القاهرة 04 فبراير 2020 الساعة 10:08 ص
بقلم: د. محمد السيد إسماعيل
"بوح الروح" هو عنوان النصوص القصصية التى صدرت مؤخرا للكاتبة عزة أبو العز، والبوح هو الإفضاء بمكنونات الذات وما يجول بخاطرها وروحها بهذا المعنى تقترب الكاتبة من التصور الرومانسي للكتابة بوصفها تعبيرا وجدانيا سواء اتخذ هذا الوجدان بعدا عاطفيا أو روحيا يتصل بالذات الإلهية.
النصوص كلها مسرودة بضمير الغائب؛ مما يدل على الرغبة فى التجريد واصطناع الموضوعية باستثناء قصتي "هنا وهناك" و"نداء لا يرد" المسرودتين بضمير المتكلم ويغلب عليهما طابع المناجاة والبوح – هنا – يقترب من "موسيقى الذات الكامنة" إنه أقرب إلى الهمس لا الخطابة وفى هذا النص- موسيقى الذات الكامنة – تعود الساردة إلى تلك المرحلة الأثيرة لديها وهى مرحلة الطفولة وتتذكر طقوس الاحتفال بالمولد النبوي وحلقات الذكر وأناشيده وموسيقاه التى تتجاوب مع موسيقى الذات الخفية ولاشك أن هذه الموسيقى الخارجية هي التى هدتها إلى موسيقى الذات التى كانت بمثابة الجسر الذى عبرته إلى عالم السماوات وهو ملمح يمهد لشيوع تيمة السفر الذى أخذ فى لاوعي الساردة بعدا زمنيا تعود فيه كثيرا إلى مرحلة الطفولة وأيام الجامعة والعمل فى الصحافة وبعدا مكانيا تنتقل من خلاله ما بين القاهرة والمنصورة.
ولعل هذا ما أوقفها أمام نموذج الدراويش الرحل الذين لا يستقرون فى مكان كأنهم يسعون إلى تلك الموسيقى التى جذبت الساردة فى طفولتها ويبقى ما يسمى بالسفر الأكبر من هنا إلى هناك سفر الروح من الجسد / الأرض إلى بارئها حيث ملكوت السماوات ونظل ذكرى هؤلاء العابرين الراحلين حاضرة قوية فى نفوس من أحبوهم وتشير الساردة إلى أن قوة البصيرة هي الأكثر نفاذا إلى أعماق الإنسان .
وامتدادا لهذا البعد الزمنى تستخدم الكاتبة الثغرة الزمنية حيث تنتقل من الطفولة إلى الشباب داخل القصة الواحدة كما تتوقف أمام نموذج وطني هو محمد العباسي الذى تستدعى روحه هذا البطل الذى دافع وزملاؤه عن الأرض منذ حرب الاستنزاف حتى أشرقت لحظة العبور المجيدة وفى هذا السياق تستحضر – على لسان العباسي – سيدنا جعفر بن أبى طالب الذى رفع الراية فى مؤتة وسيدنا على بن أبى طالب الذى رفع الراية فى خيبر، وهكذا يتداخل الماضي المجيد مع الحاضر المنتصر وفى نص "شمس النهار" تأتى الأرض بالدلالة نفسها على لسان عمة الساردة فالأرض هي العرض وبهذا تصبح أرض هذه العمة مرآة مصغرة لأرض الوطن كله.
والكاتبة تخضع كثيرا لتيار الوعى الذى يبدأ من اللحظة الحاضرة ومن مكان الإقامة عائدا إلى أماكن أخرى ثم تعود إلى المكان الحالي مرة أخرى فى حركة دائرية ولاشك أن تحديد أسماء الأماكن الحقيقية يجعل هذه النصوص أقرب إلى السيرة الذاتية وهذا ما يظهر فى نص "عائدة من الموت" الذى تناجى فيه نفسها أثناء سفرها من القاهرة إلى المنصورة .وكذلك عملها فى الصحافة كما فى نص " أدوار سيدنا " وتعنى به رئيس التحرير المتلون كالحرباء من عصر إلى عصر وهو نموذج سلبى يقف على النقيض من نموذج الدرويش والعباسي وفترة الصحافة عاشتها الساردة حقيقة.
ويظهر ذلك أيضا فى نص " ملاك بلا قلب " الذى تذكر فيه حي المعادي الذى تسكنه حقيقة وهو نص يقوم على المنولوج وهذا يعنى انقسام الذات إلى أنا وأنت وعلى الرغم من أن السرد يقوم أساسا على ضمير الغائب فإن الكاتبة تكسر هذه القاعدة وتستخدم ضمير المتكلم فى قصتي "هنا وهناك" و"هالة نورانية" وهما نصان يغلب عليهما طابع المناجاة وفى "نداء الروح" توظف تقنية الحوار بينها وبين روح أحد الراحلين واللافت حقا أن هذا النص يحتوى على سطور تكاد تكون موزونة عروضيا.
ويغلب على المجموعة النهايات غير المتوقعة كما فى "ليلة الحصاد" وفى قصة "القبضة" نجد المفارقة فى نهايتها حين ترحل الفتاة قبل عمتها المريضة التى تعانى سكرات الموت كما يظهر من قول الساردة " نزعت الأم يد ابنتها من يد عمتها ثم أطلقت صرخة مدوية فأدهشت الصدمة كل من كان فى غرفة المرضى.. لقد سبقت الفتاة عمتها إلى عالم الروح وفارقت الحياة".