القاهرة 07 يناير 2020 الساعة 10:34 م
كتبت: نضال ممدوح
في خطابه الذي وجهه إلي أعضاء الجمعية الإفريقية في لندن يقول أ . ب. نيوتن "إن أفريقيا ليس لها تاريخ قبل مجيء الأوروبيين"? تكشف مقولة نيوتن عن منظومة فكرية غربية? صاغت أسس فكرة التمركز الأوروبي وأصّلت له، من أجل صناعة صورة تشرعن للغربي إقصاءَه للآخر وتهميشه، وتجلت في نظريات أصلت للحضارة الأوروبية بادعاء النقاء، وعدم تأثرها بأيّ حضارة أخرى غير غربية، وانعدام القيمة والتأثير المطلق للحضارات الأخرى.
اعتمادا على معرفته الداخلية الفريدة بالتقاليد الفكرية المختلفة، يطرح المفكر الإيراني "حميد دباشي"، المقيم في أميركا، والأستاذ بجامعة كولومبيا? سؤالا استفزازيا? معنونا كتابه "هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟" استكمالا لما بدأه قبلها في كتابيه: الربيع العربي ــ نهاية حقبة ما بعد الاستعمار والذي أردفه بـ ما بعد الاستشراق ـــ المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب. فيما أراد أن يحمل عنوانا أوسع وأشمل "ثلاثية الانتفاضة" لأنها تحمل في جذور كل منها المنطق الموسع للانتفاضة الفلسطينية? كمثال لجميع حركات التحرير العابرة للحدود بحسب دباشي .
يصيغ" هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟" الصادر عن منشورات المتوسط بترجمة عماد الأحمد? منظوراً جديداً لنظرية ما بعد الاستعمار، وما يمكن أن يحدث عندما يفكر الأوروبي خارج إطار الفلسفة الأوروبية? حيث يتساءل حميد دباشي: لماذا يتعين علي الأوروبيين أن لا يكونوا قادرين علي القراءة? حتي عندما نكتب باللغة التي يفهمونها؟ يقول دباشي: ببساطة لأنهم كأوربيين وقعوا في فخ المجاز المستنزف الذي يتوق إلي ماضيه? يحيلون ما يطلعون عليه ــ مجددا ــ إلى ذلك الفخ? وإلى ما يعرفونه بالفعل? وبالتالي فهم غير قادرين علي رؤيته? على أنه لا شيء? لا يعرفونه? ولكن? بالإمكان تعلمه."
فالنمط الغربي هو الوحيد المتعين محاكاته لتطور المجتمعات، التي اعتبرتها أوروبا تحمل عناصر الثبات، ولا تسمح خصوصيتها بالتقدم، بينما الثقافة الأوروبية الحديثة تمتلك عناصر التطور المستمر، لذلك كان من الضروري أن يقسم العالم إلى مركز وهوامش، مركز غربي من حقه التمدد والسيطرة لفرض نمطه، وهوامش تحتاج إلى التغيير والتحديث يقول دباشي: أحاول أن أبرهن على أن الاستشراق ــ كوسيلة لإنتاج المعرفة ــ ليس أمرا واقعا? وليس مشروعا مغلقا ومكتملا? كان الاستشراق نتاجا للحظة معينة في تاريخ الاستعمار الأوروبي. يستدعي الحديث عن الاستشراق أن خصص دباشي? فصلا كاملا من كتابه عن المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد? وجاء بعنوان "لحظة أسطورة إدوارد سعيد 1935 ــ 2033 " وفيه يعرض دباشي للجانب الإنساني بعلاقته بإدوارد سعيد? وكيف كان سعيد الجبل الذي يأوي إليه من أسماهم دباشي" المكسورين والمعزولين "وكيف كان منزل سعيد مبعثا على الاطمئنان والسكينة لجيل المهاجرين المثقفين:" هناك تضامن الهدف ــ اليوم ــ بين عصبة من المتمردين والثوار ــ بيننا ــ غير المؤمنين واليهود والمسيحيين والوثنيين والهندوس والمسلمين? كما يوجد بيننا الملحدون والمسيحيون والموحدون? والسكان الأصليون والمهاجرون? الذين يقولون الحقيقة للسلطة? مع صدي صوت إدوارد سعيد المتردد لأصواتنا المجتمعة. كيف جئنا إلى هنا? حيث نحن الآن? نستمع بأذنيه ونرى بعينيه ونتحدث بلسانه".
كما تطرق دباشي في حديثه عن سعيد? إلى المبادئ والأشياء التي لا تعد ولا تحصي التي تعلمها جيل دباشي من سعيد? وكان أبرزها البلاغة والحماسة الشديدة في صوته والعظمة والثقة والشجاعة والجرأة ورباطة الجأش? في قاموسه اللغوي والتي بدونها? كان سيقع جيل من المثقفين والمهاجرين تحت رحمة الأكاديميين المرتزقة? والصحفيين المغروسين الذين يملؤون مزاريب وسائل الإعلام? ينطقون بأمراضهم بعربية وفارسية رصينة أو لهجات جنوب آسيا? لكنهم يتحدثون بلهجة "النحن" التي تدعو للغثيان على حد تعبير دباشي.
قسم دباشي كتابه "هل يستطيع غير الأوروبي التفكير" خصصه لثورات الربيع العربي يراهن دباشي علي الشباب العربي? في استيلاد ثورات حقيقية وليست تلك الانتفاضات التي أجهضت بمحاولات الإسلاميين القفز عليها? حيث تكون مصر نموذجا، ويشير دباشي إلى محاولات الإخوان المسلمين في مصر الاستيلاء على الثورة المصرية من خلال محاولة استيلاء" محمد مرسي" على السلطة ووضع نفسه فوق القانون? عبر الإعلان الدستوري الذي وضعته جمعية تأسيسية يسيطر عليها الإخوان المسلمون. يقول دباشي: "لا يمكن لجماعة الإخوان المسلمين في لعب دور مهم? في تشكيل رؤية مشتركة? لمستقبل مصر أن تجبر شعبا بأكمله? على التصويت على دستور لم يلعب جزء كبير (سياسيا) من السكان أي دور في صياغته".
لافتا إلى أن الإسلاميين المتشددين الراغبين في اختطاف التطلعات الديمقراطية للشعب السوري غريبون عنه بشكل قاطع? كما هو واضح اليوم في شوارع القاهرة والإسكندرية? فأي جماعات متشددة تعتقد أنها ستحكم سوريا بعد رحيل الأسد? ستلاقي نفس المقاومة في حلب ودمشق? ونفس مصير جماعة الإخوان في مصر? عاجلا أو آجلا سيخسر المتشددون، والأوجب أن تخسر الإدارة الإمبراطورية للولايات المتحدة التي ترغب في التحكم في دفة الثورات العربية .
وتحت مبحث بعنوان" جيل جديد من المقاومة" يشير دباشي إلى أن ظاهرة" الإسلاموفوبيا" التي انتشرت في أوروبا والولايات المتحدة أدت إلى ظهور جيل جديد من المقاومة من قبل المسلمين ــ المهاجرين أو الذين ولدوا ونشأوا في أوطانهم الجديدة? لا ترهبهم عنصرية أشخاص مثل ميشيل باكمان? باميلا جيلر? أو خيرت فيلدرز? وعدم قبولهم بإعادة النظر في تعريف إيمانهم الجماعي بالنيابة عنهم? فالمسلم العادي الذي يعيش في شمال أفريقيا? أو في غربي آسيا? لا يمتلك أي قواسم مشتركة على الإطلاق مع عصابات المغامرين المسلحين الذين يشاركون في معركة حامية مع الإمبريالية الأوروبية أو الأمريكية العنصريين فالإسلام الذي تظهره الأنظمة الحاكمة هو الإسلام الذي أتي في سياق نضال المسلمين ضد الاستعمار? وهكذا إسلام السلفيين والوهابيين? والإخوان المسلمين? وكذلك البلطجية المنتشر من مالي إلى أفغانستان? كما وضعته وروته الولايات المتحدة وحلفاؤها. هذا الإسلام الذي عفا عليه الزمن إيديولوجيا والمهزوم سياسيا? والبعيد عاطفيا عن الاتصال مع أدلة واقعية? من الملايين من المسلمين الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم.