القاهرة 03 ديسمبر 2019 الساعة 10:22 ص
كتب: أحمـد مصطفى الغــر
أسبوع ساخن على السوشيال ميديا من خلال أزمتين منفصلتين، يجمعهما قاسم مشترك واحد، وهو أن أحد الطرفين في الأزمتين، من الرموز والقامات الشهيرة في مجاله، وقد فارق كلُ منهما الحياة منذ عدة أعوام، وهما: الإمام الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، والروائي العالمي "نجيب محفوظ"، وسرعان ما انتشرت حالة من الجدل على مواقع السوشيال ميديا، وانتقلت منها إلى وسائل الإعلام والصحف، كثيرون اعتبروا ما حدث من تطاول على الرموز الشهيرة هو من باب البحث عن الشهرة عبر افتعال الأزمات، فيما خفف البعض من وطأة الأمر معتبرين أنه يندرج تحت باب حرية الرأي والتعبير، في حين رأى آخرون أن الجهل بقيمة الرموز وأعمالهم ونتاجهم هو السبب وراء ما حدث.
التطاول على الشعراوي
بدأت الأزمة حينما طلبت الإعلامية "أسما شريف منير"، ابنة الفنان المصري "شريف منير" من متابعيها على موقع فيسبوك، ترشيح عدد من أسماء الشيوخ الذين يثقوا بفتواهم وأرائهم في أمور الدنيا والدين، لفقدان أغلب الدعاة التي تعرفهم لثقتها، على حد وصفها، مرجعة السبب وراء ذلك لكونهم أصحاب خلفية متشددة، فضلًا عن كون ما يقدمونه من فتوى ومعلومات تكون في معظمها مغلوطة. وقد اقترح عدد من متابعيها اسم الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، باعتباره إمام الدعاة ورمز الاعتدال، غير أن "أسما" رفضت الفكرة لاعتبارها فتاوي الشعراوي تحمل الكثير من الآراء المتطرفة على حد تعبيرها.
غضب السوشيال ميديا
وصف إمام الدعاة بـ "المتطرف"، لم يمر مرور الكرام، فقد أغضب هذا الوصف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين لم يرتضوا الإساءة للشيخ الراحل، وهو الأمر الذي جعلهم، يطلقون على "أسما شريف منير" سيلًا من الهجوم والانتقادات، ولم تستطع الصمود أمامه سوى بالاعتذار عن ما بدر منها. حيث قالت إنها لم تستطع أن تحسن التعبير واختيار الكلمات الصحيحة، بل وخرج والدها أيضا واعتذر عن خطأ ابنته، لكن واصل الغاضبون هجومهم عليهما، لتقرر "أسما" بعدها بدقائق غلق حسابها على موقع فيسبوك، بعدما أصبحت أزمتها هي الموضوع الأكثر رواجًا في مصر خلال الساعات الأخيرة، وقد تشكلت حملة الدفاع عن الإمام الراحل واسعة، سواء عبر المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى في وسائل الإعلام والصحف التي أعادت التذكير بعلم الشيخ ومأثر ما تركه.
من هو الشعراوي؟
سواء على المستوى الجماهيري أو على مستوى النخب الدينية والثقافية، فهناك إجماع على أن الشعراوى من أعظم من تناولوا القرآن الكريم فى العصر الحديث بذكر الخواطر حول آياته. والخواطر هى هبات صفائية تخطر على قلب مؤمن فى آية أو بضع آيات. كانت طريقته هى طريقة السهل الممتنع والمزج بين العمق والبساطة، مستخدمًا لغة ومفردات تجمع ما بين عبقرية اللغة وفتوحات الإلهام والحب المخلص للرسالة المحمدية الخالدة وتقديم المتعة الروحية، فكانت الجماهير تتهافت حول أجهزة التلفزيون لسماع خواطره الإيمانية وأفكاره الوسطية المعبرة، وهو ما شكل عمقا كبيرا لحضوره فى الوجدان المصرى والعربي. لقد تحولت سيرة الشيخ الشعراوي إلى جزء أصيل من النسيج الثقافي المصري والعربي، ولا تزال دروسه في معاني القرآن تعاد وتستعاد في كثير من الفضائيات العربية، بل وتحظى بأعلى نسب المشاهدات، بينما يؤكد من عرفوه عن قرب مثل الشاعر القدير "فاروق جويدة" أن "جلسات الشيخ الشعراوي كانت تشع بالفكر والشعر والإبداع".
أديب نوبل.. لا يناسب العصر!
زوبعة أخرى شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي؛ كان بطلها هذه المرة هو الروائي المصري الشاب "أحمد مراد" الذي تعرض لموجة من من الانتقادات، بسبب ما نُسِبَ إليه من وصفه لروايات الأديب المصري، والعربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل للآداب "نجيب محفوظ"، بأنها "لا تناسب العصر". تصريحات مراد جاءت أثناء مشاركته في فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث قال إن "روايات للكاتب العالمى نجيب محفوظ بها إيقاع بطيء، وهذا لا يتناسب مع الإيقاع الحديث الآن"، مؤكدًا أن المؤلف عليه مراعاة التطور العصري أثناء كتابته للرواية.
لكن هذه التصريحات أثارت غضب مُعجبي ومحبي أدب "نجيب محفوظ"، فوجهوا انتقادات وتعليقات لاذعة ضد مراد، معتبرين أن ما قاله مراد يعد جهلًا وليس رأيًا، كما قام مثقفون وشخصيات عامة باستنكار كلام "مراد" غير الموفق، من وجهة نظرهم، وفيه تطاول على أدب عميق قدّمه الروائي الكبير الراحل "نجيب محفوظ"، ولا تزال كتاباته تحظى بنسب قراءة عالية، إلى جانب ما سبق من ترجمة واقتباس في السينما والدراما.
إعتذار وتوضيح
مع تزايد وتيرة الانتقادات والهجوم عليه، خرج "أحمد مراد" في تصريحات جديدة قال فيها إن ما نُشر غير صحيح، وتم اجتزائه، مُضيفًا أن الصحف تسعى لوضع عناوين ساخنة لجذب القراء. وقال مراد: "لو كنت تعرضت للأستاذ نجيب محفوظ بأي شكل، لكان جمهور الندوة أو الفنانون الحاضرون قد تصدوا لي، وهو ما لم يحدث، لكن بالعكس، انتهت الندوة بهدوء وبنجاح"، وتابع: "قد تكون هذه مناسبة لأردد فيها، في وجود المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وجوب عدم تصديق أي وسيلة إعلامية لا همّ لها سوى إثارة الجدل للحصول على متابعات عالية لتتكسب من الترويج". كما أوضح، في مداخلة مع إحدى الفضائيات، أنه خلال فعاليات معرض الشارقة ضرب مثالًا برواية "السراب" لمحفوظ، وأنه قال وقتها "إذا تم نقلها إلى السنيما فإن جيل عام 2020 لن يتقبل أحداثها الدائرة في الأربعينيات"، وأنه يجب معالجتها لتواكب التطور العصري.
حرية النقد والتعبير
في ظل الهجوم الذي تعرض له مراد، كانت هناك موجة أخرى مؤيدة، أو على الأقل كانت على الحياد، وترى فيما حدث حرية رأي وتعبير، بل طالب بعضهم مراد بأن يثبت على وجهة نظره وموقفه، فهذا رأيه ويتحمله. من أبرز هؤلاء؛ كان وزير الثقافة السابق "جابر عصفور" الذي قال: "لا أعرف أحمد مراد بشكل شخصي، ولكني أعرف نجيب محفوظ جيدًا وكان صديقي، ومع ذلك من حق مراد أن ينتقد محفوظ كما يشاء، وليس من حق المثقفين أن يحجروا على آرائه، كما أن من حق أي شخص أن ينتقد أعمال أحمد مراد أو أي مبدع آخر". وتابع عصفور: "علينا أن نتمسك بحرية الرأي والتعبير بوصفها القيمة الكبرى، التي يجب أن ندافع عنها، فلا يمكن للإبداع أن يحيا بدونها، أما أن يصادر البعض حرية الرأي بحجة الدفاع عن الرموز الأدبية، فهذا الأمر مرفوض وغير صحي".
إهانة من أجل الشهرة
ومن المثير للتأمل أنه رغم اختلاف المسارات فى رحلة الحياة بين اثنين من الرموز المصرية، وهما الشيخ "محمد متولى الشعراوى" والروائي "نجيب محفوظ"، إلا أنهما اتفقا فى خفة الظل وسرعة البديهة وحب الفكاهة البريئة والمسامرات الأدبية حتى إن الذاكرة الثقافية المصرية لن تنسى أن نجيب محفوظ تفوق فى منازلات مع أساطين القافية فى مقاهى القاهرة.
كما تفوق الشيخ الشعراوى فى منازلات أدبية ذات طابع فكاهى مع مشاهير الظرفاء فى الأدب المصرى مثل الشاعر عبد الحميد الديب. ومن الغريب أنه بعد رحيلهما.. بات الأحفاد يسخرون منهما ومن إرثهم الذي تركاه، وأصبح كل باحث عن الشهرة ما عليه سوى أن يخرج وينتقص منهما، متسلحًا بحرية التعبير أو بجهل المعرفة، أو بهما معا.