القاهرة 21 ابريل 2020 الساعة 12:14 م
كتبت: زينب محمد عبدالرحيم
’’ يا أهل بيت النبي دا انا خدام في واديكم
طمعان في نظرة رضى ليا العشم فيكم
إنتو رجال الحمي طالت أياديكم
تاخدُمْ بيد العيان اللي احتمى فيكم’’
بركات آل البيت وطلب المدد والاعتقاد في الأولياء وأيضًا القديسين يُعد معتقدًا راسخ في العقل الجمعي وربما يعتقد البعض إن التبارُك بالأولياء وآل البيت له بُعد طبقي إذ يقتصر على البنية التحتية من المجتمعات فقط لكن هذه نظرة ربما تتسم بالسطحية فالمعتقد الشعبي في واقع الأمر لاتُقيده تلك الأبعاد الاجتاعية الطبقية أو مستوى التعليم على العكس هذه المعتقدات تعتمد في أساسها على أبعادٍ روحية وسيكولوجية حيث يلتمس الإنسان العون عن طريق هذا الوسيط الروحاني , وربما شيوع الكرامات جعل اللجوء للأولياء والقدسين دربًا من دروب البحث عن العلاج والحل .
فيعرف د. محمد الجوهري "الأولياء " بأنه مصطلح يُشير إلى تلك الفئة من الشخصيات الدينية التي تحظى بتكريم خاص من جانب الناس ,ولكنها لا تنتمي بطبيعة الحال إلى فئة الأنبياء أو غيرهم من الشخصيات المقدسة وقد ترسخ في الاعتقاد الشعبي فكرة أن الأولياء هم الواسطة بين الإنسان وخالقه, كما يعترف المعتقد الشعبي أن للأولياء سلطان لا حدود له ,ويضفي عليهم بعض الخوارق والمعجزات ,الاعتقاد في الأولياء يشغل مساحة كبيرة لدي الجماعات الشعبية فالأولياء يجسدون أحلام وآلام هذه الجماعات في مختلف العصور.
والمجتمعات الصوفية تمثل فصيل اجتماعي وثقافي وديني له شعبية كبيرة ويؤثر بشكل واضح على الفكر الديني الشعبي خاصةً في دعوتها إلى عالم أولياء الله الصالحين سواء كان هذا الولي مصريًا أو وافدًا ومات ودفن في أرض مصر ,وهذا التقديس يحمل في طياته عبق النبوة والحنين إلى المرشد والدليل صاحب الدعوة والكرامة العارف بالله وطرقه .
ومن هنا كان آل البيت في قمة هرم البركات وخاصةً إن التاريخ يؤكد وجود هذه الشخصيات المباركة على أرض مصر مثل السيدة نفيسة ,السيدة زينب , السيدة عائشة,وسيدنا الحُسين رضي الله عنهم وأرضاهم ويليهم مباشرة الأولياء مثل السيد البدوي و أبي الحجاج الأقصري وغيره من الأولياء وأصحاب الكرامات في كل المحافظات بل يصل الأمر في بعض القرى أن هناك عدة شخصيات لها مقامات يُقام من أجلها الموالد والاحتفالات وتمثل خصوصية لتلك المنطقة كما هو الحال في جنوب مصر (الصعيد) في قنا ودندرة حيث تكثر الاحتفالات والموالد بشخصيات لها قدسية وأهمية روحية كُبرى لدى هذا المجتمع والمُلاحظ أن للضريح(المقام) خاصةً في الأماكن الريفية والصعيدية التقليدية لها طابع خاص في البناء يتسم بالبساطة وذلك على خلاف المساجد الكُبرى المخصصة لأهل البيت رضي الله عنهم.
مظاهر الفنون والإبداع داخل الاحتفالية الصوفية:
ولابد وأن نتأمل مظاهر الاحتفال بالموالد والعادات وأيضًا النصوص الادبية الروحية سواء كانت شعبية بلهجة دارجة أو بالفصحى كأغاني المديح والتصوف
فهذه الاحتفاليات يتخللها الإيقاع باستخدام الدفوف والطار والطبل البلدي ونجد من هم على مستوى عالٍ من الاحترافية في الرقص والعزف بالطورة وهي تشبهه الصاجات النحاسية ولكنها كبيرة الحجم ولها عدة مقاسات ولكل مقاس منها تون خاص وتستخدم دائمًا في الحضرة والجلسات الصوفية ويعزفها بشكل خاص وأساسي الرجال.
والأرغول آله موسيقية لها حضور أيضًا داخل الاحتفال , وحديثًا نرى الكمانجا وذلك كنوع من الحداثة داخل الاحتفال ولكن الآلة الشعبية الوترية الاساسية هي الربابة
ونجد أثناء الحضرة الصوفية راقص التنورة والمولوية وهنالك فرق بينهما حيث أن الأول راقص التنورة (المصري) يتميز بالزي الملون والمبهج ويعتمد على العديد من الحركات الاستعراضية ,فهو استعراض أكثر منه حاله دينية روحية كما في المولوية وهي رقصة تجلي موطنها الأصلى عثماني وهذه الرقصة لها حالة روحانية وقواعد وأشارات باليد والرأس ويقوم الدرويش بالتمركز في المنتصف ويدور حوله الراقصيين ويستمرون في الدوران إلى الوصول للنشوة الروحية فهي بمثابة صلاة , اما عن حلقات الذكر فهناك الأداء الحركة المتعارف عليه وهو أن يقف الرجال ويقومون بحركات هز الرأس يمين ويسار ببطئ ثم تزداد السرعة تدريجيًا وهذا الأداء أيضًا يعبر عن تواصل روحي وانفصال عن الوعي والوصول عبر اللاوعي إلى عوالم روحية عُليا , والجدير بالذكر إن المستشرقين قاموا برصد كل ما يتعلق بالاحتفال وحلقات الحضرة والذكر مثل كتاب إدوارد وليم لين ,
وكتاب وصف مصر (الحملة الفرنسية) في المبحث الثامن تحت عنوان "حفلات زفة المولد" ولأهميته سأورد بإيجازًا شديد ما ذكره المؤرخين والمستشرقين الفرنسيين عن هذه الاحتفالية ربما يهم القارئ , يفتتح هذا الفصل بالحديث عن (مولد ستي زينب) هكذا ورد في الكتاب حرفيًا وهي من أكثر شيخات(أولياء) المسلمين قداسة .
زفة المولد وما يتبعها من تواشيح ويكون عبارة عن حشدًا هائلًا من الطرق الصوفية والفقراء , وذكر الكتاب العديد من الطرق مثل العلوانية , الرفاعية, الشناوية, القاسمية , البرهامية
وذكر المبحث الالات المستخدمة :طبول (نقرزان) طبول الباز – طبلة المسحراتي- , الدفوف ,دف البندير.
الرقص في حلقات الذكر : وصف لحركة الرأس كما ذكرنا سلفًا بطيئة ثم تتسارع
ويذكر في المبحث التاسع وصف لحلقة الذكر على الطريقة السمانية وهو ذكر يؤدى بالقرب من الإمام الشافعي يستمر لمدة أربعة أيام من 8 محرم إلى 12 ويستغرق ساعة إلا ربع .
هذا ما جاء في كتاب وصف مصر عن الاحتفالات قديمًا ونلاحظ أنها لاتزال تحتفظ بنفس الطقوس ولكن مايمكن أن نرصده من تغُير هو فيما يخص العادات التي كانت تتم أثناء المولد
ولكن من المظاهر التى لا تزال راسخة لا تتغير نذكر على سبيل المثال عادات الطعام في المولد وقبله بأيام يحضر المُريدين من جميع المحافظات وربما من بلاد خارج الاطار الجغرافي لمصر لحضور المولد وأخذ البركة والنظرة ومن هنا نرى الطعام بكثرة وبكميات كبيرة جدًا لإطعام الغني والفقير ويحضرني في هذا السياق المثل الشعبي القائل
"خرجت من المولد بلا حُمص"فسياق هذا المثل الأصلي خاص بالمولد والحمص الذى يتواجد بكثرة أثناء هذا الاحتفال ولكن مع الاستخدام أصبح له مدلولات أخرى
هنا نصلي معًا شعار الصوفية
السلام بين الأديان (اليهودية والمسيحية والإسلام) والتي نادى بها الحلاج وجلال الدين الرومي في أقوالهم جلال الدين الرومي "مسلم أنا ولكني نصراني برهمي وزرادشتي توكلت عليك أيها الحق الأعلى فلا تنأ عني ,لا تنأ عني" فوحدة الأديان أحد الأفكار الوافدة مع الأولياء إلى مجتمعنا المصري فامتزجت بالثقافة الصوفية التي اثرت حب آل البيت وجعلتهم فيى مقامٍ علين, فالحب هو الإيمان ولا داعي للفرقة فالله الواحد نجتمع جميعًا في محبته,ونجد أعلام للصوفية في عصرنا الحالي نذكر الإمام علي جمعة والحبيب الجعفري ونرى تسامحهم ومحبتهم في جميع المواقف والفتوى ولن أنسَ الاحتفاليات التي تُقام في سيناء ومُجمع الأديان بالقاهرة على شرف السلام والمحبة من كل العالم , وفي الأوقات العصيبة التي يمُر بها العالم يتجلى لنا قول الحبيب الرسول صلى الله علية وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" جميعنا كيان واحد ونصلي معًا طلبًا للمحبة والرحمة والسلام.