القاهرة 19 ابريل 2020 الساعة 04:33 م
عرض وتقديم: حاتم عبد الهادي السيد
تشكل السينما التسجيلية أحد أهم المصادر التي تعبر بوضوح عن التاريخ المصري، لذا تأتي أهمية كتاب: "السينما التسجيلية المصرية في 75 عاما" حيث إن مؤلفه عبد القادر التلمساني هو أحد رواد هذا الفن الذين صنعوا تاريخ مصر السينمائي، كما أن وزارة الثقافة المصرية أخذت على عاتقها نشر هذا الكتاب لتقدم للتاريخ وثيقة من أهم الوثائق الفنية لتاريخ السينما التسجيلية في مصر. وتتضاعف أهمية الكتاب لكونه دراسة شبة بيلوغرافيا شاملة عن السينما التسجيلية، وهو من الكتب التي تحتاج إليها المكتبة العربية للتأريخ للسينما العربية في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
ويقع الكتاب في سبعة أقسام تبدأ بمقدمة عن نشأة السينما التسجيلية في العالم، ثم يأتي الجزء الأول ليحدثنا عن المجلات والجرائد السينمائية، ثم يتبع ذلك بالحديث عن رواد السينما التسجيلية، ثم يضيف لذلك تجربة الأفلام التسجيلية بعد انشاء التلفزيون المصري عام 1960.
ولد عبد القادر التلمساني 12/11/ 1924 في قرية نوى بمحافظة القليوبية، وتوفي عام 2003. وكان متعدد المواهب، فقد كان مخرجا ومنتجا وكاتب سيناريو. كما أنه ناقد وباحث ومترجم. تخرج في معهد «ايديك» للسينما في باريس عام 1950 وفي معهد الفيلمولوجي بجامعة السوربون في باريس عام 1952.
وفي عام 1953 شارك في تأسيس لجنة الثقافة السينمائية في منزل إميل بحري مع سعد نديم وصلاح التهامي وكامل يوسف وصلاح أبو سيف ومحمد أبو سيف وعبد الفتاح البيلي وحسن التلمساني، وهي اللجنة التي أصدرت أول ترجمة عربية لكتاب المخرج الروسي بودوفكين «الفن السينمائي» ترجمه صلاح التهامي، وأول ترجمة لسيناريو فيلم أجنبي «الأم» إخراج بودوفكين وترجمة كمال عبد الحليم، وأول سيناريو عربي ينشر في كتاب وهو سيناريو فيلم «حورية المصرية» تأليف عبد القادر التلمساني.
أسس عبد القادر التلمساني شركة للإنتاج والتوزيع عام 1957 بدأت باستيراد الفيلم السوفياتي «الأم»، ولكن الرقابة منعت العرض قبل ساعات من الافتتاح، وتم إغلاق الشركة، وله إسهامات مهمة في ترجمة الأعمال المسرحية، منها مسرحيات من تأليف تشيخوف وبريخت، وكافكا ويونسكو. كما كتب مسلسلات للراديو عن أعمال أدبية لتوفيق الحكيم، وعبد الرحمن الشرقاوي. وأخرج مسرحية «البر الغربي» تأليف محمد عناني عام 1964. وفي عام 1968 أسس مع شقيقه حسن شركة التلمساني إخوان، وهي أول شركة مصرية تتخصص في إنتاج الأفلام التسجيلية.
وأخرج التلمساني مسلسلا تلفزيونيا عن رواية توفيق الحكيم «بنك القلق» عام 1971. وقد صدر عنه في إطار تكريمه في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية عام 1992 كتاب تذكاري تأليف عدلي الدهيبي. ونشر عبد القادر التلمساني العديد من الأبحاث والمقالات في صحف ومجلات مصرية.
كما يعرض الكتاب لأهم أفلام المركز القومي للفيلم التسجيلي ومركز الفيلم التجريبي والمركز القومي للسينما، ثم يلحق ذلك بالحديث عن الشركات الخاصة لإنتاج الفيلم التسجيلي وبهذا يعد الكتاب وثيقة فنية تاريخية لمن يريد الخوض في عالم السينما التسجيلية المصرية عبر مسيرتها الرائدة ومنذ نشأتها حتى عصرنا الحالي.
بداية السينما التسجيلية:
في الثامن والعشرين من عام 1895 ولدت السينما التسجيلية على يد الأخوين لوميير – لوى وأوجست لوميير – واللذان قدما عرضا لمدة دقيقتين أو أكثر بعنوان "الخروج من مصانع لوميير" و"وصول قطار إلى محطة لاسبوتات" ومنذ ذلك التاريخ 1895 بدأت السينما التسجيلية في الظهور والانتشار. وتخصص في إنتاج الفيلم التسجيلي رواد عالميون كبار أمثال: روبيرت فلاهيرتى الأميركي 1884 – 1951 ودريجا فيرتوف السوفييتى 1895-1954 ) وجون جريرسون الإنجليزى 1898-1973، وجوريس ايفانس الهولندى 1898 – 1989 وغيرهم.
ومن المعروف أن السينما قد نشأت تسجيلية وكانت مدة عرض الفيلم تتراوح بين دقيقتين حتى وصلت إلى ساعة وما يزيد على الساعتين أيضاً وبدأت السينما التسجيلية تنتشر في أوروبا وفى كل أرجاء العالم الكوني. ونشأت السينما المصرية تسجيلية أيضا على غرار السينما العالمية إبان ظهورها، وعلي يد رائد السينما المصرية محمد بيومي (1894 -1963) حيث أصدر مجلة "آمون" السينمائية عام 1923، وظهر العدد الأول منها بترحيب الأمة المصرية بعودة الزعيم سعد زغلول من منفاه عام 1923، ثم تتابعت الأعداد بعد ذلك.
وبعد ثلاثين عاما من هذا التاريخ قامت شركة شل المصرية بإنشاء وحدة الإنتاج السينمائي، وأصدرت مجلة سينمائية أخري بعنوان "صور من الحياة " تناولت فيها المشروعات المهمة في مصر خلال عامي ( 1954 -1955).ثم جاءت مصلحة الفنون وقدمت "مجلة الفنون" عام 1957، ثم أنشأت الحكومة المصرية "ستوديو مصر" وقامت إدارة الأفلام التسجيلية بإنتاج "المجلة السينمائية" عام ( 1965- 1966 )، وأنتج المركز القومي للأفلام التسجيلية بوزارة الثقافة بعد إنشائه مجلتين سينمائيتين الأولى بعنوان "الثقافة والحياة"، والثانية بعنوان "النيل".
وتتابعت الأفلام التسجيلية بعد ذلك من خلال الوكالة العربية للسينما والتابعة لوزارة الثقافة فأصدرت مجلة سينمائية عام 1972 وكان عنوانها "مصر اليوم". وسبق كل ذلك إنشاء "جريدة مصر السينمائية" عام 1935 وقد أسسها المصور السينمائي حسن مراد، وكانت تابعة إلى استوديو مصر حتى وفاته عام 1970 ثم آلت تبعيتها للهيئة العامة للاستعلامات التابعة لوزارة الإعلام فغيرت اسمها إلى "جريدة مصر السينمائية الناطقة" وأصدرت أكثر من ألفين وخمسمائة عدد حتى الآن، وتعتبر سجلا تاريخيا عظيما للحياة المصرية والعربية.
رواد السينما التسجيلية في مصر:
ظهر أول فيلم تسجيلي في تاريخ السينما المصرية عام 1924 ليواكب افتتاح مقبرة توت عنخ آمون. وأخرجه محمد بيومي رائد السينما المصرية وكانت مدته ثماني دقائق، ثم تلاه فيلم "حديقة الحيوان" من اخراج محمد كريم عام 1927، ثم أخرج نيازى مصطفي عددا من الأفلام الدعائية لشركات بنك مصر عام 1936، كذلك أخرج المصور السينمائي مصطفي حسن فيلم الحج الي مكة عام 1938، كما أخرج صلاح أبو سيف فيلما عن "وسائل النقل في مدنية الاسكندرية" عام 1940، إلا أن كل هؤلاء تحولوا بعد ذلك إلي اخراج الأفلام الروائية وأصبحوا أعمدة السينما المصرية الدرامية.
إلا أن الرائد الأول الذي أجمح عليه النقاد والمؤرخون للسينما التسجيلية هو المخرج سعد نديم وذلك لأنه أمضي حياته كلها مخرجا للأفلام التسجيلية (1920 -1980)، هذا وقد قدم لنا سعد نديم ما يربو علي الثمانين فيلماً، بدأها بفيلم الخيول العربية ومدته عشرة دقائق عام 1974، كما قدم لنا العديد من الأفلام الوطنية ذات الطابع السياسي وغيرها ونذكر منها:
فيلم "الفن المصري المعاصر" و"راغب عياد" "حكاية من النوبة" و"عدوان على الوطن العربي" و"فليشهد العالم" و"موكب النصر".
وحينما بدأ التلفزيون المصري ارساله عام 1960 أخرج سعد نديم للشاشة المصرية والعربية عده أفلام مهمة منها "متحف السكة الحديد" و"أسوان" و"مدينة سياحية" و"مدينة كوم أمبو" و"جزيرة فيله" و"البترول" و"الحديد والصلب". كما أخرج للتلفزيون العديد من الافلام منها "النحاس" و"التجارة العربية" و"الزجاج" و"الفخار" و"الكليم والسجاد" و"الخيام الحصر". كما أخرج العديد من أفلام الآثار الفرعونية منها "تراث الإنسانية" و"أبو سمبل من فيلة إلى إيجيليكا" وغيرها.
وتعتبر هذه الافلام وغيرها من الوثائق التاريخية التي تصاحب مسيرة الحضارة المصرية على مر العصور. ويعد صلاح التهامي ثاني رواد الفيلم التسجيلي في مصر، حيث سافر الى لندن لدراسة السينما التسجيلية ثم عاد الى مصر وقدم العديد من الأفلام الرائعة نذكر منها "دياب". ثم سافر بعد ذلك الى سوريا وأخرج عدة أفلام عربية مهمة مثل "دمشق" و"متحف دمشق" و"الفنون البدوية في سوريا" و"حمص وحلب و اللاذقية" و"المصايف السورية" و"صناعة النسيج في سوريا. ثم عاد الى مصر وأخرج عدة أفلام منها: "بنت النيل" و"تحية لمقاتل مصري" و"عالم الفنان حسن حشمت" و"مذكرات مهندس" و"أربعة أيام مجيدة " "كهرباء السد العالي" و"رجال في الصحراء"، وغيرها. وقدم للسينما التسجيلية ما يربو على المائة فيلم. ويأتي بعد ذلك عبد القادر التلمساني، وهو صاحب كتاب "السينما المصرية في 75 عاماً" الذي نقدم له الآن، ويعتبر من أهم رواد الفيلم التسجيلي. فقد سافر الى باريس عام 1948، ودرس السينما بمعهد الدراسات العليا السينمائية(C.E. H.D) ثم درس في معهد الفيامولوجيا بالسوربون وعاد الى مصر فقدم لنا عام 1957 فيلم "الآراجوز في المعركة" ثم فيلم "عرائس" في 1957 و"اليوم العظيم" 1964.
ثم أنشأ مع شقيقه المصور السينمائي "حسن التلمساني" شركة "أفلام التلمساني إخوان" وهى أول شركة تخصصت في إنتاج الفيلم التسجيلي حيث أنتجت أكثر من ثلاثين فيلماً ثم أنتجت أيضاً لحساب الغير ولا تزل أغلب هذه الأفلام من مقتنيات "معهد العالم العربي في باريس" ومن هذه الافلام:"رحلة في كتاب وصف مصر 1972" و "دار الفن في القرية" 1973 و"فنون الخط العربي" 1974 "زخارف عربية" 1974 "زخارف قبطية" 1975 "المصحف الشريف" 1977.
ومن رواد السينما التسجيلية أيضا سعدية غنيم التي قدمت العديد من الأفلام نذكر منها: "دير سانت كاترين" 1962، ونفرتيتي عام 1970. وأيضاً سمير عوف الذي قدم الكثير من الأفلام منها: القاهرة 1830 ومسافر إلى الجنوب" 1974 وفريدة عرمان التي قدمت العديد من الأفلام منها: "المرأة المصرية 1974" و "رقصات مصرية 1975 و "الشواطئ المصرية" 1984.
ومن هؤلاء سميحة الغنيمي التي قدمت الكثير من الأفلام التسجيلية: "الخيول العربية" 1971 حارة نجيب محفوظ 1989 وغيرها. وأيضا د. ألفريد ميخائيل الذي قدم "مصر الفتاة" 1976 و "أوبرا عايدة" 1987 وغيرها. وكذلك د. على الغز ولى الذي قدم العديد من الأفلام منها: "مسجد قايتباي 1981، "أرض الفيروز" 1982. ومن هؤلاء أيضا محمود سامي عطا الله الذي قدم "الوادي الجديد" 1968 و "العبابدة" 1969 و "قناة جونجلي" 1980 "مسجد العريش"1981 وغيرها.
مراكز الأفلام التسجيلية:
أنشأت وزارة الثقافة المصرية عام 1967 المركز القومي للأفلام التسجيلية ورأس المركز الكاتب الصحفي الفنان حسن فؤاد، ثم سعد نديم ثم صلاح التهامي. وسعى المركز لتقديم جيل من الرعيل الأول الذين أعطوا للفيلم التسجيلي الكثير، وأضافوا إلى رصيد السينما التسجيلية المصرية ومن هؤلاء د. مدكور ثابت رئيس الرقابة على المصنفات حالياً. ومن بين الأفلام التي أخرجها: ثورة الممكن "1967" على أرض سيناء "1975". كما قدم المركز أيضاً المخرج هاشم النحاس الذي أخرج عدة أفلام مهمة منها: "مبكى بلا حائط" 1974 "سيوة" 1986 "صلاح أبو سيف يتذكر" 1995 وغيرها.
كما قدم المركز المخرج خيري بشارة الذي قدم بدوره العديد من الأفلام التسجيلية المهمة منها "صائد الدبابات" 1974 "طبيب في الأرياف" 1975 و "طائر النورس" 1976. ومن بين المخرجين العظماء قدم المركز المخرج حسين الطيب الذي قدم "مدينة لن تموت" 1974 و "مسجد السلطان قلاوون" 1978 و "مسجد السلطان حسن" 1980.
وفى عام 1969 أنشأت وزارة الثقافة مركز الفيلم التجريبي ورأسه المخرج شادي عبد السلام صاحب الفيلم الطليعي العظيم "المومياء" 1969. وقدم شادي عبد السلام، إلى جانب "المومياء" العديد من الأفلام التسجيلية المهمة نذكر منها: فيلم "آفاق" 1974، "جيوش الشمس" " كرسي توت عنخ آمون"1983 "ما قبل الأهرامات" 1984، "رمسيس الثاني" 1985 وغيرها. وبعد النجاح العظيم لدور الأفلام التسجيلية في رصد الواقع المعاصر والتراث القومي، أنشأت وزارة الثقافة المصرية عام 1981 المركز القومي للسينما، ورأس المركز أحمد الحضري، ثم محمد كامل القليوبي. ويضم المركز العديد من الإدارات منها: الأرشيف القومي للفيلم والثقافة السينمائية وإدارة الأفلام التسجيلية والتجريبية وإدارة المهرجانات. الشركات الخاصة لإنتاج الفيلم التسجيلي ولا يستطيع راصد لتاريخ السينما التسجيلية أن يغفل الدور العظيم الذي قدمته شركات الفيلم الخاصة حيث بدأت هذه الشركات في الظهور من عام 1968 بداية بشركة "أفلام التلمسانى" والتي تحدثنا عنها، ثم شركة فرعون فيلم لأحمد فؤاد درويش التي قدمت العديد من الأفلام المهمة.
كذلك تم إنشاء شركة أبنود فيلم على أيدي عطيات الأبنودي زوجة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي. وقد أخرجت العديد من الأفلام منها:"حصاد الطين" 1971 الذى يعد أهم الأفلام التسجيلية المصرية وكذلك فيلم "أغنية توحة العظيمة" 1972 و"التقدم الى العمق" 1979 و"بحار العطش" 1980 "الأحلام الممكنة" 1983،"أيام الديمقراطية" 1969 وغيرها.
ثم ظهرت شركة سكوبيو فيلم لأسماء البكري التي قدمت العديد من الأفلام المهمة منها: "قطرة ماء" عام 1979. وتأتى الخاتمة لنذكر بعض المخرجين الروائيين الذين قدموا العديد من الأفلام التسجيلية المهمة ومن هؤلاء "فيلم القلعة" توفيق صالح "هروب العائلة المقدسة" ولى الدين سامح "عيد الميرون" يوسف شاهين "تاريخ السينما المصرية" أحمد كمال مرسى "من أجل الحياة" لحسين حلمي" وغيرهم.
هذا إلى جانب بعض شباب الخريجين الذين تخرجوا في أكاديمية الفنون المصرية أو عملوا من خلال دراساتهم الحرة وهؤلاء الآن يقع عليهم وعلى غيرهم العبء في تواصل مسيرة السينما التسجيلية عبر الأجيال، وذلك لأن السينما التسجيلية في تقديري تعد السجل النابض للتاريخ المصري وأحداث الأمة العربية، ومنها يمكن أن نتبع رحلات النضال الوطني ونتعرف إلى تراثنا، خاصة ونحن على مشارق عصر التحدي التكنولوجي والعولمة وغير ذلك.
إن السينما التسجيلية تعد ذاكرة الأمة والتاريخ، ولم لا وهى تقدم لنا عبق الماضي وأصالته وعناقه مع الحداثة القائمة على جذور غنية في الروعة والدهشة والأصالة أيضا، كما أنها تقدم لنا الحياة المصرية على مدى مائة عام من الزمان الجميل.