القاهرة 17 مارس 2020 الساعة 09:57 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
إلى المرأة نصف التجلّي، تُهدي د. أماني فؤاد كتابها "المرأة.. ميراث من القهر" الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، قائلة في صفحاته الأولى إن قضية المرأة تُعد من أهم القضايا التي شغلت الوعي العربي طيلة تاريخه، حيث يُعاد مجددًا طرح أبعادها في كل مرحلة، خاصة في الوقت الراهن، في ظل تطور الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية التي يتشكل فيها تاريخ المنطقة من جديد، لا سيما بعد اندلاع ما أُطلق عليه ثورات الربيع العربي، التي لعبت فيها المرأة دورًا بارزًا، دون أن تحصد مزيدًا من الحقوق أو الحضور في المشهد الثقافي العام المؤثر إلا قليلًا.
هنا ترى فؤاد أن المرأة تعاني في المجتمعات العربية من غبن وأنواع من الظلم تنعكس على شخصها وكينونتها، وعلى مظهرها وأفقها الذهني، إلى جانب انسحابها على الأسرة والاستقرار المجتمعي. كما تثبت هنا أن المرأة قاست من مرارات وانتهاكات طالت عِرضها وآدميتها، إثر الصراعات الدامية في سوريا والعراق وفلسطين وليبيا واليمن والسودان والجزائر.
في كتابها هذا تؤكد الكاتبة أن أشكال قهر المرأة قد تعددت في عالمنا العربي تاريخيًّا، بدءًا من وأد الأنثى في المجتمع الجاهلي والشعور بامتهان وجودها، وإرغامها على دفع فواتير الغزو والسلب والنهب القبلي العشائري من عِرضها وشرفها وكرامتها، وتحَمّل التشريد والشتات والفقد وانتهاك الأرض والعرض في حروب لم تكن طرفًا فيها، إضافة إلى خضوعها إلى السلطة الأبوية المستبدة بكل أشكالها، الأسرية والكهنوتية والسياسية، وتحويلها إلى مجرد عورة تابعة ناقصة الأهلية.
تسلط وإقصاء
كذلك تضيف الكاتبة أن المرأة عانت، ولا تزال، من ممارسة كل صور التسلط والحجب والشطب والنفي والإقصاء من قِبل التيار الأصولي والبطريركية الدينية المتسلفة متعددة الصور والمظاهر، أو القولبة في الصورة النمطية لها كقيمة جسدية إغوائية مثيرة للفتنة، عبر الملصقات الإعلانية وعلى واجهات الشاشات.
في كتابها هذا تستهدف الكاتبة مناقشة أوضاع المرأة المسلمة أيًّا كانت جنسيتها وأيًّا كان وطنها، وصورة المرأة وطبيعة حضورها في الخطاب الأصولي السلفي، وعلاقة المرأة بالواقع السياسي في عمومه، والواقع المصري في خصوصه، وكيف يتجلى الحضور الأنثوي في مواد التشريع، كما تناقش طبيعة حضور المرأة وتجليات وجودها في مرايا الإعلام، إلى جانب مناقشة طبيعة تجلي المرأة في الكتابة الأدبية، وكيف ظهرت المرأة في الكتابة الأدبية، وكيف ظهرت المرأة بين صفحات المؤلفين فكرًا وأدبًا.
هنا وفي طرحها لبعض قضايا المرأة، تحرت الكاتبة أن تتم المناقشة على مستويين أولهما الإشارة إلى بُعد التفكير الديني، والثاني اعتماد إنجازات العقل البشري وتفعيلها، ثم مراعاة التطور والمرتكزات الفكرية المنطقية التي ينبغي أن تصبح منطلقنا لبحث المفاهيم.
كذلك لا يفوت الكاتبة أن تؤكد أن كتابها هذا ينشد قارئًا متفتح الوعي، غير مؤدلج يستطيع أن يُعمل عقله، وأن يفرق بين الدين والفكر الديني، كما تنفي عن كتابها تطلّعه إلى هدم الثوابت النصية، التي هي جوهر الدين، وإنما يتطلع لهدم التأويلات الخاطئة للنصوص، ورفض وصاية رموزها الكهنوتية على قراءتنا لها، والقطيعة مع كل ما يثبت عدم صلاحيته واتساقه مع تطورات ومعطيات لحظتنا التاريخية، وما استجد فيها على مكونات كيان المرأة وتطوره.
مثلما تتمنى أن يجد كتابها قارئًا لديه القدرة على التفريق بين الحرية المنشودة التي ندافع عنها، والتحرر اللا مسئول الذي يتعارض مع استقرار الأسرة وسعادة المجتمع.
اختلال قيمة
هنا تكتب فؤاد عن المرأة والهيمنة الذكورية، عن المرأة في الخطاب الأصولي وخطاب الحداثة، كما تكتب عن علاقة المرأة بالوعي السياسي وبالمؤسسة القانونية، إلى جانب حديثها عن المرأة والإعلام وحقوق المرأة في البرامج الحوارية.
ومما تشير الكاتبة إليه أيضًا هنا هو أن قضية المرأة واستلاب حقوقها وتدني مكانتها في المجتمع، لم تكن مجرد وليدة التنظير الفكري للذكورة والأنوثة فحسب، إنما هي نتاج ركام هائل من التشابكات الدينية والمعرفية والممارسات الثقافية والاجتماعية. ونظرًا إلى رعونة المجتمع وقبليته في التلقي فإن الدين لم يستطع أن يهدم تمامًا ترسانة العادات والأعراف والتقاليد التي حكمت طبائع الأفراد وشكلت وعيهم بالآخر. هنا وفي "المرأة.. ميراث من القهر" نقرأ أيضًا أن التغيير يظل هو ما ينشده تيار التنوير في المجتمعات العربية، تغيير ثقافة المجتمع بكل طبقاته، وتطوير نظرته إلى المرأة وحقوقها، ولمكانة المرأة في مجتمعاتنا خصوصية شديدة الحساسية، ونتيجة ميراث من العادات والتقاليد المجتمعية، وإرث من التجهيل الذي يمتد إلى فترات ما قبل التحرر من الاستعمار، ولفَهْم محدود للتأويلات شديدة الانغلاق لديننا الحنيف، قُولبت المرأة في كونها أنثى وأمًّا، جسدًا وحاضنة. هنا أيضًا تكتب فؤاد عن الأسباب التي أدت إلى اختلال قيمة الرجل وما كان يمثله من دعامة أسرية اجتماعية، كما تطرح الكاتبة عدة أسئلة منها كيف تصمت النساء؟ ولماذا تصبح المرأة حرة وتتحمل مسئولية نفسها؟ لماذا تريد أن تتساوى بالرجل؟ وأين هي الصورة الحقيقية للمرأة المصرية بكل مناحي مشاركتها الإيجابية في الحياة؟
كما تكتب عن حق المرأة في الحرية والتعبير عن الرأي، وعن اهتمام الإعلام بقضايا المرأة.
ومتحدثة عن إبداع المرأة تذكر الكاتبة ادّعاء البعض تسجيل العقود الأخيرة انفجارًا في الإبداع النسائي، وتفوق المرأة في العقد الماضي على الرجال من حيث عدد الإصدارات السردية.
الكاتبة التي تقول إنها في ظنها تكون المرأة أكثر تقديرًا لقيمة الجمال لا التشوه والقبح، ترى أن المرأة قادرة على أن تقدم خطابها الثقافي والإبداعي الذي يعبر عنها دون أن يتلبس صوتها وذهنيتها أشباح الرجال والأحداث والزمن من عدسات مغايرة للمنظور الذكوري.
ونهاية تتساءل الكاتبة لماذا لما تزال المرأة تُقدَّم على أنها تتضمن عوارًا ونقصًا عن الرجل في مجتمعاتنا رغم تطور حقوق الإنسان والمرأة في الحضارة البشرية؟