القاهرة 11 مارس 2020 الساعة 09:33 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
في كثير من الثقافات والحضارات القديمة، يُعتبر القلب هو الجهاز الرئيسي المسئول عن التأثير والتوجيه لعواطفنا، وقدرتنا على صنع القرار، وقد أشارت الأديان السماوية وغير السماوية إلى وجهات نظر مماثلة بأن القلب هو مصدر العقل والعاطفة واتخاذ القرار.
هذا ما يقوله د. عبد الهادي مصباح في كتابه "مخ القلب وإعجاز رب الأكوان" الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، وفيه يقول إنه من المعروف في تقاليد اليوجا أن تحقيق التوازن الجسدي والعقلي هو جوهر ممارسة اليوجا، التي تُعرف القلب على أنه المقعد الأساسي، أو البؤرة الأساسية، لدى الفرد، ومركز الحياة، وفي الطب الصيني يُنظر إلى القلب والاتصال بين العقل والجسم وتشكيل جسر بينهما، على أنه سر الحياة بشكل صحي وسليم.
غير أنه، يقول الكاتب، رغم توافر كل هذه المعلومات والموروثات إلا أن ما يتم تدريسه في كليات الطب هو أن القلب مجرد عضلة في حجم قبضة اليد، ويضخ الدم إلى كافة أعضاء الجسم، ويحافظ على الدورة الدموية، وأن الدماغ أو المخ هو الذي يتحكم في كل أعضاء الجسم بما فيها القلب. لكن المثير للاهتمام، على حد رؤية الكاتب، أن نلاحظ أن القلب يبدأ في النبض في الجنين الذي لم يولد قبل أن يتم تشكيل المخ أو الدماغ بعد الأسبوع الثالث من الحمل.
نظام عصبي خاص
هنا يقول مصباح إن هناك معلومات جديدة ومثيرة حول القلب تجعلنا ندرك أنه أكثر تعقيدًا مما كنا نتصور. فالقلب، يقول، ليس مجرد مضخة للدم، لكنه له نظامه العصبي الخاص المستقل، وهو نظام معقد يُشار إليه بـ "مخ القلب" ويحتوي على أربعين ألفًا على الأقل من الخلايا العصبية. كما يذكر أن القلب يتصل بالدماغ وبقية الجسم من خلال طرق موثقة بأدلة علمية رصينة وهي: عصبيًّا، كيميائيًّا، فيزيائيًّا، وعن طريق الطاقة ومن خلال تفاعلات المجال الكهرومغناطيسي للقلب.
إلى جانب هذا يطرح الكاتب عدة أسئلة يصفها بالمحيرة مثل ما الذي يحدث عند الموت؟ وما الفرق بين النفس والروح؟ وما الذي يراه الشخص قبل أن يُسلم الروح؟ وما حقيقة تحضير الأرواح؟
في كتابه هذا يكتب مصباح عن العقل ومعناه اللغوي والعلمي والديني، وأين يوجد بالضبط، والفرق بين المخ والعقل، والعلاقة بين القلب والعقل والروح، كما يتحدث عن الضغوط النفسية وتأثيرها على القلب والمناعة ذاكرًا تأكيد الباحثين أن الرضا يُعتبر من أهم الوسائل العلاجية لأي مرض نفسي، خاصة ومعظم الاضطرابات النفسية ناتجة عن عدم الرضا، ويعتبر الغضب على رأس العوامل القاتلة للإنسان ويسبب الموت المفاجئ والجلطات الدماغية والقلبية.
هنا أيضًا نعرف أن خلايا القلب تحب وتكره، تؤمن وتكفر، تنسى وتتذكر، وتحمل في طياتها خصائص الحنان والكراهية والإيمان والخوف والوجل.
أما الشيء الثابت علميًّا، يقول مصباح، فهو أن القلب يتصل مع الدماغ من خلال شبكة معقدة من الأعصاب، وهناك رسائل مشتركة بين القلب والدماغ على شكل إشارات كهربائية، ويؤكد العلماء أن القلب والدماغ يعملان بتناسق وتناغم عجيب. كذلك يذكر الكاتب أن كلمة عاطفة طالما ارتبطت بالقلب لدى البشر، وفي كل الثقافات، وعند كل الشعوب.
ومتحدثًا عن مخ القلب يقول مصباح إنه وبعد العديد من الأبحاث توصل د. أرمو علم 1994 إلى مصطلح أطلق عليه مخ القلب، من خلال نتائج أبحاثه التي أظهرت أن للقلب شبكة عصبية معقدة يُطلق عليها "المخ الصغير" حيث تحتوي هذه الشبكة العصبية على خلايا عصبية عددها حوالي 40 ألف خلية عصبية، وكذلك موصلات عصبية وهرمونات وبروتينات تمامًا مثل التي يحتويها المخ والدماغ، ومن خلال هذه الشبكة يستقبل القلب المعلومة الخاصة بالأحاسيس ويرسلها من خلال عدة قنوات إلى منطقة جذع المخ.
ميول القلب
هنا أيضًا يقول الكاتب إن العلماء استطاعوا التوصل إلى أن هناك اتصالات وتفاعلات بين قلوب البشر من خلال تبادل الطاقة عبر هذه المجالات الكهرومغناطيسية على مستوى اللا وعي، وأن القلب هو المحرك الذي يغذي أكثر من 300 مليون مليون خلية في جسم الإنسان، ويبلغ وزنه بين 250 – 300 جرام، وهو العضلة الأهم في الجسم، ويمكن اعتبار القلب عضوًا مجتهدًا، يمكنه أن يضخ 25 لترًا من الدم إلى جميع أجزاء الجسم، وينبض 4200 نبضة في الساعة.
هنا أيضًا يكتب مصباح عن ميول القلب المزروع، عن القلب ولوزة المخ، عن القلب العابد، عن قلب الأم، عن القلب والفؤاد، وعن علاقة القلب بالحدس والاستبصار والتخاطر، ذاكرًا أن القلب هو مصدر الحب الحقيقي.
أما حين يتحدث عن المخ العنيد المتمرد فيقول إن التحكم في تمرد المخ وإصراره على اجترار الأفكار السلبية المدمرة ليس سهلًا، وتغيير العادات السابقة ليس يسيرًا، ولترويض المخ العنيد لا بد أن نبدأ بهدف بسيط، وضوح الهدف، وليس هناك علاج له إلا بالممارسة.
في كتابه هذا يفرد مصباح فصلًا للحديث عن الضغوط النفسية وتأثيرها على القلب والمناعة، متحدثًا عن الاجهاد النفسي وأثره على القلب وبعض مسببات التوتر والانفعال، ورد فعل الجسم تجاه ما يحدث من انفعال وتوتر، والتفاؤل وأثره على القلب، والخوف والانفعال وما يُحدثه داخل الجسم.
هنا أيضًا يقول الكاتب إن القلب يستطيع أن يتعلم ويتذكر ويشعر ويحس ويخاف ويؤمن ويطمئن، وتُترجم هذه المعلومات على شكل إشارات عصبية تُرسل من القلب إلى المخ، على عكس ما كان مُعتقدًا أن المخ هو الذي يشعر ويحس ويرسل الأوامر إلى القلب على شكل رسائل عصبية.
هنا في "مخ القلب وإعجاز رب الأكوان" يكتب عبد الهادي مصباح عما يتعلق بالقلب ووظائفه وما كان يعرفه الناس عنه، وما الجديد الذي توصل إليه العلماء، والفرق بينه وبين المخ، مبينًا الإعجاز الإلهي في كل هذا.