القاهرة 25 فبراير 2020 الساعة 10:59 ص
د. هويدا صالح
في فلسفة الجمال وعلاقة الفنون بالثقافة، ومحاولة تنمية الوعي وتربية جمالية التذوق للفنون يأتي كتاب " الفنون وتطور الثقافة الإنسانية" للدكتور شاكر عبد الحميد الصادر مؤخرا عن دار ميريت، ليبحث في فلسفة الفنون، وكيفية تلقيها، بل ويكتب تاريخ التلقي لهذه الفنون وتطورها. وفوائدها في ترقية الحس الجمالي والذوق العام، والارتقاء بالوعي الإنساني.
يبحث شاكر عبد الحميد في تاريخ تطور الفنون وعلاقتها بالثقافة، يستجلي مفهوم الثقافة العامة وعلاقتها بالفنون خاصة، ويوثق لهذه المفاهيم ،وعلاقتها بالهوية الثقافية:" تعتمد قوة الثقافة، الآن، على ما إذا كان الناس، روحيًّا وسياسيًّا، يتسمون بحرية التفكير، ويسلكون، أيضًا، بصفتهم أفرادًا لهم حريتهم، ولهم كرامتهم التي يحفظها الدستور والقانون".
ثم يؤكد أن الثقافة العلمية قد لعبت دورا هاما في" تقدم تكنولوجيا الفنون وعالمها، ولعبت الثقافة الدينية أدوارًا متباينة أيضًا؛ كانت أحيانًا إيجابية فشجعت الفنون، وأحيانًا سلبية فأعاقتها أو أخرتها أو حرمتها، ولعبت الثقافة الاقتصادية كذلك أدوارًا مهمة في تطوير عالم سوق الفن، وفي تطور العديد من الفنون المرتبطة بهذا العالم. كذلك لعبت الثقافة الفنية والنظريات الفلسفية أدوارًا مهمة أيضًا في تطور عمليات الإبداع الفني ذاتها"
يتكون الكتاب من سبعة فصول.يتناول في الفصل الأول أصول تعريفات الفن ثم تعريفاته القاموسية والاصطلاحية :"يتم إنتاج الفن عندما يقوم فنان ما بإبداع عمل فني يتعلق بالجمال، أو بالاستثارة لخبرة جمالية يعُدُّها المتلقون لهذا العمل ذات جدارة، أو جاذبية جمالية". كما يتناول في الفصل الثاني معنى الثقافة وعلاقتها بالفنون،ويعمد إلى تحليل علاقة الفن بالحياة من خلال بيان علاقتها بالثقافة وبيان وجوه تبادل الأثر بينهما:"وعندما نتتبع تطور الفنون فإننا نتتبع طموحات الشعوب وأحلامها ورؤاها ومعتقداتها الأساسية أو فلسفتها العامة حول الكون والإنسان والحياة".يتتبع في هذا الفصل تعريفات الثقافة باعتبارها إطارًا جامعًا للفنون،ثم يقارن بين الحداثة وما بعد الحداثة متخذًا وعلاقتهما بالإنسان في وضعياته الاجتماعية والتراتبية والنظام الهيراركي الذي يحكم حياته، وعلاقته بالأنثربولوجيا والمعرفة والميثولوجيا ، ثم يعرض للفنون ما بعد الحداثية مركزًا على "الخلاط الفني (الباستيش) في الفنون عمومًا صورة أو صور تتم استعارتها أو استعادتها، أو استعارة التكنيك الخاص بها أو عناصرها، أو موتيفاتها، على نحو واع من أعمال أخرى".
وفي الفصل الثالث يعرف الكاتب معنى الذات المتكلمة التقليدي، ثم ينتقل إلى التعبير عن كيفية تكلم هذه الذوات في اللوحات وخصوصًا البورتريه، ويؤكد أنه :" في رأينا إن تحويل الذاتي إلى موضوعي أمر قد يصدق على أشياء كثيرة في الفن، لكنه لا يصدق بشكل خاص على تصوير الفنان للإنسان، حتى إن كانت هناك موضوعية هنا فإنها ستكون، دون شك، موضوعية ذاتية" وبناء على هذا يكون ملائمًا جدا أن يجعل مقولة أرسطو عن الفن عمومًا مرجعًا لفكرته: " لا يتمثل الهدف الخاص بالفن في العرض للمظاهر الخارجية للأشياء، بل دلالتها الداخلية" ومن هنا تكون مهمة رسام البورتريه الحاذق هي: " وكما ذكر إدوارد بيرن جونز E. burune – jones فإن الخيار الوحيد الذي قد يكون متاحًا أمام رسام البورتريه الكبير هو التعبير عن الطابع أو الشخصية المميزة لمن يرسمه".
ثم ينتقل في الفصل الرابع إلى استقصاء تاريخ الفوتوغرافيا والكاميرا وهذا الولع الذي تملك الإنسان بسبب هذا الاختراع الذي يمكن الإنسان من تثبيت الكادر والقبض على اللحظات المميزة في حياته، ثم يتناول تأثيرات التصوير الفوتوغرافي على الثقافة المعاصرة: بوصفه مهنة، والتصوير التوثيقي، وفي عالم الإعلانات والصحف، وفوائده في تسجيل الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وإبرازها للناس، وإسهامه في والتمهيد لتلك الثورة الرقمية والتكنولوجية، في مجال الجريمة والقانون، وفي استخدامه لأغراض فنية أو جمالية.
ويأتي الفصل الخامس ليكشف عن ذلك العالم المبهر والمضئ للشاشة الفضية التي أثرت قلوب مليارات البشر، وكيفية صناعة النجوم في السينما، وأثرها على الذهنية الخاصة بالناس، خاصة سكان الحضر الذين هم نتاج لهذا الفن، كما تناول خوف صناع السينما أنفسهم من صناعة نجم يسرق الأضواء، ثم يرصد التطورات التي وصلت بتحول الفيلم إلى ما يشبه سيارة فورد يتم تصنيعها في مركز إنتاج معقد جدًّا، ثم يقوم بتحليل العلاقة بين السينما والنجم والسلعة والماركسية وعلم العلامات لدى بارت تحديدًا، ويقوم بتحليل عدد من أفيشات السينما:" الأفيشات، مثل النجوم، تجسد ما نفقده في حياتنا من رغبات غير متحققة وأمنيات غير متمثلة، وهي تعد بتحقيق ذلك عندما نذهب لمشاهدة الأفلام".
ثم يكشف في الفصل السادس عن حقل معرفي جديد هو "الصناعات الثقافية والإبداعية"،وكيفية استثمار هذه الصناعات، وعرض التجارب الرائدة والكبرى مثل التجربتين الإنجليزية والصينية.
وفي الفصل السابع يكشف عن كيفية النهوض بمصر واستغلال روح المكان وهو مصطلح يتم طرحه في هذا الكتاب وهو يشير إلى:"تلك الجوانب الفريدة المميزة لمكان ما, تلك الجوانب التي غالبًا ما يحتفي بها الكتاب والفنانون ويتم الاحتفاء بها في الأدب والفن والحكايات والاحتفالات الشعبية".ثم يستقصي سمات الشخصية المصرية وعلاقة المصري بالفنون، ثم يعرج على ثورتي 25 يناير و30 يوليه ، ويتتبع رؤية الشعب المصري لمعنى الدولة المدنية ورفضهم للدولة الدينية التي حاول الإخوان التأسيس لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ