القاهرة 17 مارس 2020 الساعة 09:58 ص
تأليف: الإخوة جريم
ترجمة: سماح ممدوح حسن
فى الأزمنة القديمة، كان هناك عملاق مسافرا على طريق بعيد، وفجأة ظهر أمامه شخص غريب مجهول. وقال له:
"قف مكانك، لا تخطو خطوة أخرى"
"ماذا يحدث؟ ومن أنت أيها المخلوق الذى يسد عليّ طريقي ويمكنني أن أسحقه بين أصابعي؟ وكيف تجرؤ على محادثتي بهذه الطريقة؟ قال العملاق:
"أنا الموت. ولا يقدر أحد على مقاومتي. ويجب على الجميع طاعة أوامري"
لكن العملاق رفض ذلك وبدأ يصارع الموت فى معركة طويلة وعنيفة. أخيرا رفع العملاق قبضته التى تحمل حجرا، وهوى بها على الموت فألقاه أرضا. ثم مضى العملاق فى حال سبيله، وظل الموت ممددا على الأرض مهزوما، وضعيفا ولا يقوى على النهوض مجددا.
تحدث الموت إلى نفسه وقال:
"ما الذى سيحدث الآن؟ فلو بقيت أنا هنا ممددا على الأرض لن يموت أحد فى العالم الذى سيمتلئ بالناس ويزدحم حتى لن تتبقى فيه أماكن كافية لتسعهم جميعا، حتى ليتراصوا وقوفا بجانب بعضهم بعضا"
فى أثناء ذلك، أتى شاب على الطريق، كان قويا ومفعما بالصحة. يمشي وهو يشدو بأغنية، ويتلفت حوله فى كل جانب. وعندما رأى الشاب ذلك الشخص غير الواعي تماما، أشفق عليه، وساعده على النهوض، وسكب له بعضا من مشروب يقويه من الزجاجة التى كان يحملها، وانتظر حتى أفاق، وقال:
"أتعرف من أنا؟ أتعرف من هو ذلك الذى ساعدته على الوقوف على قدميه مجددا؟"
"لا، لا أعرف من أنت" أجاب الشاب القوى
"أنا الموت. أنا من لا أبقى على أحد. لكن يمكنني أن أقوم باستثناء وهذا لأثبت لك أنى ممتن لما فعلت معي. أعدك أنى لن آتيك بشكل مفاجئ، بل سأبعث رسلي قبل مجئ لأخذك".
"اتفقنا. هذا مكسب لي، سوف أعرف متى ستجيئ. وعلى أي حال سأكون بمأمن منك لوقت طويل" قال الشاب ذلك، وأكمل طريقه.
كان الشاب طيب القلب، مستمتع بالحياة وبنفسه، يعيش بلا تفكير. لكن الشباب والصحة لم تدم طويلا، وسرعان ما جاء المرض والأحزان التى تعذبه ليلا ونهارا. وعندما كان يذهب للراحة ليلا يقول لنفسه:
"أنا أموت، لا يمكن أن يحدث هذا؛ لأن الموت سوف يبعث برسله قبل أن يجيء، لكني أتمنى أن تنتهي أيام المرض البائسة هذه"
وبمجرد أن شعر أنه أصبح بصحة أفضل وأنه بخير مجددا، بدأ يعيش مبتهجا. وفى يوم ما، ضربه أحدهم على كتفه، فنظر حوله، وكان الموت هو من يقف خلفه، وقال له:
"اتبعني، لقد حان وقت رحيلك عن هذا العالم"
"ماذا؟ هل تحنث بوعدك؟ ألم تعدني بأنك ستبعث برسلك إلي قبل مجيئك؟ أنا لا أرى أيا من هؤلاء الرسل!"
"صمتا. ألم تأتك رسلي واحدا تلو الآخر؟ ألم تصب بالحمى وكنت تنتفض وتتعذب بها ثم شفيت منها؟ ألم تصب بالدوار ولم تحير رأسك أسباب هذا الدوار؟ ألم ترتعش كل أطرافك؟ ألم تشعر بالطنين فى أذنيك؟ ألم يعضك الألم فى وجنتيك؟ ألم يدهم عينيك الظلام؟ بالإضافة إلى كل هذا، ألم يذكّرك أخي، النوم، كل ليلة بي؟ ألم تكن تنام كل ليلة كما لوكنت بالفعل ميتا؟
هنا لم يقدر الرجل على الإجابة، واستسلم لمصيره، ومضى مع الموت.