القاهرة 17 ديسمبر 2019 الساعة 10:41 ص
كتب: عاطف محمد عيد المجيد
في مقدمته لكتابه "ما الفضاء الرقمي" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، يشير د. لؤي عبد المجيد إلى ظهور العديد من التكنولوجيات والمفاهيم التي ربما كانت يومًا ضربًا من الخيال، وقد صار شائعًا أن يكون هاتفك المحمول دائم الاتصال بشبكة مُشغّل الهاتف المحمول، ليس فقط لإجراء المكالمات، بل لاستخدام اتصالية البيانات. كما يضيف عبد المجيد أن معظم المباني والأماكن العامة صار بها اتصال لاسلكي " واي فاي"، ومع مرور الزمن يزداد كل يوم عدد الأجهزة المتصلة معًا في شبكة واحدة من الحاسبات والأجهزة اللوحية والهواتف وأجهزة التليفزيون إلى الساعات والنظارات وغيرها. الكاتب يقول كذلك إن الهاتف الذكي بتغلغل في حياتنا بصورة مذهلة، ويتزايد الترويج لما يُعرف باسم "إنترنت الأشياء"، وربما تشهد قريبًا، عزيزي القارئ، منزلك وسيارتك وثلاجتك وأدوات المائدة، وحتى أنت ذاتك على اتصال دائم بشبكة حاسبات.
كل هذه الأشياء، يقول المؤلف، أدت إلى ظهور عالم جديد افتراضي يحيط بنا ويغلفنا، نطلق عليه اسم "الفضاء الرقمي" ويتسبب في تحولات سريعة في نواحي حياتنا كافة، ويحدث قوى غاشمة واسعة الانتشار، ودائمة التطور، تأتي إلينا من كل صوب وحدب وتتغلغل ببساطة في أمورنا الحياتية والمؤسسية عامة وتغيّرنا دونما أدنى إدراك منا. ومن هنا يدعونا المؤلف إلى الإلمام بتطورات ما يستجد من تكنولوجيات ومفاهيم.
هالة لا معقولية
بداية يطرح عبد المجيد سؤال ما الفضاء الرقمي، واصفًا إياه بأنه سؤال كبير ومحير، مجيبًا بقوله إن الفضاء الرقمي يعد أهم منتجات علوم وتكنولوجيا المعلومات، وهو منتج مؤثر وذو دلالة وعلامة مميزة للعصر الذي نعيشه الآن. مؤكدًا أنه لسنوات عديدة كان الفضاء الرقمي محاطًا بهالة من اللامعقولية، مستبعدًا ولا يمكن تصديقه، لكن الآن أصبح المفهوم شائعٍا وصار مألوفًا واعتياديًّا في البنية الرقمية ومهيمننًا على مجموعة واسعة من التخصصات العلمية، من علوم الحاسب والهندسة إلى الفلسفة.
عبد المجيد يذكر هنا أنه على الرغم من استخدام المصطلح على نطاق واسع، إلا أنه لا يوجد تعريف مقبول لماهية الفضاء الرقمي، مُحتملًا أنه قد يكون بسبب وجود افتراض ضمني مفاده أن الجميع يفهم ما الذي يعنيه المصطلح. لكن، ولأن الفضاء الرقمي موجود في كل مكان، وبسبب التوسع في استخدامه على نحو يهدد بأن يصبح هو كل شيء، صار المصطلح أكثر غموضًا، وينبغي ألا نتجاهل تعقيداته التي هي ببساطة سبب انتشاره في كل مكان. وبعد تأكيده على أنه لا يوجد حتى الآن توافق في الآراء على معنى مفهومي الفضاء والمكان، يقول إن فكرة الفضاء الرقمي ربما تتخطى وتغمر الفضاءات الحقيقية للعالم اليومي، مما يضفي ضبابية على فهمنا المشترك الموحد من خلال إعادة تشكيل إدراكنا للفضاءات والأماكن التقليدية، مضيفًا أن الفضاء الرقمي يمكن أن يعدل الفضاءات التي نسكنها ويخلق أماكن جديدة وأنماطًا جديدة من التواجد. هنا يقول المؤلف إن الفضاء الرقمي ربما يصبح أكثر أهمية من الفضاء المادي ذاته، ويغلغل في نسيج الفضاء الجغرافي التقليدي. هنا أيضًا يشير المؤلف إلى أن كلاً من الفضاء الرقمي والفضاء الإلكتروني والفضاء السيبراني، كلها مصطلحات مترادفة تشير إلى الشيء نفسه.
هنا يطرح عبد المجيد سؤالًا مهمًّا وهو: ما هي التكنولوجيا الرقمية؟ وما اختلافها عن التكنولوجيا التناظرية التي غالبًا ما تبدو محيرة؟ ويجيب بأن عالم الواقع الحقيقي الذي نعيشه هو عالم تناظري، فالألوان تتباين في تدرجات لا حصر لها، وكذلك الأصوات والنغمات تنساب إلى آذاننا، ويمكننا تمييز عدد لا نهائي من الروائح، والشيء المشترك بين كل هذه العناصر هو أن نطاق احتمالاتها لا نهائي، أما الأشياء الرقمية فإنها تتعامل في نطاق احتمالات محدد.
الرقمنة
هنا أيضًا يقول المؤلف إنه منذ خمسينيات القرن العشرين، مع قفزة متميزة في التسعينيات بسبب ظهور الويب، طرأت تغيرات جوهرية وجذرية على كيفية تواصلنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا، ومع بعضنا البعض. لقد تحورت طريقة معيشتنا وحدثت مستجدات غير مسبوقة في أسلوبنا لأداء الأعمال والتسوق والمعاملات البنكية والسفر والتعليم والترفيه وغير ذلك. عبد المجيد يؤكد أن كل ذلك لم يكن ممكنًا إلا بوجود تكنولوجيات التحويل الرقمي "الرقمنة". هذا التحول الرقمي، يقول الكاتب، أدى إلى حدوث انفجار معلوماتي، وبزغ عصر المعلومات الذي وسمت بدايته الثورة الرقمية.
وبعد ذكره أن الجميع يتحدثون في العصر الحالي عن الإنترنت، يُرجع جذور الإنترنت إلى أواخر الستينيات من القرن العشرين، حين اضطلعت وزارة الدفاع الأمريكية بمشروع أطلقت عليه اسم "أربانت" مؤكدًا أنه صار اليوم أمرًا يفوق الخيال مجرد أن نفكر في الحياة بدون أجهزة الحاسب، أو أن نعود ونرتد إلى عصر تكنولوجيا ما قبل الحاسب. هنا أيضًا يقول الكاتب إن الفضاء الرقمي مستمر في النمو على نحو متزايد بما يتيحه من أنشطة رقمية متعددة، جاذبًا إليه العديد من المستخدمين في جميع أنحاء العالم، رغم وجود العديد من التهديدات والمخاطر التي ربما تكون عدائية وضارة بسلامة وأمان الفضاء الرقمي.
وبعد أن يتحدث الكاتب عن العالم المتشابك والحياة في الفضاء الرقمي ومجتمعات الفضاء الرقمي والتواصل الشبكي وعن التجارة والإعلان والسياسة والتثقيف في الفضاء الرقمي، متسائلاً: هل الفضاء الرقمي آمن؟ يقول إننا نعيش اليوم مشهدًا متشابكًا على الأصعدة كافة، مشهدًا يكافح فيه الإنسان من أجل تنمية مهاراته وتحسين ظروفه المعيشية، من أجل إيجاد اتجاه في حياته، أو لمجرد البقاء على قيد الحياة. مضيفًا أننا نعيش عصر سيطرة الرأسمالية التكنولوجية بما يظهر من تكنولوجيات جديدة تسبب تحولات سريعة في كافة مجالات الحياة، وتلعب دورًا مركزيًّا مؤثرًا في حياة الفرد والمجتمع.