القاهرة 04 يناير 2020 الساعة 02:17 م
كتبت:سمر أرز
يعرض مسرح الطليعة فى السابعة والنص مساءً بقاعة زكى طليمات العرض المسرحى "حريم النار"، وهو مأخوذ عن النص العالمى "بيت برناردا ألبا" للشاعر والكاتب الأسبانى فيديريكو غرسيه لوركا، وقام بتمصيره المؤلف شاذلى فرح الذى تناول فيه الجنوب بموروثاته القديمة الراسخة والتى تكاد تكون مقدسة فى هذه المجتمعات.
ولم يجد المؤلف "شاذلى فرح" صعوبة عند تمصيره لنص "بيت برناردا ألبا" فلا يوجد أفضل من البيئة الصعيدية المصرية لكى تتناوله، فأحداث المسرحية الإسبانية لم تختلف كثيراً عن البيئة الصعيدية المصرية سوى فى البيئة وبعض الإختلافات البسيطة التى لم تؤثر على السياق الدرامى، فتناولت "حريم النار" روح "بيت برناردا ألبا" فى قالب صعيدى مصرى، فمثلما بدأت مسرحية لوركا بقداس لموت زوج ( برنارد ألبا ) بدأ حريم النار أيضا بموت زوج ( فتحية شلجم ) الأم التى تفرض سطوتها على كل من الخادمة والبنات الخمس معلنةً الحداد لسبع سنوات لا يدخل فيهم حتى الهواء إلى البيت وهذا ما أمرتهم به فتحية شلجم، خمس بنات يعشن حياة السجينات تحت سيطرة وجبروت أم متسلطة منعتهم من الاستمتاع بأبسط حقوقهن وهى حريتهن فى الحياة، وانعكس ذلك عليهم بالكآبة والقتامة والنفس المحرومة من أبسط ملذات الحياة، ابتعدن عن الناس والمجتمع فالكل نبذهن عدا المدعو أحمد على الذى يتبين من خلال الأحداث أنه خاطباً للإبنة الكبرى أقلهن جمالاً ولكن أكثرهن مالاً، كما تعشقه سرا الأخت الصغرى وتلتقى به سراً كنتيجة طبيعية لما عانته من حرمان متحدية بذلك كل قيود الأم وجبروتها، ولكنها تعلم بما تفعله إبنتها عن طريق الخادمة التى بدت خفيفة الظل تخدمها وتنقل لها أخبار البنات، فينتهى الأمر بمقتل الإبنه الصغرى بالخطأ على يد الأم عندما أرادت قتل الشاب الذى فرق شمل الفتيات وبعثر كيان الأسرة وبذلك تنتهى الأحداث.
ويجد المتلقى منذ الوهلة الأولى نفسه مندمجاً داخل الأحداث ويشعر بالألفة؛ فالمؤلف وضع النص داخل قالب مصرى صميم يحمل جميع سمات النص الأصلى وروحه، وساعد فى ذلك الاندماج الصورة المبهرة للعرض من ديكور بسيط يعبر عن البيئة الصعيدية ويوحى بمدى القتامة والكآبة التى صنعتها الأم من أبواب وشبابيك مغلقة وألوان باهته يغلبها السواد، كما كانت للإضاءة والملابس المناسبة والموسيقى وصوت البوم والضباب الدخاني دوراً قويا فى اندماج المتلقى مع أحداث المسرحية، وجاء ذلك فى انسجام تام مع أداء تمثيلى لكل شخصية بالعمل، فتميزت عايدة فهمى بصوتها المميز الذى عبر عن سطوتها وعالمها الخاص، كما أبدعت الممثلات وهن يتقلبن واحدة تلو الأخرى معبرات عما بداخلهم فمنهن من تذكرت حسرةً على حبيبها القديم الذى رفضته أمها، ومنهن من لا تعلم عن عالم الرجال سوى الصورة التى أخذتها من أختها، ومنهن من تظهر مشاعر أنثى عانس مريضة متوهمة بحب رجل لا يريد منها سوى ميراثها فتتألم حسرةً على نفسها بعد علمها الحقيقة، كما تخلل العرض بعض الكوميديا الخفيفة التى صنعتها منال زكى (الخادمة) لتخفف من حدة كآبة الأحداث والوحدة والحزن.
وقد أوضح "محمد مكى" مخرج العرض أن المسرحية دعوة للتخلى عن قيود التقاليد الراسخة فى عقول البعض إلى يومنا هذا والتى قد تؤدي لتدمير الحياة، كما يجب علينا أخذ الإيجابيات من عاداتنا وتقاليدنا وترك كل ماهو سلبى مثل الثأر والختان وقمع الفتيات، واستكمل مؤكداً أن العرض يوجه رسالة للمحبة؛ فالحب يجب تواجده بين الأم وبناتها، وبين الحبيب وحبيبته، وعند اختفائه سيسود الكبت وتسود القسوة .
" حريم النار" بطولة عايدة فهمي، منال ذكي، عبير لطفي، نشوى إسماعيل، نسرين يوسف، أميرة كامل ،كريستين عاطف، ديكور محمد سعد، أزياء شيماء محمود، موسيقى وألحان محمد حسني، مصمم استعراضات محمد ميزو، مصمم إضاءة إبراهيم الفرن، العرض من تأليف شاذلي فرح وإخراج محمد مكي.