القاهرة 03 ديسمبر 2019 الساعة 10:08 ص
هل تعبر حقاً صحافة الجريمة فى أي مجتمع عن مجموع ما يعانيه هذا المجتمع من مشكلات وأزمات؟ تساؤل يجعلنا ندقق فى ما ينشر فى صحفنا من أخبار تتعلق بالجرائم؛ وبخاصة أن بعض الدراسات أشارت إلى أن مجموع ما ينشر من أخبار الجرائم قد يتفوق على مجمل الأخبار المنشورة فى الصحف المصرية؛ لكن هذا لا يمنع أن صحافة الجريمة فى مصر لا تعبر بالضرورة عن ما يعانى مجتمعنا من أمراض مجتمعية.
قبل أن نقدم لنماذج من أخبار الجريمة التى تقدمها صحف مثل "الأهرام، المصرى اليوم، الوفد"، لا يصح أن نتجاهل أحد أهم الكتب المهمة التى تناولت هذا النوع من الصحافة، وهو كتاب "المرأة والرجل في صحافة الجريمة" للدكتور هشام عطية عميد كلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، والصادر عن دار العربي للنشر فى طبعته الأولي 2013، وهو كتاب يسعى مؤلفه لفهم بناء وتقديم الإعلام لصورة كل من المرأة والرجل فى الوقائع التى يتم تغطيتها ونشرها فى صحف الحوادث والجريمة، بهدف تقصي ورصد مختلف السمات والأدوار التى يتم تضمينها لهما داخل التغطية الصحفية لشئون الجريمة المقدمة للقراء، وكان من بين المؤشرات التى أستخلصها الباحث من دراسته الاستطلاعية وجود توجه غالب فى مجال تغطية شئون الحوادث والجريمة يتم عبره انتقاء بعض الحوادث وإبرازها عن غيرها ضمن آلية تحريرية محددة تعلى من توظيف المثير والحسى، وتركز على تفاصيل ترتبط بشخصيات قصص الجريمة وفاعليها المركزيين سواء الرجل أو المرأة أو كليهما معاً؛ حيث سعت هذه الدراسة إلى مد المجال البحثي لتناول المراة والرجل فى خطاب الجريمة المقدم فى صحيفة متخصصة وهى "أخبار الأدب".
بالنظر الى خطاب أقسام وصفحات الحوادث فى صحف "الأهرام، المصرى اليوم"؛ وهى صحف تتبنى وجهات نظر الدولة، ورجال الأعمال، والأحزاب؛ كعينة، نجد أن الأولى تهتم فى المقام الأول بنشر أخبار جماعة الإخوان الإرهابية بشكل مكثف من حيث تسليط الضوء على محاكمات رموزها، ويأتى بعد ذلك اهتمامها بنوعية الحوادث التى تتعلق بأفراد داخل المجتمع المصري، كما تسلط الضوء بشكل كبير على أخبار الحوادث التى تقع فى المركزيات كمحافظتى القاهرة والإسكندرية؛ فى الوقت الذى تتراجع فيه أخبار الحوادث والجريمة فى المحافظات، وهو على عكس خطاب كل من صحيفتى "المصرى اليوم، والوفد" التى يتركز خطابهما جغرافياً على أخبار الجريمة فى المحافظات المصرية بشكل كبير.
مؤشر آخر من مؤشرات تحليل هذا النوع من الأخبار، أن الصحف الثلاث أجتمعت على تقديم الحوادث دون ربطها بسياقها المجتمعى والاقتصادى والثقافى والسياسى، الأمر الذى يجعلك كقارئ لهذا النوع من الأخبار لا تكتمل لديك رؤية الدوافع التى كانت وراء الإقبال عليها من قبل الفاعلين فيها سواء كان رجلا أو امراة، وبالتالي سنظل نقرأ هذا النوع من الأخبار لفترات طويلة ومستمرة طالما لا تطرح أسباب ودوافع القائمين عليها وربطها بسياقاتها كما أشرنا، حتى يتسنى لخبراء علم الاجتماع والنفس ومراكز البحوث الاجتماعية تحليل ما طرأ من تطور للجريمة، والتوصل لنتائج لتفادى تكرارها مرة أخرى وحماية المجتمع من تأثيراتها السلبية على حركة الاقتصاد والسياسة والمجتمع ككل.
يثتثنى من ذلك، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، والذى يعد من أهم المراكز البحثية التى تتابع عن كثب الجريمة؛ وبخاصة الجريمة الإرهابية التى تعد واحدة من الأخطار المحدقة التى تفرض على المختصين أن يعاودوا النظر فى أدوات عملهم ومنهجيتهم، متسلحين بالوعى اليقظ والضمير الحى، فى الوقت الذى نعيش فيه اليوم لحظة فارقة فى تاريخ الإنسانية، وهى لحظة مليئة بالاضطرابات والأزمات التى يصعب على البشر أن يرفعوا أذاها إلا بتضامنهم، وإيمانهم العميق بقدرة العلم الاجتماعى على أن يقدم الحلول الناجزة.
من مظاهر اهتمام المركز القومى للبحوث هذه المائدة المستديرة التى نظمها المركز خلال الأسابيع القليلة حول "الجريمة الإرهابية والمقتضيات الوطنية"، امتدادًا للجهود العلمية للمركز فى مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، التى بدأت منذ منتصف السبعينيات، بهدف التطلع فى هذه المرحلة الراهنة إلى بحث الظاهرة برؤى جديدة فى ظل المتغيرات التى طرأت عليها، أملًا فى التأسيس لبناء منظومة شاملة لمجابهة الجريمة الإرهابية، فى ضوء التوصيات والمخرجات التى طرحتها الأوراق العلمية المقدمة.
جرائم الإرهاب ليست هى الوحيدة التي يبحث فى شأنها المركز الاجتماعي، بل يمتد اهتمامه لمجال مكافحة المخدرات؛ وبخاصة أن هناك علاقة وارتباطا وثيقا جدا بين المخدرات والجرائم، خصوصا الجرائم التى تحدث داخل الأسرة الواحدة، كما تشير الإحصاءات الرسمية أن 87% من الجرائم غير المبررة يأتى تعاطى المواد المخدرة كمحرك رئيسى لها، وهو ما برز بشكل كبير عندما افتتحت الأستاذة الدكتورة سعاد عبد الرحيم، مدير المركز البرنامج التدريى العربى لمكافحة المخدرات دورته الـ (68) والذى عقد خلال الفترة من 1/9/2019 إلى 28/11/2019، وهدف البرنامج التدريبى إلى: تدعيم خلفية الدارسين بالمعلومات والتطورات العلمية الحديثة فى مجال كشف ومكافحة المخدرات وعلاج المدمنين، الإحاطة بكل جديد فى مجال الأساليب القضائية الحديثة فى مراحل الاستدلال والتحقيق والمحاكمة من أجل التوصل إلى الحقائق، تزويد السادة أعضاء البرنامج بالمعلومات والموضوعات التى تدعم خلفيتهم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى مجال مكافحة المخدرات.