القاهرة 31 ديسمبر 2019 الساعة 10:28 ص
كتب: أحمد مصطفى الغـر
شعراء وأدباء مشهورونبلغ أدبهم الآفاق، من خلال الروايات المدهشة والدواوين الشعرية اللافتة، التي وضعت بصمة في أذهان القراء وجمهور الأدبحول العالم، لكن رحيلهم أحدث مرارة وحزنًا واسعًا، وقد ترك بعضهم خلفه رسالة أخيرة قبل أن يغلق ستار الحياة وتنطفئ شمعة أدبه التي كانت تتجدد باستمرار طيلة حياته، هذهالرسائل الأخيرة أذهلت القراء، فبعضها قد حمل المأساة، ومرارة العيش والحياة، تلك التي تظهر جليًا على الحبر الذي كُتِبَت به، رسائل اختزلت الحزن والظروف القاسية التي شكلت إبداعًا في تكوين حروفهم وأدبهم،وأحدثت تلك الرسائل ضجيجًا هائلًا، بل وشكّلت فنًا خاصًا يندرج تحت أدب الرسائل.
"سوف أحاول استخراج الجمال من الشر"، هذا ما قاله "شارل بودلير" فور ظهوره على الساحة الشعرية، قبل أن يصبح لاحقًا هو الشاعر والناقد الفرنسي المعروف والأكثر شهرة، بل ومن أبرز وأهم شعراء القرن التاسع عشر، وفي عام 1845م كتب بودلير رسالته الأخيرة، تلك التي قال فيها: "حين تسلم الآنسة جان لومير إليك رسالتي هذه سأكون قد فارقت الحياة، سأموت في قلق مضنٍ، أنتحر لأني ما عدت قادراً على العيش، معاناة في النوم ومعاناة أخرى لأستيقظ ما عدت أتحملهما"، كتب بودلير هذه الرسالة قبل أن يطعن نفسه، لكنه لم يغادر الحياة بسبب هذه الطعنة الضعيفة، حيث عاش بعدها 22 عامًا، وفي مزاد أقيم عام 2018م داخل فرنسا تم بيع رسالة انتحار بودلير بمبلغ 234 ألف يورو، في المزاد الذي نظمته دار "أوزنا"، وقد توفي بودلير عام 1867م بعدما أصيب بمرض الزهري.
أما الكاتبة الشهيرة "فرجينيا وولف"، التي وُلِدَت في منزلٍ إنجليزيّ ثريّ عام 1882 وتربّت من قبل والدين متحررين فكريًا، وتعدّ أحد مؤسسي الأدب الحديث، تركت حصيلة مؤلفات يتردد صداها حتى الآن،وقبل انتحارها في 28 مارس عام 1941م ارتدت فرجينيا المعطف وملأته بالحجارة وأغرقت نفسها في نهر أوس، حيث كانت تعاني من الاكتئاب الشديد، وجدت السلطات جثتها بعد ثلاثة أسابيعٍ من انتحارها، وقد تركت وولفرسالة أخيرة تخاطب زوجها، قالت فيها: "عزيزي، إنني متيقنة بأنني سأجن مرة أخرى، لا أظن بأننا قادرون على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، ولا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتًا وفقدت قدرتي على التركيز، لذا سأفعل ما أراه مناسبًا، لقد أشعرتني بسعادة عظيمة وقد كنت كل ما يمكن لأي شخص أن يكون، لا أظن أن أي أحد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين إلى أن حل بي هذا المرض الفظيع،لست قادرة على المقاومة بعد الآن".
وتكملوولف في رسالتها إلى زوجها الكاتب والناقد الاقتصادي "ليوناردوولف"، الذي كان إلى جانبها دومًا، وقرّرا أنهما سينتحران معاً إذا ما استطاعت ألمانيا احتلال إنجلترا خلال فترة الحرب العالمية الثانيةعام 1940 وقد تهدّم منزلهما خلال تفجير الألمان للمدينة، فتقول: "أعلم أنني أفسد حياتك وبدوني ستستطيع العمل، أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ، جل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي، لقد كنت جيدًا معي وصبورًا علي، والجميع يعلم ذلك، لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون أنت، فقدت كل شيء عدا يقيني بأنك شخص جيد، لا أستطيع المضي قدماً في تدمير حياتك بعد الآن، لا أظن أن اثنين شعرا بالسعادة كما شعرنا بها".
أما الشاعر الروسي "سيرغي يسينين" الذي لم يعش إلا 30 عامًا، استطاع ترك بصمة واضحة في الأدب الروسي، وترجمت قصائده إلى 32 لغة، وصدرت في عدة بلدان مثل: الولايات المتحدة واليابان، في إبان نشاطه وشهرته ترك يسينين كل ذلك خلفه في 27 ديسمبر 1927م، في مدينة بطرسبورغ، بفندق "إنغليتير" حيث وضع قصيدة قبل أن يرحل يختتم بها مسيرته الإبداعية، فقد تم العثور عليه معلقًا بحزام حقيبة على أنبوب للتدفئة المركزية بالفندق، وبينما كان الجميع متأكدًا من انتحاره، خاصة أنه كان مدمنًا للكحول، لكن بعد سنوات بدأ البعض يشكك فى هذا الانتحار، ويذهب إلى أن السلطة قد قتلته.وقد قال يسينين في رسالته الأخيرة: "وداعاً، يا صديقي، وداعاً، حبيبي، أنت في صدري. إن الفراق المرتقب يعِد بلقاء فيما بعد. وداعاً، صديقي، بلا كلام ولا سلام، لا تحزن ولا تقطّب حاجبيك، ليس جديدًا أن نموت في هذه الدنيا، وأن نعيش، بالطبع، ليس جديداً أكثر".
أما الأديب الألماني "هاينرش فون كلايست"، في رسالته الأخيرة عن سبب كراهيته للحياة وحبه للموت، ومنها قوله في رسالة إلى أخته أولريكه (بتاريخ 26 أكتوبر 1803): "عزيزتي، إن ما سأكتبه إليك قد يكلفك حياتك، ولكني لابد.. لابد.. لابد أن أكتبه إليك. لقد تناولت في باريس عملي على قدر ما تم فيه، وراجعته ورفضته، ثم مزقته، والآن انتهى كل شيء"، ثم يكتب رسالته الأخيرة إلى أخته: "إلى أولريكة فون كلايست.. إلى صاحبة العصمة، لا يمكنني أن أموت قبل أن أتصالح راضيا تماما، على نحو ما أنا الآن مع الدنيا كلها، وبالتالي وقبل كل شيء آخر، معك يا أولريكة، يا أعز الناس عندي. دعيني أرجع عن التعبير القاسي الذي ضمنته خطابي إلى آل كلايست.. لقد فعلتِ، لا أقول أقصى ما يمكن أن تفعله أخت، بل أقول أقصى ما يمكن أن يفعله إنسان لإنقاذي، والواقع أنه لم تعد في الدنيا وسيلة لمساعدتي. والآن أقول لك وداعا. ولعل السماء تمنحك ميتة فيها نصف ما في ميتتي من الفرحة والبشاشة التي لا سبيل إلى التعبير عنها. هذه هي أخلص وأحب أمنية أستطيع أن أتمناها لك".