القاهرة 04 يونيو 2020 الساعة 06:24 م
بقلم : د. حسين عبد البصير - مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
بداية من النصف الثاني من الأسرة الثانية عشرة على الأقل، بدأ الحجاج يتوافدون على أبيدوس من جميع أنحاء مصر القديمة كي يشهدوا الاحتفال السنوي بمعبودهم الأكبر أوزيريس.
ومن لوحة الموظف الكبير " إيخرنفرت" من عهد الملك سنوسرت الثالث والمحفوظة في متحف برلين، نعرف ماذا كان يحدث في هذا الاحتفال. ويقول "إيخرنفرت": "فعلت كل شئ طلبه جلالته، ونفذت أمر سيدي من أجل أبيه، أوزيريس-خنتي إمنتيو، سيد أبيدوس، عظيم القوة، الموجود في إقليم ثنى، وكان الابن المحبوب من أبيه أوزيريس-خنتي إمنتيو، وزينت مركبه الخالد العظيم، وصنعت لها مقصورة تظهر وتشرق بحسن وبهاء خنتي إمنتيو، من الذهب، والفضة، واللازورد، والبرونز، وخشب السدر. وصاحبت المعبودات في رحلتها، وصنعت مقاصيرها المقدسة من جديد، وجعلت الكهنة يمارسون واجباتهم بحب، وأن يعرفوا طقوس كل يوم، عيد رأس السنة، وسيطرت على العمل فوق المركب، وزينت المقصورة وصدر سيد أبيدوس باللازورد والفيروز، والشفاه الإلهية بكل حجر كريم، وغيرت ملابس الإله في حضوره... ونظفت ذراعه وأصابعه. ونظمت خروج الرب "وب واووت"، فاتح الطرق العظيم، عندما قرر الانتقام لأبيه. وطردت المتمردين من المركب. وهزمت أعداء أوزيريس، واحتفلت بهذا الخروج العظيم. وتبعت الإله عند ذهابه، وجعلت المركب يبحر.
وأدار الدفة الرب جحوتي (رب الحكمة)، وأمددت المركب بمقصورة وبالزينات الجميلة الخاصة بأوزيريس عندما تقدم إلى منطقة "باقر" (منطقة في أبيدوس)، وأرشدت الإله للطرق التي تقوده إلى مقبرته في منطقة "باقر". وانتقمت لـ "ون نفر" (اسم من أسماء "أوزيريس") في هذا اليوم ذي القتال العظيم، فطردت كل أعدائه من على الشاطئين، وجعلته يتقدم في مركبه العظيم، وأخرجت للناس جماله، وجعلت أصحاب المقابر في الصحراء الشرقية سعداء، وشاهدوا جمال المركب وهي تتوقف بأبيدوس، عندما أحضرت أوزيريس-خنتي إمنيتو إلى قصره، وتبعت الإله إلى بيته، وقامت بتطهيره، وأوسعت له مقعده، وحللت له كل مشكلات إقامته بين حاشيته المقدسة".
وتم تحديد موقع مقبرة أوزيريس في منطقة "باقر" التي يبدو بوضوح أنها ليس أكثر من منطقة أم الجعاب نفسها، وفي وقت ما من عصر الدولة الوسطى، تم اعتبار إحدى المقابر الملكية القديمة على أنها مقبرة الإله أوزيريس، غير أن هذا الاقتراح لم يكن له ما يدعمه، والأكثر منطقية أن تكون جبانة أم الجعاب هي جبانة ملوك مصر الأوائل، ومن باب أولى أن أوزيريس تم دفنه بها، واعتبرت مقبرة الملك "جر" مقبرة أوزيريس؛ لوجودها في مقدمة الجبانة، وهذا أنسب للحجاج حتى يمارسوا احتفالهم السنوي بمعبودهم أوزيريس، ومع نهاية الأسرة الثانية عشرة وبداية الأسرة الثالثة عشرة، زادت مساحة الجبانة بشكل كبير وامتدت حوالي "1.5 كم" إلى الجنوب الغربي من قرية كوم السلطان الحالية.
وأصبحت أبيدوس المركز الرئيسي لعبادة الرب أوزيريس، وأخذت عملية الحج أثناء الحياة والموت تزداد بشكل كبير، ورغب كثير من المصريين في أن يتم دفنوهم في أبيدوس بجوار معبودهم الأكبر أوزيريس، سيد الأبدية والعالم الآخر حتى ينعموا برفقته في العالم الآخر أو على الأقل كانوا يتركون أشياءهم التذكارية في هذا المكان المقدس بين معبد أوزيريس ومقبرته، وهكذا تطور مقام أوزيريس من مكان بسيط لا يحتوي إلا على لوحات نذرية بسيطة إلى مزار كبير رمزي لا ينقصة سوى وجود مومياء المعبود أوزيريس.
وتم إقامة الآثار واللوحات النذرية حول ضريح معبود المصريين الأكبر المعبود أوزيريس أثناء زيارتهم السنوية لأبيدوس؛ كي يشهدوا أو يشاركوا في الاحتفال ببعث وقيام أوزيريس بعد أن يتركوا آثارهم فوق مقبرة الملك "جر" التي اعتبرت مقبرة أوزيريس التي تم دفنه بها.