القاهرة 02 يونيو 2020 الساعة 12:49 م
تأليف: ماركو براجا
ترجمة وتقديم: د. عصام السيد علي – د. عبدالله عبدالعاطي النجار
الشخصيات
أندريا كامبياني: وسيط أوراق مالية
جوليا: زوجة أندريا
جانِّينو: ابنهما ويبلغ من العمر 7 سنوات.
جوستافو فيلاتي: محامي
كوستانزو مونتيتشلّي: محامي
تريزا: عاملة في المنزل
إتُّوري: خادم
المكان: ميلانو – الزمان: الفترة الحالية
الفصل الثالث
غرفة الصالون في منزل أندريا كامبياني
المشهد الأول
جوليا وكوستانزو
يُسمع صوت جرس الباب.
جوليا:
(موجهة كلامها إلى كوستانزو الذى دخل من باب الغرفة)
مرحبا! أيها المحامي، هل أتيت بمفردك؟ في هذا الوقت المبكر؟
كوستانزو:
كيف حالك؟
جوليا:
في أفضل حال. هل أنت بمفردك؟
كوستانزو:
أنا بمفردي... حتى هذه اللحظة. المعذرة، أنت تبدين لي عصبية للغاية!
جوليا:
لا، إطلاقا.
كوستانزو:
إذن فأنا أطلب منكِ ببالغ الرجاء أن تبقين هادئة وتستمعين لي بإنصات.
جوليا:
ماذا لديك لتقوله لي؟ لن تأتيا لتناول الغداء معنا؟ فيلاتي لن يأتي؟
كوستانزو:
(بهدوء)
اهدئي قليلا... فقد طلبتُ منك الهدوء.
جوليا:
أنا في غاية الهدوء!
كوستانزو:
لا تبدين كذلك. هل زوجك خارج المنزل؟
جوليا:
نعم.
كوستانزو:
وماذا عن...؟
جوليا:
ماذا؟
كوستانزو:
ألم... يحدث شيئا؟
جوليا:
عن ماذا تتحدث؟
كوستانزو:
بعدما حدث بالأمس؟
جوليا:
وماذا يمكن أن يحدث؟
كوستانزو:
لا أعرف... ربما يحدث شك... ارتياب...
جوليا :
زوجى لم يشك فيَّ قط.
كوستانزو:
لقد كان جوستافو فى غاية التوتُّر...
جوليا:
أوه، هو مخطىء. كذلك كان شعور زوجى بالأمس...
كوستانزو:
بالفعل، كان يبدو له متوتِّر للغاية.
جوليا:
ذلك بسبب الموقف الطائش الذي قمتُ به. ليس أكثر.
كوستانزو:
لكن جوستافو كان خائفا أن يعيد زوجك التفكير في الأمر بعد أن يهدأ...
جوليا:
عزيزي، الزوجة هي التي توحي بالأفكار لزوجها وتوجِّهها.
كوستانزو:
لكنك تعرفين... هو يخشى من ردة فعلك بعد أن... فقد كنتِ في غاية العصبية ويخشى ألا تتمالكين نفسك.
جوليا:
صديقك يعرفني بشكل سيِّيء جدا.
كوستانزو:
بالعكس، هو يعتقد أنه يعرفك بشكل جيد جدا... لكن ما حدث بالأمس كان شيئا جديدا لم يحدث من قبل...
جوليا:
أنا لا يفوتني شيء أبدا، مهما كانت الأحداث كبيرة أو صغيرة.
ومن ثم يا صديقي، فالأمر يتطلب أكثر من مجرد موقف خطير كي يزعزع ثقة زوجي الكبيرة التي عرفتُ كيف أنالها. ولذلك فأنا لا أخاف... وبإمكاني أن أجازف عندما يتطلب الأمر المجازفة...أو حتى عندما تستهويني المجازفة... لكن ما كمية الخوف هذه التي تنتاب صديقك الطيب هذا! إن مجرد التفكير في سهم مبارزة صغير سيثير فيه الرعب!
كوستانزو:
هو لا يخاف على نفسه، بالتأكيد!... هو رجل نبيل وطيب القلب.
جوليا:
طيب القلب! أتظن ذلك؟ حقا؟ لكن، حتى لا يكن كلامنا عبثاً، هل سيأتى؟ هل وصلتك رسالتي؟ وهل أطلعتَه عليها؟
كوستانزو:
نعم.
جوليا:
لقد كتبتُ لك لأننى تخيَّلتُ أنك علمتَ بكل شيء بيننا... أنا لم أعاتبه على ثقته فيك، بل على العكس، هي نعمة كبيرة تمتلكونها أنتم أيها الرجال ولا توجد لدينا نحن معشر النساء، وهي أن يكون لديك صديق بإمكانك أن تثق فيه وتطلب منه المساعدة والنصيحة... فهو في أمسِّ الحاجة للنصيحة!... والآن، هل سيأتي؟
كوستانزو:
إن كنتِ تُصرِّين على ذلك.
جوليا:
بالطبع أنا مُصرَّة. وسأكون في غاية الضيق إن لم يأتِ. لقد دعاه زوجى على الغداء اليوم ودعاك أيضا وإن لم يأتِ بعد ما حدث البارحة فقد يتخذ الأمر شكلاً مُريباً. إن لم يراه زوجي... يا إلهي! أريد في الأخير، أن يسير كل شيء بسلاسة حتى لا يحدث شيء، أي شيء، يجعل زوجي يعيد التفكير فيما حدث بالأمس. إذن يجب أن يأتي وكأن شيئا لم يكن.
كوستانزو:
ومن أجل ذلك من الممكن أن تخترعي عذراً مُقنعاً وتتفادي لقاءً ربما يكون مؤلماً.
جوليا:
مؤلماً؟ لماذا؟
كوستانزو:
على كُلٍّ، أنتِ لكِ تأثير كبير على زوجك... أنتِ قلتِ ذلك بنفسك.
جوليا:
هل يجب عليَّ دائما أن أحارب بمفردي؟ وأن أتجاوز العقبات بمفردي؟ لا، لا، فليأتِ هو، ولْيساعدني، هذا واجبه. نعم... أنا أفهمه جيدا، هو سيكون في غاية السعادة إن لم يأتِ! فستضايقه رؤيتي اليوم! كنتُ أتوقع ذلك ولذلك كتبتُ لك رسالة هذا الصباح. كتبتُها لك لأني أعرف أن لك تأثير عليه وبإمكانك إقناعه. قُلْ لفيلاتي ألّا يتغيَّب. والويل له إن لم يأتِ.
كوستانزو:
الويل له! أنتِ تُخيفيننى، ماذا ستفعلين؟
جوليا:
لا أعلم. قد أكون في غاية الغضب والضيق ليس لعدم حبه لي – لا - لكن من أجل أنانيته، التي لا يستطيع أن يخفيها حتى عن زوجي، والتي بسببها ما عاد يمكن أن أكون معه كما كنت دائما من قبل. وماذا الآن؟ وعواقب تصرفاته؟ هل صديقك مستعدٌّ لتحمُّلها؟ ولماذا لن يأتِ اليوم؟ سيضطر حتما للمجيء غداً أو بعد غد. فهو ليس ساذجا كي يعتقد أنه حينما يمتنع عن أن يكون... حبيباً لي، أنه سيمتنع عن أن يكون صديقاً للعائلة. لقد فعلتُ الكثير كي لا أُلطِّخ سُمعتي أثناء هذه العلاقة، ولا أريد أن أُلطِّخها الآن بعد أن انتهت.
كوستانزو:
لكن...
جوليا:
يا عزيزى، طالما كان حبيباً لامرأة مثلي فعليه أن يتحمَّل العواقب. سيتزوَّج: إذن هي حياة جديدة. سوف لن يُقدِّم زوجته لنا، أنا لن أهتم بذلك مطلقا... وسيُقلِّل من زياراته لنا شيئا فشيئا وبعدها لن يأتِ مُطلقا ولن نرى بعضنا مرة أخرى... أما الآن فلا. أَقنِعْهُ جيدا أنه في الوقت الراهن عليه أن يُقسِّم اهتمامه بين خطيبته... وبيني! بل وبيننا جميعا! لا يوجد علاج آخر يا عزيزي... (يدخل أندريا من الباب الذي في نهاية الغرفة) أوه، أندريا، لقد وصل مونتيتشلّي!
نهاية المشهد
المشهد الثانى
جوليا، أندريا، كوستانزو
أندريا:
أهلا يا عزيزي المحامي!
جوليا:
... لقد جاء ليعتذر عن عدم مقدرة فيلاتي على تناول الغداء معنا.
أندريا:
أوه، لماذا لن يأتي؟
جوليا:
أحد عملائه جاء إليه من تورينو، ولديهما اجتماع هام فى التاسعة، فرأى أنه ليس من اللائق أن يتركنا ويغادر بعد الغداء مباشرة. لكنني أشرتُ عليه أن يأتيا سويًّا.
أندريا:
اللعنة! عموما من الأفضل أن نراهما ولو لوقت قليل بدلا من ألا نراهما مطلقا.
جوليا:
لا تُلحّ عليه كثيرا فقد أقنعتُ مونتيتشلّي بالفعل ووعدني بأنه سيذهب الآن ويأتي بفيلاتي.
أندريا:
لا داعي للمجاملات فيما بيننا!
جوليا:
هل سنذهب إلى مسرح دالفيرمى؟
أندريا:
مسرح دالفيرمى؟
جوليا:
نعم، لقد وعدنا جانِّينو بذلك، لو تتذكر!
أندريا:
كما تشائين.
(يوجه حديثه إلى كوستانزو)
المعذرة، سأتركك الآن، فلديّ بعض الأمور العاجلة يجب أن أُنهيها قبل الغداء، أمور تتعلق بفيلاتي أيضا. أَخْبِرْهُ أن ذلك الأمر قد تم على أكمل وجه وليكن مطمئن البال. إلى اللقاء. (يخرج من يمين الغرفة)
نهاية المشهد
المشهد الثالث
جوليا وكوستانزو
كوستانزو:
(مودّعا إياها)
إلى اللقاء يا سيدتى!
جوليا:
إلى أين ستذهب؟
كوستانزو:
سأذهب إلى جوستافو، ثم إلى ذلك العميل القادم من تورينو الذي اخترعتيه لي دون سابق إنذار.
جوليا:
إنه ذلك الشخص الذي نؤجِّل المواعيد دائما من أجله.
كوستانزو:
آه!
جوليا:
دعْ فيلاتي يحضر الاجتماع بمفرده مساءً [مع ذلك العميل] فحضورك لا قيمة له. أليس كذلك؟
كوستانزو:
غير مفيد بالمرّة!
جوليا:
لكنك ستأتي معنا إلى مسرح دالفيرمى.
كوستانزو:
إذن نلتقي لاحقًا يا سيدتي.
جوليا:
وسيأتي معك!
كوستانزو:
نعم لكن... كوني متسامحة ونبيلة. فأنت تفهمين الحياة جيدا وتعيشينها بطريقة صحيحة... يجب أن تتفهمي طبيعة النفس البشرية.
جوليا:
وطبيعة ذلك الرجل على وجه الخصوص. الرجال أضعف من النساء... صدِّقني!
كوستانزو:
إذن لا تُعذِّبيه.
جوليا:
بالطبع. بالطبع.
كوستانزو:
أنتِ... هادئة، أليس كذلك؟
جوليا:
في غاية الهدوء.
كوستانزو:
وزوجك لازال فى المنزل؟
جوليا:
نعم... زوجى فى المنزل.
كوستانزو:
في نهاية المطاف، ما حدث قد حدث... والماضي... لا يجب أن نتحدث عنه مجددا...
جوليا:
ونعود أصدقاء مثلما كنا فى السابق!
(تُحدِّق فيه للحظة)
يالك من صديق ممتاز لفيلاتي... لماذا تكون، من أجله، أقل طيبة مما ربما أنت عليه في الواقع...
كوستانزو:
أقل طيبة؟ لماذا؟ أنا معك فيما تفعلينه. لقد اتخذتِ قرارك، وفي النهاية هذا أفضل قرار.
جوليا:
بالفعل!... و... ربما... تُسيء الحُكْم عليّ. حينما تراني هكذا... ماذا أقول؟... خاضعة ومستسلمة... وستقول لنفسك: هذه المرأة لم تكن أبدا صادقة في حبها، فهي تتسامح في أن يتركها حبيبها بمنتهى عدم الاكتراث وذلك لأنها.....
كوستانزو:
لا، أنا لا أفكر هكذا، أُقسم لكِ على ذلك. بل أعتبرك مثالا للمرأة الحديثة العاقلة. هناك توازن غريب فى شخصيتك، لكنه حسن، بين حبك لرجل وعاطفتك نحو بيتك، وأعني بكلمة "بيتك" مجموع ذلك الخليط المكوّن من الأفراد والمشاعر والرضا والواجبات والحقوق الذي يكون لدى المرأة منذ الطفولة إلى أن تكبر وتصبح زوجةً وأمًّا... أنتِ تُضحِّين بكل شىء من أجل حبك لرجل ليس هو بزوجك، وتخاطرين لأجله بكل شيء. نعم، ولكن هذا حين لا يصل الأمر إلى تلطيخ السُّمعة أو أن يُشكِّل خطرا على عاطفتك نحو بيتك. ففى اليوم الذى ترين فيه هذا الخطر يجب عليك أن تتراجعى. وطالما بإمكانك أن تكونين زوجة وحبيبة في آن واحد، فكوني كذلك، بكل الحب والشغف الذي بداخلك. لكن عندما يتحتَّم عليك اختيار واحدةً من الاثنتين، فلتُضحِّي بالحبيبة. أنتِ تلعبين دورا فى كوميديا الحب: هي كوميديا مليئة بالعواطف، إن أردتيها، لكن نهايتها سعيدة. أما الدراما التي تنتهي نهاية قاسية فلم تُخلق لكِ. أنت تُدركين أن النقطة التي وَصلْتِ إليها الآن فى علاقتك مع جوستافو قد تتحول بعنادك إلى دراما. هذا التوازن الجيد الذى لديك سيجعلك تنسحبين من المشهد. هذا كل شيء!
جوليا:
وهل تظن أنك بذلك تُحسن الحُكم عليّ؟ هل تنكر علىّ مشاعر الشغف والنزوة؟
كوستانزو:
هذه الأشياء قاتلة، دائما!
(يحدثها وكأنه يهمس فى أذنها)
لديكِ حبيب، ورغم ذلك يشعر زوجك أنه أسعد رجل في العالم، وهذا بفضلك أنتِ. هناك سيدات شريفات – يطلق الناس عليهن شريفات – يُنغِّصن على الزوج حياته ويُكدِّرنها وهو ما لا تفعليه أنتِ.
جوليا:
(ناظرة إليه نظرة متفحصة)
هل تودُّ لو أن لك زوجة مثلى؟
كوستانزو:
هذه مسـألة أخرى، لكن من المؤكد أن الإناء ينضح بما فيه، وكذلك تكون الزوجات حسب المجتمع الذي يعشن فيه. أنتِ لستِ من أسوأ النساء!... هل ترين أننى أسيء الحكم عليكِ؟
جوليا:
أفكارك تشاؤمية!
كوستانزو:
تشاؤمية؟ لماذا؟ على العكس، فأنا لديّ القدرة دائما على إيجاد جانب إيجابى فى كل شيء... والآن، إلى اللقاء في المساء.
(يصافحها ويخرج وترافقه جوليا إلى الباب)
نهاية المشهد.
المشهد الرابع
جوليا وأندريا
جوليا:
(موجهة حديثها إلى أندريا الذى دخل من الباب الذي على اليمين باحثا عن شىء ما فى الغرفة)
ما الذى تبحث عنه؟
أندريا:
ألم أترك هنا بعض الأوراق منذ قليل؟
جوليا:
لست أدري.
أندريا:
ها هي. (يتجه نحو الأوراق)
جوليا:
ماذا تفعل؟
أندريا:
سأذهب إلى مكتبي.
جوليا:
إلى العمل؟ حتى في يوم العطلة؟ ألن تخرج اليوم؟
أندريا:
لا.
جوليا:
جانِّينو لم يبارح مكانه طوال اليوم... خذه وتمشَّيا قليلا.
أندريا:
وأنتِ، ألن تخرجين؟
جوليا:
لا. أنت تعلم أنه حينما يكون هناك ضيوفا على الغداء فيجب علىَّ أن أُشرف على كل شىء بنفسي. فتريزا وأنتونِتَّا لا يمكن الوثوق بهما كثيرا. يجب أن تُسرع إلى مسرح دالفيرمى أنت وجانِّينو لكى تحجز لنا مكانا في المقصورة.
أندريا:
لكن الساعة الآن الخامسة والنصف.
جوليا:
لازال هناك متسع من الوقت.
أندريا:
حسنًا، اجعلي جانِّينو يرتدي ملابس الخروج.
(يذهب خارجا)
جوليا:
أندريا، ما بك؟
أندريا:
أنا؟ لا شيء.
جوليا:
هل لازلت غاضبا؟
أندريا:
لم أكن غاضبا أبدا. لقد قلتُ لكِ ما اعتقدتُ أنه الصواب. هذا كل ما في الأمر.
جوليا:
إذن ما بك؟
أندريا:
أنا قَلِقٌ بعض الشىء.
جوليا:
لماذا؟
أندريا:
لأن حالة عدم الاكتراث التي أنت فيهاِ تثير قلقى: حالة لم أعهدها فيكِ من قبل. لم أوجِّه لك يوما خُطَباً ومواعظ ولم أفرض عليكِ أو أرغب في يوم من الأيام أن تكونى مثل تلك النساء اللاتى يتظاهرن بالعفَّة ويَحْكُمن على كل شيء من خلال المظاهر. بل وفي كثير من الأحيان يَحْصُرن الشرف في مجرد الحفاظ على المظاهر. لم أتضايق منكِ أبداً فى أى وقتٍ مضى، بيد أن تصرُّفاتك ليلة البارحة ضايقتنى.
جوليا:
إذن لمجرد ارتكاب حماقة واحدة ولمجرد خطأ بسيط، تطير فيها الرؤوس بهذه الطريقة. وينتابك القلق والمخاوف... وربما الشك أيضا! فما هي الأشياء التى لا تستطيعون تحمُّلها أنتم أيها الأزواج؟
أندريا:
أنت مُخطئة يا جوليا، أنت مُخطئة في أن تتحدثي بهذه الطريقة! أنت تتحدثين وأحيانا تتصرَّفين: بدون تفكير. وتقولين أشياءً لو علمتِ معناها لاحمرَّ وجهك خجلا!
جوليا:
فلماذا تُثير هذه الأشياء؟
أندريا:
أنا؟
جوليا:
نعم، أنت. فأنا من يجب أن يغضب. بالأمس أعطيتني موعظة أبوية وأقنعتني بخطأي واعتذرتُ لك. كان يجب أن تكون هذه هى النهاية! لكنك لم تفعل، ولازلتَ تنظر لي بوجهٍ عبوس!
أندريا:
لا، يا عزيزتى. أنا خائف من أن تنسي الأمر فترتكبي غدا خطأً آخر، صغيراً أيضا، لكنه في النهاية لا يَصِحّ.
جوليا:
هل ذهبتُ إلى فيلاتي لأنني أشتهي رؤيته؟ ألم يكن هناك سبب أم لا؟ كانت نيَّتي حسنة: أردتُ أن أُحذِّره، لأنك لم تكن تريد أن تفعل هذا لأسباب واهية. ولم أكن أريد لك أن تضع نفسك في مواقف مُحرجة مع الآخرين. هل تفهم؟
أندريا:
لعلَّكِ إن لم أقابلك هناك ما كنتِ لتخبريني بفعلتكِ هذه.
جوليا:
أوه، لا، كنت سأخبرك على الفور ... هل أخفيتُ عنك شيئا من قبل؟
أندريا:
لا أعلم ... (يتحرك نحو جوليا) لا أعتقد ذلك، يا جوليا! لكن كان يجب عليكِ أن تبعثي له برسالة وتطلبي منه فيها أن يأتى إلى هنا. فيلاتي يعيش بمفرده ويسكن فى وسط المدينة، والناس تعلم أنه صديق لنا...
جوليا:
يا إلهي! لقد فهمتُ! نعم، أنا أخطأت. لعلك تُصر على سماع ذلك أكثر من أنك ترتاب فعلا... ولحسن الحظ أنه مرتبط بامرأة أخرى!...
أندريا:
أوه! جوليا! أنا رجل ساذج إن كنتُ في حاجة لمثل هذا التفكير كي يهدأ قلبي! أنتِ لا تفكرين بالمرّة فيما تقولين!
(يبتعد عنها)
جوليا:
(تقترب منه بكل الود)
أندريا! أعتذر إليك مرة أخرى... لكن لا تُكثر في ذكر هذا الأمر!
أندريا:
هذا لأني أحبك، يا جوليا. وأني أخشى على سمعتك. وأعلم أن فعلاً واحداً طائشاً قد يتسبب في كوارث كبيرة. بالأمس، حينما خرجنا من بيت جوستافو وددتُ لو أن كل من يعرفك وكل من في المدينة كان متواجدا كي يراكي وأنت مُتعلِّقةً بذراعي... كفى، لن نتحدث في هذا الأمر ثانيةً. أَلْبِسي جانِّينو. سأضع هذه الأوراق في مكانها وأعود سريعا.
(يخرج من يمين الغرفة)
نهاية المشهد
المشهد الخامس
جوليا، ثم جانِّينو وتريزا، ثم أندريا
جوليا:
(تقف عند الباب في نهاية الغرفة وتنادي)
تريزا! تريزا! أعطني سُترة جانِّينو وقُبَّعته الزرقاء. هل تسمعينني؟
(تذهبت إلى الباب الأيسر للغرفة)
جانِّينو... جانِّينو!
(يدخل جانِّينو من يسار الغرفة وتدخل تريزا من الباب الآخر وتناول جوليا القبعة والسترة الخاصة بالطفل)
تعال يا كنزي الغالي، ستتمشَّى قليلا مع بابا.
جانِّينو:
أين؟
جوليا:
(تجلس أمامه وتُقبِّله وتُلبسه السُّترة)
ستذهبا إلى مسرح دالفيرمى لشراء تذاكر لحضور الحفل الموسيقي هذا المساء، هل أنت سعيد؟...
حبيبي، كم تبدوا مُتَّسخاً! انظر إلى يديك، كم هما سوداوين! سنغطيهما بالقفَّاز كي لا تجعل بابا ينتظرك. (تصفف له شعره) حسنًاً. أين القفَّاز؟ هل هو في جيب السُّترة؟ (يدخل أندريا ويرتدي معطفه) هيَّا أعطني اليد الأخرى سريعا... انظر إلى بابا، لقد ارتدى ملابسه وأصبح جاهزا. إفرد أصابعك! هكذا. متى سوف تتعلم أن ترتدي الملابس بمفردك؟ عمرك الآن سبع سنوات! ها قد انتهينا. هيّا، يا حبيبي!
أندريا:
إلى الأمام أيها الجندي!
جوليا:
مع السلامة، كن هادءاً ومُطيعاً يا جانِّينو! (يخرج أندريا وجانِّينو، وترافقهما جوليا حتى الباب) تريزا! تريزا!
تريزا: (تدخل من الباب الذي في نهاية الغرفة)
نعم يا سيدتى؟
جوليا:
الغداء فى تمام السابعة، اتفقنا؟ قولي لأنتونِتَّا أن تقوم بإعداد المائدة بمزيد من العناية، وأنا سأهتم بالأمر. افتحي الخزانة وأخرجي أطباق البورسلين من الأسفل، ولكن برفق كي لا تنكسر.
(تخرج تريزا وبعدها بلحظات يدق جرس الباب. تتجه جوليا صوب المرآة وتنظر إلى نفسها وتصفف شعرها. يدخل جوستافو وكوستانزو)
نهاية المشهد
المشهد السادس
جوليا وجوستافو وكوستانزو
جوليا:
صباح الخير!
(يصافحها كوستانزو. ينحنى جوستافو قليلا ثم يدخل ويظل واقفا على قدميه وتبدو عليه معالم الضيق)
جوليا:
(تجلس على الأريكة وتطلب من كوستانزو أن يجلس بجوارها)
هل قابلتم زوجى؟
كوستانزو:
لقد شاهدناه يخرج مع جانِّينو، لكنه اتجه ناحية الميدان. أعتقد أنه لم يرنا. أليس كذلك يا جوستافو؟
جوستافو:
أعتقد ذلك.
جوليا:
لقد ذهب إلى مسرح دالفيرمى ليحجز تذاكر للحَفْل الموسيقي الذي سيقام هذا المساء. فقد وعد جانِّينو بهذا منذ فترة.
(لحظة صَمْت)
كان حريصاً على الذهاب.
كوستانزو:
مَن؟
جوليا:
جانِّينو!
(لحظة صَمْت)
كوستانزو:
آه! الحَفْل الموسيقي.
جوليا:
ستُعرض مسرحية "سييبا"
كوستانزو:
نعم، مسرحية "سييبا" للكاتب "مانزوتِّي".
(لحظة صَمْت)
تم تمثيلها بشكل جيد.
جوليا:
حقا؟ لا أتذكر. لقد شاهدتُها لأول مرَّة فى مسرح "سكالا". كان ذلك منذ فترة.
كوستانزو:
آه! نعم، منذ عشر سنوات على الأقل.
(لحظة صَمْت. يهمس إلى جوليا بهدوء)
يبدو لي أن الحوار يغلب عليه الفتور.
(لحظة صَمْت)
وكذلك الموسيقى رائعة للغاية...
جوليا:
أى موسيقى؟
كوستانزو:
موسيقى مسرحية "سييبا". ألم نكن نتحدث عن مسرحية "سييبا"؟
جوليا:
آه! نعم.
(لحظة صَمْت)
كوستانزو:
هي للموسيقار مارينكو، أليس كذلك؟
جوليا:
لا أعلم.
كوستانزو:
جوستافو، هل هي للموسيقار مارينكو؟
جوستافو:
نعم إنها لِمارينكو.
(لحظة صَمْت)
جوليا:
هل ستأتى معنا إلى مسرح دالفيرمى، يا مونتيتشلّي؟
كوستانزو:
(يهمس إلى جوليا)
أنتِ قاسية القلب!
جوليا:
(تهمس له)
لماذا؟
(لحظة صَمْت)
أليس لديك ما تقوله، يا فيلاتي؟
(يبدو الإرتباك على جوستافو ويقوم بحركة نفي. تنهض جوليا وتسير في الغرفة إلى أن تصل إلى خزانة صغيرة. تقوم بفتحها ثم تفتح مكانا سِرِّيًا بها وتستخرج مجموعة خطابات مربوطة بشريطة زرقاء. ثم تغلق الخزانة وتعود ثانيةً)
جوليا:
(تتجه نحو فيلاتي وتمدُّ إليه يدها بالخطابات دون أن تنظر إليه)
فيلاتي، هذه خطاباتك.
(يستعد لتناولها لكن جوليا تسحب يدها قليلا للوراء)
هل ستأخذهم؟
جوستافو:
بما أنكِ... تُعطيهم لي...
جوليا:
هم لك.
(تعطيهم له)
والآن... هل انتهى كل شىء، انتهى نهائيا؟ (لحظة صمت) ستقول: "بما أنكِ أنتِ التي تريدين ذلك..."، أليس كذلك؟ نعم، أنا التي سأنهي العلاقة معك وقد جعلتك تأتي إلى هنا لهذا السبب تحديدا.
جوستافو:
(بعد لحظة صمت ودون أن ينظر إليها)
يا صديقتى... الأمور وصلت إلى درجة... أعتقد...
(عند ذلك وقف كوستانزو وذهب إلى الباب فى محاولة منه أن يخرج بهدوء)
جوليا:
مونتيتشلّي، هل ستغادر؟
(تجلس على الأريكة)
كوستانزو:
لا.. كنت أنظر فقط...
جوليا:
آه، لا ترحل.
(توجه كلامها إلى جوستافو)
ماذا كنت تقول؟
جوستافو:
الأمور وصلت إلى درجة... بعد ما حدث بالأمس... لن أقول سوى الحقيقة... أعدك أن الذى تظنينه في حقي...
كوستانزو:
(يهمس بينه وبين نفسه)
الرحمة يا إلهي، يا له من موقف!
جوستافو:
الخُلاصة، هذا فى مصلحتك، ولراحة بالك...
ربما يكون هذا أفضل... هذا أفضل... أنا أتحدث معك بصراحة، بعيدا عن أى اعتبارات شخصية... ليست هذه رغبتي بالتأكيد... ولست أنا الذي... أستطيع أن أقول لكِ أن كل ما يُقال عن خِطْبتى ليس له أى أساس من الصحة... ولكن من الناحية النفسية... أو من الأفضل أن أقول... الظروف كانت ضدنا نحن الاثنين... لست أدري...
كوستانزو:
(يهمس بينه وبين نفسه)
كلام جميل!
جوليا:
هل انتهيت؟ هل تود أن أقول لك أنا الحقيقة؟
(تقف وتقترب منه)
أنت لا تختلف عن أي رجلٍ آخر. لقد أبقيتنى معك لعامين طالما كان ذلك مُريحاً لك. ثم تعبتَ، كما هي العادة، إما بسبب تبلُّد المشاعر أو ربما الخوف وأخذتَ تُجرجر ذلك الحب كسلسلة عصيّة على التحطيم. أنت لا تختلف عن أي رجلٍ آخر. الرجل الحقيقى وليس الدُّمية حتماً سيمتلك الشجاعة ليخبرنى. وحينما يتعلق الأمر بامرأة مثلي فبإمكانك أن تقل ذلك لي دون خوف. فأنت تعلم جيدا أننى حتى لو كنتُ لا أزال أحبك – وأنا لم أعد أحبك، أقسم لك على ذلك - فلن أفعل شيئا لأتمسك بك أو أتقرب إليك، لأن هناك دوما شيء ما يدفعني لإنهاء هذه العلاقة أكثر مما يدفعك.
وبهذا تكون قد وصلتَ إلى هذه النتيجة الجميلة: أنا التي أُنهي علاقتي معك. نعم أنا، لأنني لو أردتُ ألا أنهيها فسأفعل، وستبقى رغما عنك لأنك حينها ستعتريك المخاوف.
بإمكاني الإبقاء عليك وأن أقضي معك أوقاتا ممتعة أيضا، حتى وأنا لم أعد أحبك: ذلك لأنك دُمية لا تعترض على شيء. لكنني أرى أن الأمر أتفه من أن يستحق مني ذلك. فهدِّىء من روعك، ألا ترى كم أنا هادئة! ولكن حذارِ، سأكرر لك ما قلتُه من قبل لمونتيتشلّي، احذر من تصرفاتك. تتزوج أو لا تتزوج هذا أمر لا يهمُّني، لكن حافظ على تصرُّفاتك أمام زوجي. لا تنقطع عن زيارتنا بصورة فُجائية فلا يستطيع زوجي فَهْم هذا التصرُّف. ربما... لا، لن يشك... ربما سيندهش أو ربما يتذكر ما حدث بالأمس فيضع هذه الأحداث الصغيرة بجوار بعضها البعض... فيتخلَّى عن هذه الثقة الكبيرة، الثقة العمياء التي وَضَعَها فيَّ والتي أعتزُّ بها كثيرا وأحتاج إليها بشدَّة!... إيه! أريد أن أكون قادرة على فعل ما أريد.
أريد أن يكون لي حبيبا آخر يحبني دون أن يكون لزاما عليَّ أن أتصرَّف بطريقة أفضل مما فعلتُه من قبل ولا زلتُ أفعله حتى هذه اللحظة. فأنت تعلم أني أحب زوجي... أحبه بطريقتي، لكني أحبه ولا يجب أن أُسبِّبَ له ما يقلقه حتى ولو كان شيئا ضئيلا. اتفقنا؟ تعال إذن وقتما تريد، بمعنى آخر، حينما يدفعك ذلك الجزء القليل من الوفاء أو الطيبة المتبقِّية لديك أن تقتنع أن الوقت قد صار مناسباً للمجيء.
ولا تقلق من أن رؤيتك سوف تسبب لى الآلام أو أن ذكرياتى معك سوف تحرمني من النوم أو الشهيّة للطعام. لا! سوف يكون استقبالك ثقيلا على نفسي تماما مثلما هو ثقيل على نفسك المجيء. ولكن لابد من ذلك. بإمكانك بكل تأكيد أن تفخر بنفسك لأنك خرجتَ سالماً من هذا الأمر ولكن أَخْرِجْ من رأسك الوهم بأننى مليئة بالحسرة والحزن. أنا لم أعد أحبك... ولا أعلم حتى إن كنتُ فعلا قد أحببتك من قبل... يبدو لي مستحيلا أن أكون قد أحببتُ رجلاً مثلك. بالأمس عندما تركتُك قلتُ لك: "لا تفكر في الزواج منها". كان ذلك انفعالاً لحظيَّاً. لقد فكرتُ في الأمر ثانيةً والآن أقول لك: "تزوجها حالاً!"، مسكينة، كم أنا متعاطفة معها! لا تعتقد أنها سوف تحبك كما أحببتُك... فأنا أتعشَّم أن تكون أكثر ذكاءً مني وتفهم سريعاً أنك لا تستحق حُبَّها. وأنه مضيعة للوقت!... شيء أخير أودُّ قوله: فلْتتفضَّل وتُعيد لى كل ما يخصَّنى لديك: من خطابات، وصور، وبرقيَّات... أَرْسِل لي كل شيء ولا تنس شيئا. لا تكن وضيعاً في نهاية المطاف وتحتفظ بشيء. فلا يجب أن تتباهى بأنك كنت حبيبي يوما ما أو تبتهج بذلك... سأرسل لك غدا من يأخذ كل شيء.
(يُسمع جرس الباب فيسرع كوستانزو إلى باب الغرفة ليرى من القادم)
جوليا:
هل اتَّفقنا؟
كوستانزو:
سيدتى، إنه زوجك!
جوليا:
هل اتَّفقنا؟
كوستانزو:
(مرتبكا)
زوجك فى غرفة المدخل!
جوليا: (مخاطبة كوستانزو)
لقد قلتُ ما لديّ.
(يدخل أندريا)
نهاية المشهد
المشهد السابع
جوليا، أندريا، جوستافو، كوستانزو
جوليا:
(تتجه نحو أندريا)
هل حجزتَ المقاعد؟
أندريا:
نعم
(يتجه نحو جوستافو ويحيِّيه)
عزيزي المحامي، هل أخبرك مونتيتشلّي؟ ذلك الأمر الخاص بأخيك على ما يرام تماما!
كوستانزو:
(يقف بعيدا ويقول لنفسه)
نعم ... هذا صحيح. لعلك لن تعلم أبدا كيف وكم أنك أنت على ما يرام من هذه اللحظة.
جوليا:
(إلى أندريا)
لقد ظننتُ أنك لن تجد تذاكر لأن اليوم هو يوم الأحد وكان الوقت متأخرا.
أندريا:
بالعكس...
جوليا:
وأين جانِّينو؟
أندريا:
أرسلتُه إلى تريزا كي تأخذه إلى الحمّام.
جوليا:
يا لك من أبٍ حازق حقا!
(تتجه بالحديث إلى كوستانزو)
هل أُحضر لك الفيرموت؟
كوستانزو:
شكرا
تريزا:
الطعام جاهز ياسيدتي!
جوليا:
(موجهة حديثها إلى كوستانزو)
الوقت صار متأخرا للغاية.
(ثم متوجهة إلى جوستافو)
فيلاتي، أعطني ذراعك!
(الجميع يتجهون لغرفة الطعام، وهنا يُسدل الستار)
النهاية