المنزل، وكأن ذاكرتي قد انتعشت بعد تلك الزيارة فقد تذكرت عندما كنت أعمل في مجلة "صباح" زارتنا ذات صباح سيدة طلبت مقابلة رئيس التحرير وكانت تحمل مجلة اسمها (شليل) عرفنا فيما بعد أنها صاحبتها وأنه العدد الأول، ثم لم نسمع عنها لفترة طويلة، ثم سمعت بأنها تصدر في فترات متقطعة وأنها قد زاولت الصدور وبحثت عن عنوان مقرها، وبالفعل وجدته على غلاف المجلة التي قمت بشرائها. وفي أحد الأيام ذهبت لمقابلة رئيس التحرير أستاذة سعاد التي تذكرتنى ورحبت بأن أنضم لطاقم المجلة. وبالفعل زاولت عملي دون أي اتفاق على الأجر، ويعد ذلك من العادات السيئة عندنا.. عدم الوضوح في المقابل المادي فقد يجر ذلك فقدك للوظيفة أن أنت سألت عنه خاصة في المرافق الخاصة. المهم أنني لم أستمر طويلا لسببين أحدهما أنني ذهبت في أجازة "وضع" عندما انتهت كانت المجلة قد أغلقت أبوابها ولم أعرف لهم طريقا إلا بعد سنوات، فقد وجدت من أخبرني أن صاحبتها قد اغتربت بإحدى دول الخليج.. ومن الطرائف التي مرت بي عندما كنت بالمجلة أنني قد منحت أجرا من ضآلته ما جعلني أضيف إليه كل ما أدخره من أموال لا يعرفها أحد.. كنت أحتفظ بها للمفاجآت وادعيت بأنه راتبي خوفا من أن أتعرض للسخرية، فكثيرا ما كانوا يقولون لي (شغلانة ما جايبه حقها) وخرجت من هذه التجربة سريعا، ولكني كنت أحمل نفسا إضافيا بعد أن عاد اسمي للظهور على صفحات المجلة، فذهبت لوزارة التربية والتعليم وأنا أحمل قصصي، قاصدة مجلة الصبيان التي كانت تصدر عنها صحيح أنها كانت متعثرة في الصدور، ولكنها كانت الوحيدة والأقدم على الإطلاق؛ إذ يعود تاريخ صدورها لعام 1969 م. وفي الوزارة كان الجميع في ذاك اليوم يحتفلون بيوم الخدمة وهو سياسة انتهجتها حكومة الإنقاذ في بدايتها في جميع مرافق الدولة بأن يكون يوم الخميس يوما ترفيهية.. في الظاهر تطويعي.. فماذا حدث فى هذا اليوم؟ هذا ما سنعرفه فى الحلقة القادمة.