القاهرة 21 يناير 2020 الساعة 11:19 ص
بقلم: فليب بولمان
ترجمة: سماح ممدوح حسن
الاطفال يحتاجون إلى الفن والقصص والقصائد، والموسيقي كحاجتهم إلى الحب والطعام والهواء النقي واللعب.
لو أننا منعنا الطعام عن الأطفال فإن الضرر سوف يظهر عليهم سريعا. وإن لم نعرضهم للهواء النقي واللعب، فإن الضرر أيضا سوف يظهر عليهم، لكن ليس بشكل سريع. وإن لم نمنح الأطفال الحب ربما لن يظهر عليهم الضرر قبل عدة سنوات لكن أثر ذلك سوف يبقي معهم دائما.
لكن إن لم نمنح الأطفال الفن، والقصص، والقصائد، والموسيقي، ربما لن يظهر الضرر عليهم بسهولة. لكن رغم ذلك فإن الضرر موجود. فأجسادهم ستتمتع بالصحة ليركضوا ويقفزوا، ويسبحوا، ويأكلوا ويحدثوا الكثير من الضوضاء كديدن الأطفال، لكن سيظل هناك شيء ناقص.
صحيح أن هناك بعض الناس يكبرون دون أن يمارسوا، أو يصدفوا أي نوع من الفن، ومع ذلك هم سعداء للغاية، ويعيشون جيدا، وحيواتهم قيّمة للغاية، ولا تحتوى بيوتهم على كتاب واحد، ولا يبالون كثيرا باللوحات، ولا يستطيعون فهم الغاية من الموسيقى. حسنا، هذا رائع. فأنا أعرف بعض من هؤلاء الناس.
لكنّ هناك أناسا آخرين، فى بعض المراحل من طفولتهم أو من شبابهم أو حتى فى شيخوختهم، مرو بنوع من الفن ربما لم يحلموا به طوال حياتهم من قبل.
تبدو غريبة بالنسبة لهم كالجانب المظلم من القمر. لكن فى يوم ما يسمعون كلمات قصيدة تقرأ فى الراديو، أو يعبرون من أمام بيت مفتوح النافذة ويسمعون صوت أحدهم يعزف البيانو، أو يرون صورة مرسومة على جدار أحدهم، صورة تصدمهم تضربهم بقوة، وسيكون هذا لطيفا جدا لدرجة أنهم سيشعرون بالدوار لأنهم لم يسبق لهم أن اختبروا ما يأهلهم لذاك. وفجأة يدركون كم هم جوعى، على الرغم من أنهم منذ دقيقة واحدة لم تكن لديهم أي فكرة عن ذلك، الآن يشعرون بتعطشهم لشيء حلو ولذيذ لدرجة أنه حطم قلوبهم.
هؤلاء عادة يبكون، يشعرون بالحزن والسعادة معا، بالوحدة والألفة وكل هذا خلال تلك التجربة الجديدة والغريبة، هؤلاء يكونون مستميتين على الاستماع إلى الراديو عن قرب ويطيلون المكوث خارج النوافذ المنبعث منها صوت الراديو، ولا يستطيعون إزاحة أعينهم عن الصور الملتصقة بجدار احدهم، هم يريدون ذلك أيضا. هم فى حاجة إلى هذا، فالشخص الجائع يحتاج إلى الطعام، وهم لم يعرفوا ذلك قط، لم تكن لديهم أدنى فكرة.
وهذا هو الحال بالنسبة للأطفال الذين هم فى حاجة إلى الموسيقى والصور، والقصائد، التى لا بد وأن يختبروها عن طريق الصدفة. فإن لم تتح لهم تلك الفرصة فى الطفولة، ربما لن يقابلوها فى حياتهم أبدا، وربما قضوا حياتهم بأكملها فى حالة جوع ثقافي ودون أن يدركوا ذلك.
تأثير الجوع الثقافي لا يكون درماتيكيا أو سريعا، ليس بهذه السهولة.
وكما أقول، بعض الناس، أشخاص طيبون، أصدقاء رائعون، مواطنون مفيدون، ولم يختبروا مثل هذه الموارد الثقافية أبدا، ومع ذلك حققوا إنجازات مثالية من دونها.
فلو أن جميع الكتب، وكل الموسيقى، وجميع الصور اختفت كلها من العالم بين ليلة وضحاها فإنهم لن يشعروا بأي قدر من السوء، بل أنهم لن يلاحظوا ذلك حتى.
لكن هذا الجوع الثقافي موجود لدى الكثير من الأطفال، وغالبا لا يكونوا راضيين أبدا لأنهم لم يتنبهوا لهذا الجوع الثقافي. العديد من الأطفال فى جميع أنحاء العالم متعطشون لشيء يُشبع ويغذي أرواحهم بشكل لا شيء يمكن أو يستطيع فعله سوء تلك الأشياء.
بالتأكيد، نحن متفقون على أن كل طفل له الحق فى الطعام والمأوى، والتعليم، والرعاية الصحية وإلى غير ذلك. لكن أيضا لا بد وأن ندرك أن لكل طفل حقا فى فى اختبار قدر من الثقافة. يجب أن نعي تماما أنه من دون القصص، من دون القصائد، من دون الموسيقى، من دون الصور سوف يجوع الأطفال.
• فيليب بولمان: كاتب مسرحي وروائي بريطاني وأستاذ جامعي وكاتب للأطفال
ولد فى نورتش 1946 وهو عضو الجمعية الملكية للأدب.
المصدر
https://astridlindgrenmemorialaward.wordpress.com/2015/12/17/children-need-art-and-stories-and-poems-and-music-as-much-as-they-need-love-and-food-and-fresh-air-and-play/?fbclid=IwAR0vdnXJ-t6jUJ7J4BzWBAkDCnbixgmkb16qkOiENXfPv1EiS4iCj4yMZ_4