القاهرة 31 ديسمبر 2019 الساعة 10:58 ص
نتابع دورات انعقاد المؤتمر العام للأدباء من عشر سنوات ضمن الإعلاميين المشاركين بالمؤتمر للتغطية الصحفية، ومن خلال هذه المشاركة نشهد تطورا ملحوظا من حيث الإدارة والمحتوى والاهتمام الذي توليه هيئة قصور الثقافة بقيادة الصديق الدكتور أحمد عواض، والأمانة العامة للمؤتمر التي تحمل الراية دورة تلو الأخرى بروح شبابية ورؤية ثقافية بناءة.
ولم تكن الدورة الرابعة والثلاثون من المؤتمر العام للأدباء أو مؤتمر أدباء مصر، أو اسمه الأول "مؤتمر أدباء الأقاليم" التى أقيمت قبل أسبوعين 1بمحافظة بورسعيد تحت عنوان «الحراك الثقافى وأزمة الوعى.. إبداعًا وتلقيًا» بالدورة العادية والتى كان يرأسها الفنان عز الدين نجيب، فقد كشفت عن الكثير من الصعوبات التى لازال الواقع الثقافى والأدبي فى مصر يعانى منها حتى الآن.
ورغم حاله التطور الإدارية والشكلية التي نراها نجد أن تطور الحراك الثقافى أصبح «حراكًا للخلف لا إلى الأمام» وهذا ما كان يعانى منهُ أدباء الأقاليم الذين تحدثت إليهم والذين كانوا يطمحون إلى واقع ثقافى أفضل؛ لكنهم أجمعوا من خلال حديثي مع بعضهم أن مؤتمر الأدباء لا يزال هو المتنفس الوحيد لأدباء الأقاليم لكى يطلعوا على أبحاث ورؤى جديدة فى كافة الفنون الأدبية المختلفة وبخاصة أنهم صاروا يُخاطبون بعضهم البعض من خلال كتاباتهم وأعمالهم.
وظهرت الجلسة الافتتاحية من أعمال المؤتمر، والتى حضرتها وزيرة الثقافة الدكتور إيناس عبد الدايم، بشكل مفاجئ عندما فاجأ أمين عام المؤتمر الشاعر حازم حسين، الجميع بكلمته التى لاقت ترحيبا من الجميع حتى إن الحضور أخذ يصفق لهُ بشكل متواصل لمدة دقيقتين متتاليتين دون توقف، بل إن الجميع أخذوا يتهامسون سرًا وعلانية خلال المؤتمر على عمق كلمته التى فاجأت الوزيرة هي الأخرى.
شددت كلمة الأمين العام للمؤتمر عدة نقاط منها أن المؤسسة الثقافية بكاملها صارت خارج المعادلة، وهو الأمر الذى يفرض على الجميع البحث عن تأسيس جديد للمنظومة كلِّها، حيث أشار إلى أننا نتحدث كثيرًا عن حاجتنا إلى تجديد الخطاب الديني، لكن الأولى أن نتجاوز الفرع إلى الأصل، وأن نعمل على تجديد الخطاب الثقافى؛ بوصفه الغلاف الجامع لكل الخطابات الجزئية.
كما دعا الوزيرة إلى ضرورة الالتفات إلى المؤتمر بقدر أكبر من الجدية، وإعادة تأسيسه، ويكون قاعدة رصينة لإنتاج الأفكار لا تداولها فقط، وليصير المؤتمر منتدىً حقيقيًّا لأدباء مصر، وليس منتدىً لأندية الأدب فقط، وأن يكون شريكًا فى تخطيط الرؤى وصوغ الاستراتيجيات.
أما النقطة الثانية التى أشار إليها أمين المؤتمر هي أننا لا نملك استراتيجية ثقافية حقيقية، وضرب مثالًا إلى أن وزارة التخطيط خاطبت الثقافة خلال إعداد «رؤية مصر 2030» قبل سنوات؛ لوضع خطة شاملة للقطاع، لكن هذا الخطاب انزلق إلى أدراج المجلس الأعلى للثقافة ولم يخرج، حيث وصف ذلك بأنه حدث فى وقت يتفرغ فيه المجلس لتنظيم الندوات والأماسي على طريقة أندية الأدب، بينما يُفترض فيه أن يكون عقلًا وبيت خبرة، لا مُتعهد حفلات.
أضاف أن هذه الوضعية المؤسفة تفرض على الدولة التدخل؛ لإصلاح حال المجلس، وإعادة هيكلة لجانه وآليات عمله، أو إلحاقه بمجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، ليُنجز ما يتعين عليه إنجازه بعيدًا عن البنية العتيقة واللجان المُلتئمة على طريقة ملوك الطوائف.
الأمر الثالث الذى أشار إليه هو ضرورة دعم صناع الثقافة، في القرى والنجوع وعلى مقربة من معاقل الانغلاق والتطرُّف؛ لأن من الواجب أن تتدفق الفرق الكبرى وعروض الأوبرا والبيت الفنى إلى الأقاليم بانتظام، وليس بالصدفة أو الهوى، كما وصفها.
الأمر الأخير الذى أثاره هو ضرورة مراجعة مكافآت التكريم بشكل دوري، حيث طالب بوضع صيغة قانونية وتمويلية لتأسيس صندوق تكافل تحت مظلة الوزارة.
وبعد انتهاء حديثه، وخلال كلمتها وعدت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم الحضور بأن هذه المُطالبات سينظر إليها خلال المشاورات، كما رفعت قيمة مكافآت التكريم لسبعة آلاف جنيه، وتلا كلمة الوزيرة تكريم الفائزين كما تقرر ولأول في تقليد جديد للمؤتمر تكريم المبدعين الراحلين من أدباء مصر هذا العام.
كما أن من مميزات المؤتمر هذا العام والذى أجمع عليه الكثيرون هو تنوع الأوراق البحثية وثراؤها، وكذلك تنوع عناوين الجلسات داخل المؤتمر ومناقشتها لكافة القضايا الفكرية التى من خلالها قدمت رؤية شاملة لكتاب الأقاليم عن المحاور الثقافية المختلفة.
وأخيرا.. وليس بأخر فان تطورات المؤتمر العام للأدباء تنعكس على وتصب في صالح البنيان الثقافي والحراك المصاحب له مع تطور الحركة الثقافية وما يصاحبها من متغيرات على المستوى الإداري والغنى وأسس التعامل مع متغيرات العصر.