القاهرة 18 فبراير 2020 الساعة 09:32 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
في كتابه "شعر هذه الأيام" الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع، يقول د. صلاح فضل إن الشعر العربي قد تنازل تدريجيًّا، خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، عن الوظيفة النهضوية والإعلامية التي تصدّى لها منذ مطلع النهضة، كما تضاءلت الوظائف الاجتماعية والثقافية بحكم تطور خطابه قبل ذلك، وبذا لم تبقَ له اليوم من الحياة العامة سوى بعض الهوامش السياسية والغنائية، وانصرف معظم الشعراء لطرح رؤاهم لذواتهم الفردية وعوالمهم الداخلية، ونتيجة للنقلة الحداثية فقدَ الشعر هيمنته على خطال المحافل والمجتمعات. هنا فضل يقول إن الشعر المغنى ظل يمثل الحبل السري الواصل بين المبدع وملايين المتلقين على تراوحه بين الصياغة الفصيحة حينًا والعامية في معظم الأحيان.
مجال مفتوح
هنا أيضًا يذكر فضل أن الشعر العربي كان دائمًا مجالًا مفتوحًا لتنوع الأساليب وتعدد الاتجاهات والمذاهب والفنية والأيديولوجية، لكن الشعر يشهد في الفترة الأخيرة ظاهرة جديدة شائعة في جميع الأقطار العربية، وهي تعدد الأشكال الشعرية وتراوحها بين ثلاثة أنماط كبرى تكاد تستقطب المتلقين وتوزعهم على مستويات عدة وهي نمط القصيدة العمودية، نمط قصيدة التفعيلة، نمط قصيدة النثر. هنا أيضًا، وهو يتحدث عن العلاقة بالتراث، يطرح فضل عدة أسئلة منها كيف يبدع الشاعر العربي بعد التراث وهو موصول به ومنقطع عنه؟ كيف يشترك في تدعيم عمود الشعر ويتعين عليه أن يهدمه ويثور عليه حتى يثبت براءته من السرقة؟ مضيفًا أن القطيعة مع التراث لا يمكن أن تنبت شاعرًا حقيقيًّا، مع اعتبار أن مفهوم التراث لم يعد محليًا محدودًا بأسوار اللغة، بل أصبح إنسانيًّا ينفتح على مجمل الثقافات الحية الفاعلة في حركة الوجود والحضارة البشرية.
هنا يؤكد فضل كذلك أنه من المثير للتأمل أن الشعر لدى الأجيال الماضية كان يتغذى فقد على التاريخ والسياسة والاجتماع، ويغازل الطبيعة الخارجية لاستكناه العواطف الإنسانية، لكنه ظل في مجمله محصورًا في نطاق اللغة المعجونة بالإيقاع والمفعمة بالموسيقى، لكنه منذ منتصف القرن الماضي أخذ يمتص بنجاح متزايد جماليات شبكة عريضة من الفنون منها الفنون التشكيلية وفن السينما وفنون الصورة وفن السرديات الذي أصبح مكونًا بارزًا فيه، كما امتزج في العقد الأخير بفنون العوالم الرقمية.
شعر اللهجات
هنا أيضًا يكتب فضل قائلًا إن شعر اللهجات الدارجة قد شهد ارتفاعًا في حرارته ونضرة بالغة في حيويته، وأصبح محفزًا، وليس منافسًا، للشعر الفصيح، له سلاسله الذهبية في اللهجات المصرية والنبطية وغيرها.ما يراه هنا الكاتب أيضًا هو أنه إذا كانت القامات الكبرى تحتاج إلى مسافة زمنية كافية حتى تطرح ظلها البعيد خلالها فإن مشاركة جميع الأقاليم العربية خارج نطاق المركزية القديمة في تقديم هذه القامات كفيل بأن يثري فضاء الشعر المعاصر بحيث يجد كل موهوب فرصته لارتواء الروح عبر نشاطه المبدع.
في كتابه هذا الذي يكرسه لفن الشعر، ويقول فيه إن حفظ الأشعار وإنشادها يظل من أعلى درجات الوعي والذكاء العاطفي والفطنة لمواقع الجمال في الحياة، يرى فضل أن الأمة العربية لمتهتز، منذ رحيل عبد الناصر، كما اهتزت لغياب محمود درويش، مما يثبت قطعيًّا أهمية حضور الشعر في الوجدان العربي.
عصور الإيقاع
هنا، وعلى حد علم الكاتب، نعرف أنه ليس هناك في تيارات الشعر العالمي في جميع اللغات الحية من يعلن انتهاء عصور الإيقاع الموسيقي للشعر بمختلف أنماطه والاقتصار على الشعر المنثور الذي يظل في أفضل الأحوال منطقة تجريبية مفتوحة لأصحاب الحس الموسيقي المتوهج لاكتشاف إيقاعات جديدة، لا للعاطلين تمتمًا منه.كذلك يدلنا، يقول الكاتب، تاريخ الشعرية الإنسانية على أن ماء الشعر لا ينساب على سطح الأرض الثقافية كالأنهار المنظورة، بل يتشكل في عمر اللغات في الطبقات العميقة المطمورة لفنون الإيقاع والتصوير والتمثيل اللغوي المجازي للحياة، ولا يمكن له أن يُجتث من مصادره التراثية أو ينقطع فجأة عن سلالته الخصبة الغنية.هنا أيضًا يعلن فضل حرصه على توخي العدل في التناول النقدي بين جناحي الأدب شعره وسرده، بقدر ما يحاول الوقوف دائمًا تحت مظلة الإبداع يحتمي بها من هجير الضجيج الإعلامي الغث.
في كتابه " شعر هذه الأيام " يكتب فضل عن العديد من الشعراء المصريين والعرب منهم نزار قباني، درويش، عفيفي مطر، محمد صالح، حسن طلب، فريد أبو سعدة، عبد المنعم عواد يوسف، أحمد الشهاوي، ميسون صقر، عماد غزالي، أحمد غراب، سوزان عليوان، جرجس شكري، سيد حجاب، تميم البرغوثي، روضة الحاج وغيرهم.