القاهرة 12 مايو 2020 الساعة 10:30 ص
محمد حسن الصيفي
للسنة الثالثة أو الرابعة على التوالي نعاني من المط والتطويل في الدراما الرمضانية، وعلاقة الصداقة التي تتكون مع هذا المسلسل أو ذاك تبدأ في التلاشي بعد الأسبوع الأول حتى تتلاشى تمامًا مع انتصاف الشهر!. لأسباب تخص الإعلانات والعائد المادي أصبح الثلاثون حلقة فرض عين على كل المؤلفين والمخرجين، سواء تحتمل القصة ذلك أم لا، ومعنى ذلك أن يتحول السيناريست والمخرج من مبدع إلى فطاطري، ومن مصمم أزياء مرهف إلى ترزي بلدي متخصص في "المَرمَات" والجلاليب البلدي! وقياسًا على ذلك تبدأ عوامل الجذب في التضاؤل والاختفاء شيئًا فشيئًا حتى يقف المُشاهد أمام الملل وجهًا لوجه في مباراة طويلة تعتمد على الصبر الجميل وطول البال. في الحلقة الأولى من أحد المسلسلات تعيش البطلة قصة حُب ثم خطوبة ثم خيانة ثم انفصال قبل أن تتعرض لحادث خطير يُفقدها الذاكرة! هذا الحشد الكبير من الأحداث في الحلقة الأولى فماذا سنشاهد في 29 حلقة متبقية؟! سنواجه حتمًا الملل والرتابة ونظرات طويلة ومشرئبة على طريقة المسلسلات الهندي وحوارات دائرية على لسان الأبطال لا غرض منها إلا حرق الوقت على طريقة رجل يكره منزله فيخرج في جولات عشوائية لا غرض منها إلا قتل الوقت بالسكين! أين تطور الأحداث؟ أين الحبكة؟ في مسلسل آخر شاهدت أحد مقاطعه على اليوتيوب لمدة أربع دقائق ونصف والكاميرا في حالة ثبات والأبطال متحفزون لحدث قادم لكنهم رابضون في الظلام لا يتحدثون ولا يوجد حركة تنذر بتطور الحدث على أي نطاق سوى الصمت قبل أن ينتهي المقطع كما بدأ بلا أي جديد! العالم الآن يتجه للاختصار تماشيًا مع حركة الحياة وإيقاع الزمن ونحن هنا متشبثون بالحلقات الثلاثين وكأنه "نذر" لله ! أنجح المسلسلات على مستوى العالم التي تحظى بملايين المشاهدات لا تزيد عن عشر حلقات للجزء الواحد، وبعضها جزء واحد مكون من ست أو عشر حلقات فقط! وبعضها مكون من ثلاثة حلقات فقط! ونحن هنا متمسكون بالثلاثين ومع التمسك والتشبث والتشدد يواجه المشاهد الملل والتناقض والتطويل الرهيب، فتجد ديباجات ومقدمات تشعرك أننا أمام محاضرات أكاديمية أو مقالات إنشائية! مشاعر تنفي الدراما وجمالها وأغراضها شكلاً ومضمونًا، تضطرك للصبر أحيانًا على أمل التطور، على أمل أن تدوم الصداقة والمحبة مع المسلسل الذي تشاهده للنهاية، على أمل ألا تضيع ساعات المشاهدة السابقة هباءً، على أمل الأ يضيع رهانك وينضم إلى خيبات طويلة متكررة من أشخاص وأفكار ... لكن للأسف تأتي لحظة النهاية وتقرر أن تنهي تلك العلاقة الضاغطة التي أطاحت بسقف طموحاتك في العمل. والمشكلة ليست في عدد الحلقات قدر ضعف القصة والكتابة وهروب الإيقاع من الكاتب نظرًا لأنه مضطر ونصب عينه "التارجت" وليس العملية الفنية بأي شكل من الأشكال رغمًا عن القصة والحبكة وتطور الأحداث وملل المشاهد! والمشكلة الأكبر في "السربعة" وسلق التصوير والمشاهد وخروج أخطاء كارثية أحيانًا يلحظها المتفرج العادي قبل الناقد أو المتخصص! ومع الاحترام الشديد للدعاية والإعلانات وحسابات المكسب والخسارة بلغة الاقتصاد التي لا يدخل فيها المشاهد ولا تعنيه بحال من الأحوال؛ ماذا سيربح القائمون على العمل بعد هروب المشاهد! أي مكسب بعد ذلك بعد أن حكم المشاهد على العمل بالإعدام وأغلق القناة بغضب مقسمًا ألا يعود للعمل مرة أخرى! وإذا كان المشاهد لا يعني صُناع العمل فمن هو المستهدف من تلك العملية الكبيرة التي تستهلك طاقات مادية وبشرية رهيبة!
|