القاهرة 06 مايو 2020 الساعة 10:53 م
الدراما .... بندقية!
بقلم :د. هبة سعد الدين
الدراما ليست مجرد حالة ترفيه فحسب ؛ بل انعكاس لواقع المجتمع ومشكلاته ويمكنها ببساطة أن ترسم حالة متكاملة لحدث أو مشكلة ومع تطور دورها يمكنها المساهمة في حل الكثير من المشكلات ببث "الوعي" ، ويشترط لذلك أن يكتبها قلم متمكن قادر على الإلمام بكافة الأبعاد، ومخرج يستطيع إدارة فريق عمل يقدم صورة تعادل المكتوب ، وقد سبقت الدراما منذ سنوات وأدركت دورها في مواجهة الإرهاب لتقف على الجبهة جنباً لجنب مع الجيش والشرطة ، وقدمت المشكلة "الإرهابية" بكافة جوانبها بحسب تطورات الأحداث والمتاح وقدرة مبدعي الدراما على صياغتها ، فالفن بصورة عامة درع للوطن والدراما بشكل خاص أحد أسلحته القادرة على المشاركة في معركة "الوعي" الأكثر شراسة ؛ فذلك ما يسمح للجمهور بادراك "المعركة" التي لا تزال مستمرة وتشتد شراسةً كلما واجهتها قواتنا ، ويزداد في ذات الوقت احتياجنا للدراما ودورها في المواجهة. العمليات الإرهابية في النبأ العاجل أو البيانات أرقام مجردة في الخسائر المادية والإنسانية ؛ لكن "الفن" يعيد تقديم ذلك من خلال دوائره المتعددة فيصبح الشهيد أباً وابنا وأخا وزوجا وجاراً في دوائر إنسانية لا تنتهي ، لتتحول المعلومات إلى واقع يشعر به الجميع فيدرك أبعاد الحرب وجوانبها المتعددة وعمق الخسارات التي تسببها، لتختلط المشاعر ونصل لبحث المواطن عن دوره في المواجهة . لذلك لم يكن "إرهابي" لينين الرملي ونادر جلال عام 1994 ؛ بداية تقديم صورة "الإرهابي" على شاشة السينما بأفكاره وتدريباته وعملياته الإرهابية الدموية التي سينفذها ليدخل الجنة! فقد سبقه وتلاه عدة أعمال سينمائية أدركت أن الدولة لا يمكن أن تواجه بمفردها تلك الحرب ، وبصورة ما سبق فيلم "الإرهاب" لبشير الديك ونادر جلال عام 1989 ورصد جانباً آخر لتلك المنطقة، فقد قدم الخداع الذي يمارسه الإرهابي حتى أنه يصيب الآخرين بالشك في "الدولة" ويستغلهم في عملياته الإرهابية ويجعلهم يشعرون "بمظلوميته"!! كل تلك الجوانب أثارها فيلم "الإرهاب" مبكراً لكنه لم يقترب من سيكولوجية الإرهابي بصورة أعمق كما اقترب فيلم "الإرهابي" وإن تحول فيما بعد إلى صورة نمطية استسهلها الكثيرون. عندما جاء فيلم "الإرهابي" كان صرخة في وجه ما يحدث في تلك الفترة ؛ خاصة أنه واكب اغتيال المفكر فرج فودة واقترب الفيلم نوعاً مما حدث معه ، فذلك الإرهابي القاتل لم يقرأ كلمة لمن تبرع بقتله ولم يتراجع عن أفكاره إلا عندما لمس "الحب" قلبه وتحاور مع من يريد قتلهم ، وهنا تراجع عن نهر الدماء الذي كان مشاركاً فيه؛ بل تحول لينضم للفريق الآخر . لسنا بصدد النقد الفني لفيلمي الإرهابي والإرهاب وغيرهم من الأعمال التي جاءت في التسعينات ؛قمة الأحداث الإرهابية التي شهدتها مصر في حربها التي لا تزال مستمرة ، وتبدو الصورة أكثر وضوحاً مع إنتاج فيلم "الناجون من النار" عام 1996 ، لمحمد شرشر وعلي عبد الخالق، والذي شارك في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي وخاف منتجه عادل حسنى أن يعرضه تجارياً وانتظر حتى عام 2006 ليذيعه على القنوات الخاصة!! في التسعينيات كان الاقتراب من "الإرهاب" فنياً بأي صورة يعد نوعاً من المخاطرة ، لذلك كانت شجاعة من هؤلاء أن يوثقوا بدرجة ما حدث ويحذروا "الجمهور" من تلك النباتات الشيطانية التي تتغلل في نسيج الحياة المصرية وتنتظر حتى تتمكن ؛ لتحقق ما تريد. معركة "الإرهاب" معركة "فكر ووعى" بالدرجة الأولى إلى جوانبها الأخرى ؛ فلو لم يجدوا الإرهابي مسلوب الوعي والإرادة ستضيق دوائر الإرهاب ، وذلك الجانب الآخر من السلاح الذي لا يزال تواجهه الدراما على مدى السنوات والذي سيتم تناول المزيد منه لاحقاً في المقالات القادمة.
|