القاهرة 17 ديسمبر 2019 الساعة 10:43 ص
بدعوة كريمة من هشام البصال مدير بيت ثقافة رملة الأنجب بالمنوفية، أشارك اليوم الثلاثاء، فى ندوة بعنوان "مواجهة الإرهاب الفكري"؛ وهى الدعوة التي لبيتها على الفور نظراً لكونها من الهيئة العامة لقصور الثقافة أكبر قطاعات وزارة الثقافة المصرية من حيث عدد قصور وبيوت وأندية الثقافة التابعة لها فى كافة ربوع مصر، ولسبب آخر ألا هو أنها ندوة تدخل فى صلب معركة الدولة المصرية مع الإرهاب والتطرف الفكري وهو ما لم أتوان قط عن المشاركة من أجل تفنيد ما تواجه الدولة من أفكار ظلامية؛ خصوصا أن جمهور الندوة أيضاً من طلاب المدارس الثانوية بمحافظة المنوفية، وهو جيل يحتاج للمناقشة والحث على إعمال العقل فى مواجهة هذا النوع من الأفكار المشوهة والشائعات والتى تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهى مواقع تستهدف بالأساس فئة الشباب فى مصر.
بعد أن تلقيت الدعوة وقبلت بالمشاركة، وجدت نفسى أستدعي حديث الدكتورة إيناس عبد الدايم، عندما وقفت خلال اجتماع الجلسة العامة لمجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي الموافق 10 ديسمبر للرد على عدد من طلبات الإحاطة، وقالت آنذاك: "إن برنامج مكافحة التطرف الذى أطلقته وزارة الثقافة شمل 44 قرية بمحافظة المنيا بالتعاون مع وزارتي الشباب والأوقاف، والمجلس القومي للمرأة" وهو ما دفعني للتوقف وبخاصة أن محافظة المنيا تزخر بالعديد من الكتاب والأدباء البارعين اللذين يمتلكون حسا فنيا عذبا من خلال تأثرهم الثقافى بالمجتمع، وهو ما ساعد فى نضج الخطاب الأدبي لصفة عامة لهؤلاء الأدباء كان له بالغ الأثر فى إنتاج نصوص فنية على المستوى الثقافى والاجتماعي والفني؛ ليس هذا وحسب بل إن محافظة المنيا هي المحافظة التي ولد ونشأ فيها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسي، وتحديداً في قرية الكيلو القريبة من مغاغة بمحافظة المنيا في الصعيد الأوسط المصري، وهو الذى دعا إلى نهضة أدبية، فكيف أصبحت المنيا بلد عميد الأدب العربي محافظة حاضنة للأفكار المتطرفة للدرجة التي جعلت وزارة الثقافة تخصص قوافل ثقافية لـ "44" قرية فيها.
حقيقة أن السبب فى ذلك يعود لعقود مضت عندما سمحت بعض الأنظمة التي حكمت مصر للجماعات المتأسلمة أن تترعرع فى محافظات مصر شمالاً وشرقاً جنوباً وشمالاً، فى وقت كان فيه الإعلام المصري بعيد كل البعد عن مواجهة وتفكيك أفكار تلك الجماعات، الأمر الذى جعل سكان محافظة المنيا؛ وغيرها أكثر عرضه للأفكار المغلوطة والهدامة التي روجت لها الجماعات الدينية المتطرفة؛ فكان نتيجة ذلك أن يخصص لمحافظة المنيا وحدها 44 قافلة لمكافحة التطرف من قبل وزارة الثقافة؛ ليس وزارة الثقافة وحدها فقط، بل وعدد من الوزارات التي بدأت فى أعقاب ثورة 30 من يونيو تنتبه لخطورة ما بثته تلك الجماعات فى المحافظات المصرية الأمر الذى دفعهم لإطلاق عدد من القوافل التوعوية لمواجهة ما حدث فى السنوات الماضية.
إذا كيف يستطيع الإعلام المصري مواجهة الإرهاب الفكري؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نؤكد على أن دور الإعلام المصري (مقروء، مسموع، مرئي) فى نشر المعرفة العلمية والثقافية دور محدود وغير مؤثر، وهو ما يتطلب وضع أجندة واضحة ومركزة فيما يتعلق بمسألة نشر المعرفة العلمية والثقافية لأنها الوحيدة القادرة على ضح الأفكار المتطرفة التي تبثها الجماعات الدينية المتطرفة فى محافظات مصر، فقد آن الأوان لكى نخلع عباءة رجال الدين فقط عند مواجهة الأفكار الظلامية، ونرتدى نظارة المنطق حتى يتثنى لنا تشكيل وعى الناس وحثهم على إعمال العقل لتفنيد مثل هذه النوعية من الأفكار بأنفسهم.
بالنظر إلى نسبة البرامج سواء (التليفزيونية – الإذاعية) والصفحات والعلمية التي يطلقها الإعلام المصري بجميع وسائله نجد أنه نسبته ضئيلة للغاية، فى الوقت الذى زادت فيه نسبة القنوات التي تروج للشعوذة والخرافات وغياب العقل، وهو ما أدى الى انتشار أفكار هؤلاء المخرفين من المتحمسين لأفكار التيارات الظلامية على مسرح الإعلام المصري، وهو ما ندعو من خلال منبر مجلة "المحروسة" أن يتم إعادة النظر من قبل القائمين على صناعة المحتوى الإعلامي فى مصر (المرئي والمقروء والمسموع) فى ما يتعلق بالبرامج التليفزيونية والإذاعية والصفحات العلمية فى الصحف المصرية من أجل نشر المعرفة التي تتخطى نطاق الثقافة وحسب.
وختاماً، أؤكد على أننا لكي نصل إلى مجتمع المعرفة، يجب أن ينتقل إعلامنا المصري (من حدود مجتمع المعلومات إلى حدود مجتمع المعرفة)، بحسب ما ورد فى صدر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو في عام 2005، وهو التقرير الذى أكد على أن مجتمع المعرفة يُبنى على أربعة أُسس رئيسية تشمل: حرية التعبير عن الرأي، والقدرة على الوصول للمعلومات، وتقبل واحترام التنوع اللغوي والثقافي، وكذلك حق الجميع في الحصول على التعليم الجيد. وذلك بهدف تحقيق حالةٍ من التمكين الاجتماعي المحلي الشامل من خلال زيادة القدرة على الوصول إلى المعارف، ومن أجل التمهيد لتحقيق السلام، ولتحقيق التنمية المستدامة، خصوصا التنمية الاقتصادية، وفتح بابٍ للحوار بين الثقافات المختلفة، وزيادة الإدراك والوعي.