القاهرة 24 ديسمبر 2019 الساعة 12:12 م
حوار: صلاح صيام
الكاتب فاضل الكعبي: الواقع العراقي أوقف مسيرة أدب الأطفال المتميزة
نواصل الحلقة الثانية مع كاتب الأطفال المتميز فاضل الكعبى، الذى يحدثنا اليوم عن ما يقدم للطفل العراقي, ويخوص بنا فى أعماق التجربة العراقية الرائدة فى هذا المجال, ويحلل خطواتها الراسخة وما تعرضت له من هزات وصلت إلى حد التوقف بسبب الواقع العراقي الذى فرض نفسه على كافة المجالات.. وإلى نص الحوار....
* صف لنا أدب الأطفال في بلدكم؟
أدب الأطفال في العراق أدب غنيّ وراسخ وأصيل بتجربته الخلاقة الطويلة التي تشكل رافداً مهماً من روافد التجربة العربية في أدب الأطفال، بل هو خصوصاً في تجربته المعاصرة، يأتي في طليعة التجارب العربية هو التجربة المصرية والتجربة السورية في أدب الأطفال، ولهذا الأدب منجزه البارع والمتميز الذي قدّمه العديد من المبدعين المتميزين في العراق، إذ إن تجربة هذا الأدب في مراحله المعاصرة بانطلاقته الأولى في بداية السبعينيات كان قد انطلق من أرضية صحيحة وواعية ومدركة لمهارات الكتابة الخاصة بالطفل، وقد سار بذلك حتى أرسى دعائم علمية وفنية بارعة في مسائل الكتابة الناجحة للطفل، سارت عليها وانطلق منها العديد من التجارب العربية، وقد استقطب هذا الأدب في مراحله الأولى العديد من المبدعين العرب الذين أسهموا في تعزيز نوعه المتميز وهويته الفنية الواضحة في الواقع الإبداعي أمثال الكاتب الكبير الصديق الراحل عبد التواب يوسف، والكاتب الكبير الصديق يعقوب الشاروني، والرسام الكبير بهجوري.. وغيرهم ممن عملوا في العراق ورسخوا من آليات الحداثة والتجديد مع المبدعين العراقيين في تجربة الكتابة المعاصرة للطفل، ولهذا نجد أدب الأطفال في العراق بتجربته المعاصرة يشكل علامة بارزة في واقع التجربة العربية لأدب الأطفال، إلا أن أدب الأطفال على مدى تاريخه الطويل، وخصوصاً المعاصر منه، كان قد مرّ بمنعطفات عديدة شهد فيها نهوضاً متفاوتاً ثم نكوصاً وانحصارا، في مراحل متفاوتة من تاريخه الطويل بسبب ما مر به الواقع العراقي من ظروف سياسية واقتصادية ضاغطة، أثّرت وانعكست عليه بكل وضوح، مما أدى إلى انحسار نشاطه وعطائه في الواقع الثقافي، مع اتساع النظرة القاصرة إليه من عدة اتجاهات، إلا أنَّ أدب الأطفال في العراق على الرغم من كل ذلك تبقى له بصمته الخاصة ويبقى صوت كتّابه ومبدعيه الحقيقيين واضحاً كل الوضوح في واقع أدب الطفل العربي ، ولأهمية هذا الأدب في تجربته الكبيرة والمهمة فقد انتهيت مؤخراً إلى انجاز دراسة مهمة عنه دفعتها إلى النشر تتمثّل بكتاب عنونته بتساؤل مهم انطلقت منه وسمّيته: (لماذا أدب الأطفال: سؤال الماضي والحاضر في معاينة ودراسة التجربة العراقية في أدب الأطفال) وهو دراسة تاريخية وفنية ونقدية وببلوجرافية درست التجربة وبحثت فيها من كل الاتجاهات والمحاور كما عرضت واستعرضت لتجربة دار ثقافة الأطفال بوصفها الحاضنة الأولى التي نشأت في أحضانها وترعرعت هذه التجربة في عمرها المعاصر، وسعيت إلى أن تكون هذه الدراسة دراسة شاملة وفريدة ومتميزة في منهجيتها وأسلوبها الجديد، وتغني كل طالب وباعث يريد معرفة الشيء وكل شيء عن التجربة العراقية في أدب الأطفال، وقد أشرت فيها لكل أثر وبصمة إبداع لكل من كتب وأبدع في أدب الطفل العراقي منذ مطلع السبعينيات إلى يومنا هذا.
* برأيكم، ومن خلال رؤيتكم العميقة وتجربتكم الطويلة، أين يكمن موقع أدب الأطفال العربي ومكانته من الأدب العالمي للأطفال؟
من المؤكد والواضح أن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية ثقافته الخاصة التي تنتج لأفراده من الأطفال ثقافتهم وأدبهم الخاص، هذا من البداهة بمكان، ومثلما للطفل الفرنسي والإنجليزي والروسي والأمريكي والياباني والصيني وغيرهم من أطفال المجتمعات الأخرى أدبهم الخاص، كذلك الحال بالنسبة للطفل العربي، له أدبه الخاص والمتميز عن غيره من الآداب الأخرى لبقية المجتمعات. فالطفل هو الطفل في هذا المجتمع أو ذاك، له طاقاته، وقدراته، و أدواته ومستوياته الخاصة في تناول هذا الأدب وتلقيه، هذا واقع حال طبيعي، لكن هناك مميزات خاصة ومحددات معينة يتميز بها أدب هذا المجتمع عن أدب مجتمع آخر غيره ، تبعاً لاختلاف ثقافة هذا المجتمع عن ذاك.. وهكذا يبقى الحال مختلفاً بين مجتمع وآخر تماشياً مع طبيعة الحياة التي يعيشها الطفل في هذا المجتمع أو ذاك ، والتي تتحدد من خلالها وعلى ضوئها محددات وسمات هويته الثقافية وخصوصيات هذه الهوية في القيم والمعايير والمكتسبات والأخلاقيات والمبادئ وغير ذلك مما تفصح عنه ثقافة المجتمع عامة وثقافة أطفال هذا المجتمع على نحو خاص، وأدب الأطفال عادة هو انعكاس أكيد لثقافة هذا المجتمع، ولهذا مثلما للمجتمعات الأخرى أدب أطفال واضح، كذلك الحال لمجتمعنا العربي بكل أقطاره هو أيضا له أدبه الخاص؛ لكن أدب أطفالنا العربي يختلف عن غيره من ناحية القيم والأساليب الفنية في الكتابة وفي الخطاب وحتى في التلقي، فأدبنا العربي مرهون بمحددات من القيم والأفكار الأبنية والأساليب والأنماط التي بقيت لأمد بعيد في إطار المألوف الذي ينطلق منه في التربية والتوجيه والدلالة والغاية من وراء الأدب الطفلي وكتابته، والتي لا يمكن تجاوزها من معايير لا يصح الكتابة عنها مما هو غير مصرّح به ومسموح له في الكتابة للطفل العربي، من قيم وصور ودلالات ومفردات يدخل الكثير منها تجاوزاً لقيم المجتمع وثقافته وتعارضاً مع مفاهيم العرف الاجتماعي والديني والأخلاقي وغير ذلك من ثوابت في المجتمع العربي، غير أن هذه الثوابت والمحددات منتفية في أدب الطفل العالمي، إن لم نقل كلها فأغلبها، حيث تجد مساحة واسعة من الحرية في الكتابة للطفل هناك، وهذا ما لا نجده في كتابتنا للطفل، فما يجوز عندهم في أغلبه مما لا يجوز كتابته عندنا ، ففي أدب الطفل العالمي يكتبون عن كل شيء بطلاقة ولا موانع، عن السياسة، عن الجنس، عن العنف، وعن مختلف المحرمات الأخرى. ومع هذا نجد بعض التباين بين مجتمع ومجتمع آخر في الكتابة العالمية للطفل، حيث تتفاوت أحيانا نسب كتابة هذه الأمور وتجسيدها في أدب الأطفال، ومع ذلك فنحن دائما نحذر وننبّه إلى الأشياء (الملغومة) التي كتبت لطفل تلك المجتمع ونراها تتعارض مع محددات طفلنا العربي، غير أن هناك من تبهره صورة هذا الأدب ويسعى إلى تقليده ونسخه، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يسعى دائماً إلى إدانة أدب الطفل العربي ونعته بالقصور أو عدم التطور والرقي وهذا انطباع مغلوط ولا صحة له على أرض الواقع، فلدينا في أدبنا العربي الموجّه للطفل كثير من لمسات الابتكار والتطور والإبداع إلى جانب النتاج الذي نراه دون المستوى، وهذا أمر طبيعي، وأمر طبيعي أيضاً أن هناك في الأدب العالمي المكتوب للطفل كتابات ونتاجا غير مناسب وضعيف، وعلينا أن لا ننبهر به كل الإبهار وندين إبداعنا الذي وصل منه العديد منه إلى العالمية، ولو توسع مجال النشر والترجمة لأدب الطفل العربي لوصل إلى مساحات واسعة من العالمية.
ونكمل فى الحلقة القادمة إن شاء الله.