القاهرة 28 يناير 2020 الساعة 12:28 م
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
لا شك في أننا نعيش حالياً في عالم بدأ الإنسان فيه يشعر بأنه أقوى المخلوقات بلا منازع؛ لما حققه من وصول إلى القمر وبناء ناطحات سحاب وتفجير جبال لإخراج الثروات، والطيران في الهواء لاختصار الوقت بين المسافات؛ لكن الإنسان رغم ما يمتلكه من قوة فإنه ما زال يخاف هذا العدو اللدود صاحب الأعداد الهائلة والقدرة على التدمير بأساليب مختلفة، والاختراق بأساليب متعددة. هذا العدو الذي يغطي كل شيء على الأرض هو ”الميكروبات“ أو الجراثيم الصغيرة جداً التي لا تُرى بالمجهر، مع العلم بأن ما يغطي جسم الإنسان من هذه الميكروبات يعادل عدد سكان العالم، إذ لو جمعنا البشر والكائنات الحية الأخرى لحصلنا على جيش يغطي الكون كله من كثرته.
هذا ما يقوله د. ممدوح عطية ود. أماني قنصوة في كتابهما "الأسلحة البيولوچية" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، وتأتي قيمته في معرفة أن التوظيف غير الأخلاقي للعلم والتكنولوچيا يمكن أن يجعل من الحياة سلاحاً لتدمير الحياة، كما يتعلق بموضوع تختلط فيه السرية بالعلانية بصورة تفوق الوضع في الأسلحة النووية رغم شهرة ملفاتها. والحقيقة أن الثورة البيولوچية مَكَّنت كثيرين من تطوير هذه النوعية من الأسلحة حتى أنه يقال إن أي معمل متقدم في مجال البيولوچيا الجزيئية يمكن أن يتوجه مع بعض الاشتراطات إلى هذا المجال.
كائنات مُمْرضة
هذا ويُعرّف المؤلفان الأسلحة البيولوچية بأنها استزراع أو إنتاج متعمد لكائنات مُمْرِضة من بكتيريا أو فطريات أو ?يروسات ونواتجها السامة، أو أي مواد أخرى ضارة ناتجة عنها، بهدف نشر المرض في الإنسان أو الحيوان أو النبات، مما يؤدي إلى القضاء عليهم. أما خطورة الأسلحة البيولوچية فتكمن في الظروف البيئية الحالية، مما يجعلها أكثر شراسةً ضد المناعة الطبيعية وطرق العلاج والوقاية المعروفة، وأكثر مقاومةً للمضادات الحيوية واللقاحات والأمصال المنتجة.وتزداد خطورة الأسلحة البيولوچية في صعوبة التعرف والسيطرة عليها ومنع انتشارها، وصار تأثيرها يتعدى المكان المستهدَف لتنتشر في العالم كله، وتصبح وباءً عالمياً لا يخص مكاناً بذاته.
هذا وتُعتبر الثروة البشرية هي الهدف النهائي للأسلحة البيولوچية سواء بالتعرض المباشر أو غير المباشر، مثل تدمير الثروة الحيوانية والزراعية والسمكية التي يعتمد عليها الإنسان في غذائه اليومي. كذلك يضيف المؤلفان أن العالم قد اجتاحته في الثلث الأخير من القرن العشرين موجة متزايدة من الإرهاب البيولوچـي وتطورت وتنوعت أساليبه لأنه سلاح رخيص ومتوفر وسهل الحصول عليه ويمكن إنتاجه بوسائل بسيطة ويترتب عليه آثار ضارة وخطيرة واسعة الانتشار وضحايا بشرية يقدر عددهم بآلاف الموتى والمصابين.
قائمة طويلة
وهما يجيبان عن سؤال: ”ماذا تعرف عن الأسلحة البيولوچية؟“.. يقول المؤلفان: تشكل الأسلحة البيولوچية والكيميائية خطراً على المستوى العسكري والمدني على حد سواء، وبالتالي تهديداً كبيراً للأمن والسلام العالميين.وقد شاعت في السنوات الأخيرة عبارات مثل: الحرب البيولوچية والأسلحة البيولوچية بجانب الأسلحة الكيميائية، لكنها ظلت مبهمة لغير المتخصصين حتى امتزجت الحقيقة بالخيال لدى كثيرين. وقد وجد العلماء أنه نتيجة للتقدم في التقنيات الحيوية أصبحت الفروق بين الأسلحة البيولوچية والكيميائية غير واضحة نظراً للتداخل بين علوم الكيمياء الحيوية وعلوم الهندسة الوراثية، وما نتج عن ذلك من تخليق مواد سامة حيوية مُعدَّلة وراثياً ذات قدرات أكثر فاعلية ويمكن إنتاجها بكميات كبيرة في المعمل. هذا ولا تقتصر الأسلحة البيولوچية على الكائنات الحية الدقيقة وما تنتجه من مواد سامة، بل تضم أيضاً قائمة طويلة من الحشرات والقوارض والتي تنقل كثيراً من الأمراض إلى الإنسان. أما الحرب البيولوچية أو الإرهاب البيولوچـي فيعرفهما العلماء بأنهما الاستخدام المتعمد لبعض الكائنات الحية الدقيقة من بكتيريا أو فطريات أو ?يروسات، وكذلك إفرازاتها السامة من التوكسينات أو أي مواد أخرى ضارة ناتجة عنها وكذلك المواد التي تتدخل في السلوك الطبيعي للكائن الحي مثل الهرمونات أو السيتوكينينات وغيرها، بهدف إحداث المرض أو القتل الجماعي للإنسان أو ما يملكه من ثروة نباتية أو حيوانية أو تلويث مصادر المياه أو الغذاء أو تدمير البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان. كما يطلق بعض العلماء على هذا النوع من الحرب اسم الحرب البكتيرية أو الحرب الجرثومية كمصطلح عسكري، غير أن تعبير الحرب البيولوچية أو الأسلحة البيولوچية هو أكثر دقة لشموليته، وذلك نتيجة للتطور في أساليب ووسائل الصراعات وتكنولوچيا إنتاج واستخدام العوامل البيولوچية كأسلحة بيولوچية سلماً وحرباً. هذا وتمتاز الأسلحة البيولوچية بسهولة تصنيعها وعدم احتياجها لوسيلة مكلفة وقدرتها على سرعة الانتشار الذاتي وكذلك قدرتها على إنزال خسائر عالية في وقت قصير وملاءمتها للاستخدام ميدانياً وسهولة إنتاجها وتخزينها، إضافة إلى صعوبة اكتشاف مصدرها إلى جانب فاعليتها الوبائية القوية وقدرتها العالية على التكيف ومقاومة الظروف الطبيعية.
انتشار سريع
أما عيوبها فتتمثل في صعوبة حماية العاملين في مجالها وصعوبة التحكم فيها بعد إطلاقها وإمكانية استخدامها دون الوصول إلى الفاعل الحقيقي لأن تأثيرها لا يظهر إلا بعد فترة حضانة معينة تسمح باختفاء الفاعل في أثنائها. هذا ويذكر المؤلفان عدداً من الكائنات التي تستخدم في الحروب البيولوچية منها: البكتيريا، ال?يروسات، الركتسيا (وهي كائنات حية دقيقة تشبه البكتيريا في حجمها وتشبه ال?يروسات في عدم نموها خارج الجسم)، الفطريات والكائنات وحيدة الخلية. ونتيجة لوفرة الأسلحة البيولوچية المختلفة وتنوع خصائصها فإن طرق إصابة الإنسان بها أصبحت متعددة مما يؤدي للانتشار السريع للأوبئة ويتم ذلك عن طريق: استنشاق الهواء الملوث، تناول الأطعمة والمياه الملوثة، لمس الأشياء أو الحيوانات الملوثة، دخول الملوثات البيولوچية عن طريق فتحات الجسم كالعين أو الأنف أو الأذن، العدوى الناتجة عن الاتصال المباشر بالمصابين، تلوث الجروح بالمواد البيولوچية الملوثة ولدغات الحشرات الناقلة للملوثات البيولوچية. هذا ويذكر المؤلفان أن هناك مخاوف من أن تتوصل جماعات إرهابية لتصنيع سلاح بيولوچـي يحتوي على الطاعون خاصة وأنه يمكن أن يوضع في شكل بخاخات ترش في الهواء، إذا تم استخدام السلالة الرئوية. ثم يؤكد المؤلفان أنه لابد وأن تتم مواجهة ومقاومة الأسلحة البيولوچية على مستويين هما المواجهة المدنية والمواجهة السياسية. هذا وتتم طرق إيقاف الإنسان للغزو البيولوچـي بعدة وسائل دفاعية إما طبيعياً أو بالاستعانة بالوسائل الصناعية من أدوية أو أمصال أو لقاحات. ومن الوسائل الدفاعية الطبيعية التي زود بها الله تعالى الإنسان إنزيم الليزوزيم الموجود في اللعاب والدموع وغشاء الأنف المخاطي ويتميز بقدرته في القضاء على العديد من البكتيريا، وهناك الخلايا البيضاء التي تجري في بلازما الدم ولها القدرة على التهام الجراثيم الخارجية المهاجمة للجسم، وهناك الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم وتذوب في مجرى الدم وتتفاعل مع الجراثيم لتقضي عليها.
أما الوسائل الدفاعية الصناعية فمنها المطهرات كالفينيك والديتول والكحول، والمضادات الحيوية واللقاحات والأمصال والأقنعة الواقية.
هذا ويرى المؤلفان أن عصر التقنية البيولوچية يَعِد - شأنه في ذلك شأن الثورة الصناعية وعصر المعلومات - بمنافع عظيمة للإنسانية، لكن إذا تعرضت التقنية البيولوچية لاستخدامات عدائية من ضمنها نشر الذعر فإن الجنس البشري سيواجه أخطاراً بالغة.
لذا وجب على الدول أن تسنَّ قوانين وتشريعات لمواجهة خطر هذه الأسلحة البيولوچية.