القاهرة 21 مايو 2020 الساعة 05:12 م
ثمة خيط غير مرئي بين تكوين الشخصية المصرية وتخلخل النظام الطبقي التقليدي الذي شهده المجتمع المصري عبر فترات تاريخية تراكمية، وهو تخلخل ساهم بدوره فى الحراك الاجتماعى والإسراع بظهور الطبقة الوسطى- الطبقة التي لا يصل أعضاؤها إلى مواقعهم الطبقية عن طريق الوراثة، وإنما عن طريق الإنجاز الشخصي- ؛ وهو ما أنحصر تدريجياً بظهور الطبقة الطفيلية فى منتصف سبعينات القرن الماضى، تلك الطبقة التي أعادت صياغة البناء الطبقي فى المجتمع المصري بمنظومة من القيم الإستهلاكيه النفعية التي كان من أبرز تداعياتها تزايد أعداد الهجرة النفطية منذ منتصف السبعينيات؛ وحتى يومنا هذا.
الهجرة النفطية التي شهدها المجتمع المصري أدت بالتبعية إلى تفكك الأسر المصرية؛ بعد أن غاب رب البيت عن أبنائه وأسرته لسنوات طويلة بحثاً عن عمل يرتقى به لطبقة اجتماعيه تضمن له الوصول الى مستوي لائق من العيش والإنجاز الذي لم يجده فى بلده بعد أن خرج من دائرة التصنيف الطبقي الذي أعادت الطبقة الطفيلية صياغته؛ وهو ما أدى إلى كارثة مازالنا نعانى منها حتى اليوم إلا وهي تشوه هوية هؤلاء اللذين هاجروا بحثاً عن الذهب الأسود؛ وبرزت بشكل واضح بتغير هوية ملبسهم ومأكلهم بل وطريقة تعليمهم لأبنائهم.
هوية أكتفت بالمظاهر الشكلية للتدين؛ والذي هو بعيد كل البعد عن جوهر ديننا السمح؛ مما كان له أثره ولا يزال على مسيرة الحركة الاجتماعية المصرية.
ويشكل الدين مكوناً رئيسيا من مكونات الشعوب العربية بشكل عام -الشعب المصري على نخو خاص-، باعتبار أن الهوية هي الصيغة التي تسم مجموعة من الناس الذين يشتركون في خصائص وسمت مشتركة، وأن الدين -بجانب اللغة والإرث المشترك من العادات والتقاليد والفنون- يعد أحد المكونات الأساسية لهذه الهوية. فللهوية أبعاد سياسية وتراثية ولغوية ودينية، ويعد بعدها الديني من أبرز هذه الأبعاد وأكثرها تأثيراً.
ويعني ذلك أن الدين يلعب دوراً محورياً في تشكيل الهوية؛ بحسب الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي بحسب ما ورد فى كتابه" صوت الإمام.. النص الديني من السياق إلى التلقي"، ومن مظاهر الهوية الدينية للعائدين من بلاد النفط والتي أدخلت علي مجتمعنا المصري استخدام الرموز الدينية خاصة ارتداء الحجاب والذي انتشر علي نطاق واسع، كما تنوعت أساليبه وتحول إلي موضوع للنقاش الديني والفتوى الدينية؛ وأصبح نوع الحجاب وطريقة ارتدائه والملابس التي ترتديها المرأة المحجبة من الرموز الدالة على شدة التدين أو شدة التمسك بالدين، وقد يصل الأمر إلى مداه عندما يتحول الحجاب إلى نقاب.
وفى المقابل حرص بعض الرجال على تأكيد هويتهم الدينية من خلال إطلاق اللحى أو ارتداء زى مختلف عن الزى المصري المحلى بل والعالمي من ناحية أخرى، وهو ما أشار إليه أيضاً (زايد،118).
ولكن يبقى من أغرب ما حدث من تشوه لهويتنا تشوه لهجتنا المصرية القومية، وهو تشوه لم يحدث فى عهد الاحتلال العثماني للدولة المصرية والذي أستمر لقرون!؛ حيث تمسك المصريون بلغتهم العربية القويمة مقابل اللغة التركية، ومع دخول عصر الإنترنت والعولمة فى العقود الأخيرة من القرن العشرين تفككت تماما لغتنا العربية ومن داخلها لهجتنا المصرية القويمة للدرجة التي قد نصفها بالكارثة؛ لك ان تنظر مثلا للغة مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من فئة الشباب وأنت ستصعق مما حدث من تغير جوهري للغتنا العربية ومفرداتتنا المصرية!
فى النهاية، بالنظر في نظريات الفعل الاجتماعي _ أو بنظريات الأفراد أو الفاعلين-، يقسم عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين أنماط الهوية لثلاثة أنماط هي هوية إضفاء الشرعية وهي الهوية التي تستند إليها المؤسسات المسيطرة في المجتمع لكي تبسط رواق سيطرتها علي باقي الفاعلين الاجتماعيين، ولكي تعطي معني عقلانياً لهذه السيطرة، وهوية المقاومة وينتجها هؤلاء الذين يشعرون وضعهم أو ظروفهم تؤدي إلي استبعادهم بحكم منطق الهيمنة، وهوية المشروع المستقبلي وهي الهوية التي تصوغها الحركات الاجتماعية التي تسعي إلي التغير الشامل للمجتمع ومثالها جماعات الإسلام السياسي التي تريد القضاء علي الدولة العلمانية وتأسيس دولة دينية محلها وهو ما حدث داخل المجتمع المصري لعقود كان من بين مظاهره التغير الشكلي للمصريين لتأكيد هويتهم الدينية.