القاهرة 10 ديسمبر 2019 الساعة 11:17 ص
كثر الحديث الآونة الأخيرة عن تطوير منظومة الإعلام المصري، البعض رأى أن التطوير يبدأ من إصلاح المنظومة الاقتصادية لمؤسسات الإعلام (صحف، تليفزيون، إذاعة) والبعض الآخر تحدث عن مساحة حرية الرأي والتعبير، وبين هذا وذلك تورات سيرة الحديث عن مساءلة تدريب الكادر الصحفي الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز في أحد اللقاءات قال، إن الإعلام المصري يعمل به ما يقرب من 120 ألف شخص، ما يعادل نصف سكان قطر وعدد 6 جيوش عربية؛ وعلى الرغم أنه لا توجد إحصائية رسمية تثبت دقة هذا الرقم من عدمه، لكنه أقرب إلى الحقيقة فيكفى أن عدد الصحفيين المسجلين بجداول نقابة الصحفيين يقترب من ال20 ألف عضو، إضافة إلى عدد العاملين بالإعلام المرئي، والمواقع الإخبارية، والإذاعات الرسمية والخاصة، وأغلبهم من فئة الشباب الذي يبحث عن فرصة للحاق بزملائهم المعينين بالمؤسسات الإعلامية في مصر، إضافة إلى افتقاد الكثير منهم لاكتشاف مواهبهم الكامنة وتدريبهم كمشروع كادر مستقبلي يكون قادراً على صياغة إستراتيجية إعلامية واعية لتصبح حائط صد قويا لما تواجه الدولة المصرية من شائعات وأكاذيب ممنهجة تدار بميزانيات ضخمة للنيل من الدولة المصرية. مقالات كثيرة كتبت خلال الأسابيع القليلة الماضية عن تطوير منظومة الإعلام، إلا أن جميعها تناسى أن مركز التطوير يبدأ من تدريب موارده البشرية قبل البحث في منظومة الاقتصادية أو حتى قبل الحديث عن مساحات الرأي والتعبير؛ لأن تطوير الموارد البشرية أساس كل صناعة ونواة حقيقية لإصلاح حقيقي. البعض سيقول ما العائد من تدريب الكوادر البشرية في مؤسساتنا الإعلامية؟ قبل أن أجيب عن هذا السؤال دعونا نلفت النظر إلى أن إعلام مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تحكم العلاقة التبادلية بين وسائل الإعلام والجماهير التي تتعرض لتلك الوسائل لتحديد أولويات القضايا السياسية والاجتماعية التي تهم المجتمع، فكم من القضايا التي صنعتها وروجت لها منصات التواصل الاجتماعي وتلقفتها وسائل إعلامنا؛ وكان منها قضايا وموضوعات لا أساس لها من الصحة ولا تتعدي كونها مجرد شائعات تهدف لبث الفتن والكراهية داخل مجتمعنا، ستقول لي وما علاقة ذلك بتدريب الكوادر الشابة بمؤسساتنا الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، سأقول لك لو كان هؤلاء الشباب على قدر من التدريب والمهارة لاستطاعوا أن يدققوا ويتتبعوا هذا النوع من القضايا والموضوعات وتحروا مصادرها قبل أن يروجوا لها ويقعوا أسرى لما يتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف بناء علاقة متوازنة بين أجندة وسائل الإعلام وأجندة الرأي العام.
تشريعات نقابة الصحفيين تحتاج أيضاً للتطوير والتعديل حتى تلائم مستجدات ومتغيرات الصحافة؛ سواء فيما يخص القيد أو الانتخابات، وغيرها، وأن كانت تصريحات الكاتب الصحفي أمين عبد المجيد رئيس لجنة التشريعات بنقابة الصحفيين الأخيرة تبعث الأمل عندما أكد على أن مجلس النقابة سيشرع في اتخاذ خطوات عملية لتعديل قانون النقابة في الفترة المقبلة، وذلك بشرط تواجد الجمعية العمومية فيه من خلال جلسات وورش عمل، لوضع تصور يعالج ثغرات القانون الحالي، وهو ما سوف يسهم في تقنين أوضاع شباب الإعلاميين في كافة المؤسسات الصحفية وسيكون له بالغ الأثر في تطوير منظومة الإعلام المصري من خلال كفاءات شابة تحصل على حقها في التعيين وعضوية نقابتها وتحصل على مستحقاتها المهنية من تأمين ونظام للرعاية الصحية؛ وغيرها من الحقوق. لعل غياب التطوير يرجع إلى غياب أسطوات الصحافة ولكم أن تعودوا إلى زمن الكبار من شيوخ الإعلام ممن أسهموا في بناء منظومة صحفية وإعلامية أركانها ثابتة ويمثل كل منهم مدرسة صحفية بذاتها من أمثال كامل الشناوي الذي اكتشفه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ومأمون الشناوي، وفتحي غانم، وأحمد بهاء الدين، ومصطفى وعلى أمين، ولويس جريس وصلاح حافظ، والإعلامي طارق حبيب؛ وغيرهم من نجوم العمل الإعلامي وهم من أشد المخلصين بتطوير الكوادر الصحفية والإعلامية الشابة وتأهيلهم؛ لأن اكتشافهم هم أيضاً كان من قبل كبار المهنة، وهو على عكس ما يوجد الآن في المؤسسات الصحفية حيث غياب نموذج "المدرسة الصحفية"!... أترككم مع شهادة الفنان الراحل سعيد عبد الغني، الذي عمل في بداية حياة صحفيا مع الأستاذ الكبير كامل الشناوي، وهى شهادة نشرت بمجلة نصف الدنيا عام 2004 خلال ملحقها بعنوان"الكاتب" قال فيها: "تركت مكتب المحاماة ومكثت في بيتي شهورا بلا عمل، ثم تعرفت على الصحفي الموهوب كامل الشناوي الذي كان يمت لوالدي بصلة قرابة فهو يقول لوالدي يا خالي" وتابع: "كان الأستاذ كامل يجالس الشباب دوما في فندق شيراتون أو سميراميس فأصبحت من المترددين على مجلسه أيام كان يتولى رئاسة تحرير الجمهورية، تعرفت عليه دون أن أخبره أني ابن خاله ولما رغبت العمل في الصحابة قال لي والدي سوف أصحبك إلى ابن عمتك كامل الشناوي وبالفعل اصطحبني قاصدين جريدة الجمهورية.. وأضاف "عبد الغني": "وما أن علم الشناوي بحضور والدي إلى مكتبه حتى خرج لاستقباله واصطحبنا إلى داخل المكتب دون أن ينظر إليّ لأني كنت في شدة الخجل حيث إني أكره الواسطة مهما كانت، بعد السلامات قال له والدي ابني يريد العمل في الصحافة وأشار إلىّ، فقال الأستاذ أنت يا سعيد، فقلت له أيوه أنا" واستطرد: "قال الأستاذ سيبهولي يا خالي، وعاتبني الأستاذ قائلا: لماذا لم تقل لي يا سعيد انك ابن خالي؟ قلت له: لو كنت صارحتك أكون بذلك وضعت حواجز بيني وبينك وكان من الصعب أن نصبح أصحاب وحبايب مثلما نحن الآن.. قال الأستاذ: ستعمل معي في قسم الحوادث بالجمهورية، وكنت وقتها 32 عاما.. وبعد أربعة أشهر في الجمهورية فوجئت بالشناوي يقول لى أنت من مدرسة الأهرام يا سعيد، وأرسلني بخطاب إلى الصحفي على حمدي الجمال ــ وكان مدير ا لتحرير الأهرام ـــ في ظل رئاسة الأستاذ محمد حسنين هيكل".