القاهرة 18 فبراير 2020 الساعة 09:52 ص
حاورها: صلاح صيام
داخل كل مبدع رحلة قطعها – بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقى الذى غالبا لا يعرف عنه شيئا سوى ما يصل إليه من إنتاجه, وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين ونخوض في أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية التي فقدت البوصلة, وأصابها شيء من الإحباط , صور مشرقة تعينيهم على تحمل متاعب الحياة, وتكون نبراسا لهم في قادمهم.
اليوم موعدنا مع الشاعرة والناقدة اللبنانية سامية خليفة التى قالت:
أنا أعزز موهبتي لأجعلها أكثر اشتعالا لأحرث كل بواطنها لأستكشف كل مواطن براكينها، لأوسع دائرة الحلم بالواقع، لكل ذلك بدأت أنقب في ذاتي عن ذاتي المدفونة في العمق، قرأت بنهم.. بشغف عاشقة.. بخيال كاتبة لم تكن تكتب ليقرأ الغير، كانت تكتب لترى نفسها الهائمة بين السطور، لم تكن التفافات الأصدقاء أو الأقارب حولي وهم يناشدونني بأسماعهم ما أكتب من خواطر لتصنع مني تلك المغرورة ولا ذلك التصفيق الذي تطلبه الإدارة من كل التلاميذ في ملعب المدرسة أثناء الاصطفاف لفوزي بالمراتب الأولى في مسابقات تشترك فيه كل المدارس الرسمية والخاصة على امتداد لبنان الجنوبي تقيمها جمعيات كجمعية حقوق المرأة، كل تلك الأمور أبقتني حيادية وكأن من يصفقون له لا يعنيني، كنت أعرف أن طريق الوصول طويل وربما هو ليس طريقي، فلتكن الكتابة هواية أغذيها بالقراءة، كما الرسم حيث أني اخترته مجالا لتخصصي فنلت دبلوما في الرسم والتصوير بالإضافة إلى عشقي لمعرفة أعماق الذات فاخترت دراسة علم النفس العام ونلت إجازة إلى أن تزوجت.
وكان زوجي يمتلك مكتبة وفيرة بالكتب بأنواعها المختلفة. ألف لي العديد من الأشعار مازالت عندي وقبل وفاته بعدة أيام جمعها لي في ملف لم أعلم حينها أنها كانت هديته الأخيرة لي، كم شجعني لدراسة الأدب العربي ففعلت إرضاء له رغم أني لم أحضر أي محاضرة إلا أنني كنت أنال علامات عالية؛ لكنني رفضت تكملة دراستي الجامعية بعد السنة الثالثة التي تحتاج إلى نسبة مئوية من الحضور حتى لا يؤثر ذلك على أطفالي، لم يكن لدي الوقت للمطالعة وأنا موظفة أعود إلى بيتي وأسكن مع والدة زوجي التي لم تكن تناديني إلا بالمجنونة حتى إنها جعلتني حقا أظن أني كذلك فأية أجواء تلك التي ستجعل مني أديبة أو شاعرة، عشت الإحباط بكل صوره وتمنيت الموت مرارا حتى كاد الله أن يستجيب لدعائي في اختبار مع مرض السرطان.
كنا نعيش ظروفا مادية تعسة فالمحل الذي كان يعمل به زوجي طالب أخوته بحصصهم منه فأصبح عاطلا عن العمل.. ظللت أعمل وأنا أتلقى العلاج حتى إنني بعد جلسة الأشعة كنت أذهب لأكمل نهاري في التدريس بشكل عادي حتى أتى اليوم الذي رافقني فيه زوجي عند الطبيبة رغم أنه كان في حالة صحية سيئة كان يوفر المال لعلاجي ولم يكن يقبل بقرش من معاشي كي يذهب عند الطبيب ليعرف سبب إعيائه وسعاله المتواصل ليل نهار.. خرجنا فرحين من عيادة الطبيبة بعدما أثبتت لنا أنني تخلصت نهائيا من ذاك المرض. ما كدنا نصل إلى أول درجة في المبنى الذي لا يوجد فيه مصعد كهربائي حتى قال لي زوجي بنظراته لن أستطيع الصعود فصرخت لابني.. حمله وصعد به إلى المنزل.. تلك الحادثة زرعت بي تناقضا ما زال قائما: أن لا فرحة تكتمل. زوجي كان كان يكبرني بسنين عديدة كان قدوتي ومثلي الأعلى.. معلمي. أراه بعيني طفلة وأم وحبيبة يذوي أمام عيني وأنا غير قادرة على مساعدته بشيء حتى استدعيت أخوته فنقلوه إلى المستشفى بعد عشرة أيام توفي ومن حينها والقلم يسيل شعرا والدموع تسيل جمرا.