القاهرة 24 مارس 2020 الساعة 10:23 ص
بقلم : د. هبة سعد الدين
جاء الاحتفال بمئوية الفنان فريد شوقى من خلال أيام القاهرة فى باريس ومعرض الكتاب هذا العام وغيرها الكثير من الفعاليات التى كان آخرها مهرجان الأقصر السينمائى الذى احتفى بمئويته وقدم كتاب "فريد شوقى.. وحش الشاشة ملحمة السينما المصرية" للناقدة أمل الجمل التى اختارت أن تدرس تاريخ مصر من خلال أعماله، فعطاؤه على مدى أكثر من خمسين عاماً يمثل جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية للراصد لتاريخ مصر، وها هى تلك المئوية تمنحنا الفرصة لاسترجاع تاريخه وإدراكه لدور "السينما" بوجه خاص والفن بدوره الأعم والأشمل الذى يواكب تطور المجتمع.
لم يكن من الممكن لذلك "الكمبارس" أن يصبح ملك الترسو ووحش الشاشة والملك الذى سيطر على جمهور الدرجة الثالثة وأن يكون بطله ونجمه المفضل على مدى سنوات، حتى إنه كُتب اسمه كبطل على أفيش فيلم "ريا وسكينة" عند إعاده عرضه بعد سنوات فى سينما الدرجة الثالثة على الرغم من "ثانوية" دوره داخل الفيلم!!
لقد أدرك بحكم خبرته أن هناك قصوراً فى الكتابة لكبار السن من النجوم، حيث لا مساحة يستحقونها على الورق، فاختار ألا يقف مكتوفاً أمام ذلك الواقع ويكتفى بأدوار ضيف الشرف، فشارك بالكتابة والإنتاج وسعى من خلال علاقاته بالمخرجين والفنانين والكتاب ليجمعهم ويقدم الأعمال التى تسعى لتغيير المجتمع وتعالج مشكلاته، وعندما ضاقت "السينما" كان "التليفزيون" بالنسبة له بديلاً لكتاباته ونجوميته، فأسهم فى النهوض بالدراما التليفزيونية فى وقت كان يتسم بالإنتاج المحدود، وقدم عدداً من المسلسلات التى جاءت بدراما مختلفة بعيداً عن الصور "التقليدية" للأسرة المصرية، فقد كانت عبقرية فريد شوقى أنه كلما أُغلق باب نحو الفن استطاع ببراعة أن يفتح غيره الكثير.
لقد رأى بصورة مبكرة دور "الكيانات" الفنية فأسس اتحاد الفنانين عام 1986، وأسهم بإنتاجه فى صنع التاريخ ولم يكتفِ بالسينما الآمنة مضمونة الجمهور صاحبة شعار الصراع بين الخير والشر والانتصار فى النهاية لقوة فريد شوقى؛ لكنه أراد لتلك الصناعة أن تتطور وتزدهر، فقدم قضايا شائكة، فمن ينسي فيلم "جعلونى مجرما" الذى كان سبباً فى إلغاء السابقة الأولى ومنح الكثيرين فرصة للعمل والحياة؟ وكذلك "كلمة شرف" الذى منح المسجون الجانب الإنسانى الذى لم يره القانون، ومن ذا الذى ينتج فيلم "بورسعيد" سوى فنان وطنى يشعر بدور الفن فى تسجيل وتوثيق تاريخ الوطن والمشاركة فى لحظات الخطر؟
لقد شارك فى كتابة قصص وسيناريو وحوار أكثر من خمسين فيلماً، إلى جانب المسلسلات والمسرحيات، وأنتج حوالى ثلاثين فيلما، وكان حريصاً على تحقيق أحلامه فكان "بطلاً" لفيلم البوساء الذى أنتجه وبطلاً للنسخة الملونة لفيلم أمير الانتقام الذى تحول إلى "أمير الدهاء" والمأخوذ عن "الكونت دى مونتى كريستو".
الراصد لتاريخ فريد شوقى السينمائى يمكنه أن يرى بوضوح "نضج" الاختيارات وتطورها تبعاً لتغييرات سوق الإنتاج والمجتمع واحتياجاته، وذلك هو ما جعله "بطلاً" للنهاية.