القاهرة 14 يناير 2020 الساعة 10:53 ص
سنوياً تناقش كليات الإعلام وأقسام الصحافة بالجامعات المصرية عشرات الدراسات والبحوث الأكاديمية التى ترصد واقع وآليات عمل وسائل الإعلام "صحافة، تليفزيون، إذاعة، إعلام جديد" والتى تقدم لعشرات بل لمئات النتائج التى تكشف عن مكامن العلل فى المنظومة الإعلامية، إلا أنه وللأسف يكون مصيرها أدراج المكاتب أو فى رفوف مكتبات الإعلام بالجامعات المصرية، وكأن ما يبذله الباحثون من دراسة لا علاقة له بالوقع، والنتيجة أننا ندور فى دائرة مفرغة.
إذا قمت بزيارة سريعة لأي من صالات تحرير الصحف "القومية، الحزبية، الخاصة" لن تجد قسماً لمتابعة ما ينشر من نتائج علمية تصل إليها بحوث ودراسات الإعلام فى جامعاتنا والعمل على الاستعانة بها تطبيقيا بهدف تطوير المحتوى وإيجاد صيغ أكثر تطوراً لآليات العمل داخل مؤسساتنا، فلا وسائل الإعلام تتطور ولا القائمين عليها لديهم اقتناع بأن بما تصل إليه تلك الدراسات من نتائج واقعي وتطبيقي وكأن هناك قطيعة بين المؤسسات الإعلامية وبحوث الإعلام؛ وعندما تسأل عن سبب تلك القطيعة دائما ما تأتى الإجابة غير المبررة: "نتائج بحوث الإعلام تنظيرية ولا تمت للواقع بشيء".
التأكيد على أن نتائج بحوث ودراسات الإعلام تنظيرية ولا تتناسب وسوق العمل الذي يحتاج إلى مراجعة؛ وبخاصة أن عددا كبيرا من بحوث الإعلام تطبيقي وميداني بالفعل ويكشف عن أسباب تراجع المنظومة الإعلامية التى أصيبت بالشيخوخة بسبب رجعية وتقليدية بعض من يعملون فيها.
سبب آخر من بين أسباب القطيعة بين المؤسسات الإعلامية وبحوث الإعلام يعود إلى الصور النمطية عن أستاذ الجامعة وما ينتجه من بحوث، وهو ما رسخته بعض الأعمال الدرامية، وهو حقاً يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، وإن لم يستفق القائمون على إدارة مؤسساتنا الإعلامية من غفوتهم سيفاجؤون بعدد هائل من الأخبار والتقارير والتحقيقات الصحفية التى ينتجها "الروبوت الصحفي" بالمؤسسات الإعلامية الموجودة فى الإقليم والنطاق الدولي، والتى قد لا نستطيع أن نلاحقها وهو وبالمناسبة حدث منذ عام 2016 عندما استطاع "هيليوجراف" وهو الروبوت المراسل لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية خلال عام واحد (منتصف 2016-2017) أن ينجز 850 موضوعاً صحفياً، كانت بدايتها 300 تقرير حول "أوليمبياد ريو دي جانيرو"، وبعد هذه التجربة الناجحة استخدمت الجريدة "الروبوت" في تغطية سباق الانتخابات الأمريكية يوم الانتخابات، ودوري كرة القدم للمدارس الثانوية في واشنطن، إلى جانب إنتاج العديد من القصص والتغريدات المختلفة.
كما بدأت وكالة "الأسوشيتد برس" استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الصحفي وذلك عندما وظفت تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج تقارير اقتصادية ربع سنوية عن الدخول المالية والنتيجة كانت مبهرة على مستوى الكم والكيف معاً، فقد أسهمت التقنية الجديدة في إنجاز أكثر من 3000 تقرير اقتصادي بدلاً من 300 تقرير كان يستغرق من الصحفيين الكثير من الوقت والمجهود، والأكثر من ذلك أن تلك التقارير تتضمن نصائح الخبراء، كما أن الأرقام والحقائق الواردة في هذه التقارير دقيقة وهو ما نشر عبر عشرات المقالات الصحفية والدراسات والبحوث، و بدأت دراسات وبحوث الإعلام فى مصر بالفعل الالتفات له ورصده والعمل علي تقديم نصائح للقائمين على المؤسسات الإعلامية بكيفية تطبيق تقنية الذكاء الاصطناعي داخل غرف الأخبار؛ لكن من يتابع ويهتم بما تنتجه الجامعة المصرية من بحوث!.
من صحافة الروبوت لصالات التحرير التقليدية تصحبكم الدكتورة فاطمة الزهراء عبد الفتاح فى جولة عبر كتابها المهم "مقدمة حول غرف الأخبار الحديثة: تجارب من مصر والعالم"، والصادر مؤخراً عن دار العربي للنشر والتوزيع، وهى جولة داخل صالة تحرير أقدم المؤسسات لصحفية فى مصر؛ حيث تقول: "تكشف الملاحظة الميدانية عن أن صالة تحرير جريدة الأهرام ذات طابع تقليدي للغاية، حيث لا يتواجد بها جهاز كمبيوتر لكل صحفي، ولكن يتفاوت عدد الحواسب من قسم إلى آخر، إذ تتواجد بكثافة فى الأقسام التى تعتمد على وكالات الأنباء مثل الشئون العربية والعالمية، ثم يكاد يوجد جهاز واحد بكل قسم يتم استخدامه فى إعداد الموضوعات ومراجعتها وإرسالها على الشبكة الداخلية للديسك المركزي، فضلاً عن شاشة تليفزيون واحدة إلي جانب شاشات معطلة (يوجد بصالة التحرير 8 شاشات لا يعمل منها سوى الشاشة المجاورة للديسك المركزي).
وتتابع مؤلفة الكتاب: "تنقسم الجريدة إلى أقسام الأخبار، المشهد السياسي، شئون برلمانية، الدبلوماسي، الرئاسة، العسكرين الحوادث، الاقتصاد، الثقافة، الإذاعة والتليفزيون، السينما، المسرح، العلوم، البيئة، الأخيرة، الرياضة، المرأة، شئون عربية، شؤون عالمية، تحقيقات خارجية، تحقيقات، متابعات، الرأي، الفكر الديني، المحافظات، البريد، الديسك المركزي، سكرتارية التحرير، التصحيح، التصوير"، غير أن كل تلك الأقسام لا تتواجد فى صالة التحرير، وإنما تتواجد الأقسام الأكثر صلة بالعمل الخبري، فيما يتواجد محررو الأقسام فى حجراتهم، دون أن يتواجد كل محرري قسم فى غرفة بعينها ولكن ينتشر المحررون فى الحجرات المختلفة، ليبدو العمل بشكل ذى طابع فردي أكثر منه قائم على التنسيق والعمل الجماعي".
وأخيرا، دعونا نتفق مع ما ذهب إليه الدكتور محرز حسين غالي، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فى دراسته "تأثير التحولات في ثقافة غرف الأخبار والبيئة التنظيمية الجديدة على أجندة البحث العلمي في حقل دراسات إدارة المؤسسات الصحفية واقتصادياتها: رؤية تحليلية نقدية"، أن بحوث الإدارة الصحفية واقتصادياتها – خاصة في إطار المدرسة الغربية – تشهد تطورات هائلة على مستوى أجندتها البحثية وأطرها المعرفية والنظرية، وأن ثمة عوامل ومتغيرات كثيرة، أهمها تعقد ظروف صناعة الصحافة وتعرضها لمخاطر اقتصادية وتنظيمية تهدد وجودها، وتزايد إدراك القائمين على شئون صناعة الصحافة لأهمية الإدارة ومسئوليتها عن مجابهة مثل هذه التحديات، وتزايد معدلات عدم اليقين البيئي الذي تعمل في ظله صناعة الصحافة، كانت من أهم العوامل التي أسهمت في زيادة معدلات إقبال الباحثين، وبخاصة في الغرب الأمريكي على دراسات هذا الحقل المعرفي وإشكالياته بوصفه يمثل عصب صناعة الصحافة بمختلف أبعادها.