القاهرة 12 مايو 2020 الساعة 12:21 م
كتب: أسامة الزغبي
عندما بدأت مصر في الانتباه إلى أهمية صناعة السياحة، ونظرا لما تمتلكه مصر من كنوز أثرية ضخمة وتاريخ ممتد ربما كان في أحد تجلياته اختصارا لتاريخ العالم، كان من الضروري النظر في تأهيل الأشخاص الذين يستطيعون نقل هذا التراث إلى السائحين بشكل علمي وبتمكن كامل من اللغات الأجنبية. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تطوير مهنة المرشد السياحي الذي كانت في السابق تقتصر على ما يسمى بالترجمان والذي لم يكن سوى شخص يجيد إحدى اللغات الأجنبية بشكل مقبول يمكنه من شرح بعض المعلومات الأثرية والتاريخية، وكانوا في غالبيتهم محليين بمعنى أن كل ترجمان خاص بمنطقة معينة وبالتالي ليس ملما بشكل كامل بكل التاريخ والآثار المصرية الممتدة على ضفاف النيل. ومع ذلك فاليوم ننظر إليهم بوصفهم الآباء المؤسسين لمهنة المرشد السياحي. يعانى المرشدون السياحيون من عدم قدرة الكثيرين على فهم هوية عملهم ويشعرون بالكثير من الضيق عند اختصار البعض لهذه المهنة في مجال الآثار والترفية فقط وهو أمر لا يوضح حقيقة واقع المهنة التي يتم منحها في كثير من الأوساط لقب سفير الداخل. يضع قانون 121 لسنة 1983 تعريفا للمرشد السياحي بأنه الشخص الذي يتولى الشرح للسائحين بالمناطق الأثرية والتاريخية مقابل أجر. يبدو التعريف جميلا وبسيطا في ظاهر الأمر ولكن في الحقيقة أن إعداد وتأهيل شخص ما كى يستطيع شرح تاريخ ممتد لآلاف السنين بحقبه الفرعونية و اليونانية والرومانية و العربية وصولا إلى العصر الحديث بكل تعقيداته وتشابكاته، بكل ما يشتمل عليه من دراسة متأنية لعمارة وديانة ونُسق الحياة لكل هذه الفترات على حده، هو أمر في غاية التعقيد، بالإضافة إلى دراسة الأساطير الدينية المرتبطة بمصر القديمة وتماسها مع الديانات الإبراهيمية، علاوة على الإلمام التام بإحدى اللغات الأجنبية كي يستطيع إيصال المعلومة بسهولة ويسر للسائح. وبما أن مصر هي أكبر مستودع للآثار في العالم والاكتشافات الأثرية بها لا تنتهي، وبالتالي يضيف أمر متابعتها عبئا كبيرا على كاهل المرشد السياحي لمتابعة هذه الاكتشافات وتحديث معلوماته عنها فلربما غيّر اكتشاف ما معلومات كانت مستقرة. المادة العلمية التي يجب للمرشد السياحي الإلمام بها ومع أنها تبدو لغير المختصين أمرا معقدا يصل إلى حد الطلاسم وهي بالفعل كذلك ولكن المرشدين المحترفين مع الوقت يتمكنون من إيجاد طريقة أو أخرى لربط كل هذه الموضوعات ببعضها وتقديمها في وجبة خفيفة للسائح، ولكن في رأيى أن الجزء الأصعب في هذه المهنة هو ما يبدو سهلا لغير المتخصصين. في أغلب الأحيان يتم تسويق المرشد في البرنامج السياحي بأنه المسئول الأول وربما الأوحد عن الجانب الثقافي في المقصد السياحي. فكرة هذا التسويق صحيحة وبالتالي ينتظر السائحون فرصة وجود المرشد لسؤاله عن كل ما يتعلق بالمقصد وليس فقط المكان الذي تتم زيارته. فالسائح يسأل عن كل شيء يراه.
المرشدون في بداية عملهم بهذا المهنة ينصب كل تركيزهم على المادة العلمية الخاصة بالآثار و التاريخ، وبالتالي فهناك الكثير من الجوانب المتعلقة بالثقافة العامة لا تغطيها الدراسة الأكاديمية لمهنة الإرشاد. ومن هنا تأتى أهمية الثقافة العامة في تكوين المرشد السياحي والتى تتطلب منه القراءة الناقدة لكل مظاهر الحياة في بلده كي يستطيع الإجابة عن فضول السائحين. أعطى هنا مثلا كى يتمكن القارئ من فهم هذا الأمر. حزام المنازل غير المكتملة والعشوائية بكامل الطريق الدائري على سبيل المثال. ففي بلاد العالم المتحضر لا يمكن مشاهدة مثل هذا الأمر، وبالتالي يثير ذلك فضول السائحين لمعرفة سبب وجود هذا الأمر وهنا يجب على المرشد أن يكون ململا بأسباب هذه الظاهرة وكيف نشأت، في الوقت الذي اعتاد المواطن العادي رؤيتها دون أن يثير فيه ذلك أدنى فضول. مثال آخر كثيرا ما يثير فضول السائحين وهو لماذا يرتدى الكثير من النساء ملابس سوداء خاصة في الصعيد.. هل جميعهن منتحبات؟ هذه النوعية من الأسئلة لا تغطيها الدراسة الأكاديمية بالطبع ولا يُنقذ المرشد من عدم الإجابة عنها سوى قدر كبير من الثقافة العامة. ثم ندلف إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والصورة الذهنية التى رسختها آلة إعلامية جبارة على مدار السنين عن الدين الإسلامي وهو الأمر الذي برز مع تنامي الإسلاموفوبيا في الغرب وخاصة بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة. وقع على كاهل المرشدين السياحيين مهمة كبيرة لإثبات أن الدين الإسلامي براء من هذا الإرهاب والذي وقع بعضهم ضحية له مثل الشهيد عادل حماد الذي رفض أن يهرب أثناء مذبحة الدير البحري بالأقصر عام 1997 وقضى نحبه مدافعا عن حياة سائحيه. مهمة أخرى لا تقل ضراوة خاضها المرشدون السياحيون بكل بسالة وكانت عبارة عن تصحيح الصورة الذهنية التى رسختها آلة الجزيرة الشيطانية بشأن ثورة 30 يونيو، فكوّن بعضهم مجموعات للرد على كل المغالطات والأكاذيب التى كان يبثها الإعلام المعادى لثورة مصر على الجماعة الإرهابية واضعا حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة بلده، وأنشئوا صفحات باللغات التي يجيدونها للرد على كل المغرضين وأظنهم نجحوا في ذلك بشكل كبير. وحاليا يتصدون متسلحين بقدراتهم اللغوية وعلاقاتهم التي كوّنوها على مدار سنين عملهم لكشف زيف الإدعاءات الإثيوبية وإثبات حق مصر التاريخي في مياه نهر النيل استكمالا للجهود الدبلوماسية التى تقوم بها مصر في هذا الصدد. يتضح لنا من كل ما سبق أن المرشد السياحي المصري هو منتج ثقافي مصري متميز ولديهم الكثير؛ مما يستطيعون تقديمه لمصر التي يعشقونها ويتغنون بمجدها ليل نهار.