القاهرة 19 نوفمبر 2019 الساعة 09:40 ص
كتب: د. محمد السيد إسماعيل
تطرح كتابات سيف المروانى، أكثر من قضية ينبغى مناقشتها مبدئيا القضية الأولى هى مفهوم النوع الأدبى التى كانت مثار اهتمام النقاد على مدار تاريخ النقد الأدبى الذى انشغل بالتمييز بين الشعر والنثر، وكان الإجماع منعقدا حول ضرورة توفر الوزن والقافية والمجاز داخل القصيدة كحد فاصل بينها وبين المقطوعة النثرية وظلت هذه الشروط مرعية حتى مطالع الشعر الرومانسى الذى أحدث بعض التغييرات فى وحدة القافية وفى الوزن أحيانا؛ بل إن هناك تيارا كاملا لم يلتزم بالقافية وهو الشعر المرسل الذى كتبه عبد الرحمن شكرى وغيره ومع الوقت اهتزت فكرة النوع الأدبى وأصبح هناك ما يعرف بتداخل الأنواع فاستفاد الشعر من تقنيات السرد والمسرح والسينما وتبادلت الأنواع التأثير والتأثر.
وما يكتبه سيف المروانى يجمع بين جماليات النثر والشعر. والحقيقة أن هناك تراثا لهذا النثر الفنى فى كتابات النفرى وكتابات شوقى النثرية وكتابات المنفلوطى والرافعى وجبران وكان من المفترض أن يستفيد كاتبنا من هذا التراث؛ لكنه اختار أسلوبا بسيطا مباشرا حين نقرأ مثلا تحت عنوان "منارات عشق يرقص فيها الحنين" قوله "يا حبيبتى أين أنت لم غابت شمسك واختفى بريق نورك وشعاع لطفك ودفء نبضاتك؟" هناك مشاعر صادقة حقا ولغة عذبة لكنها متداولة تفتقد الابتكار وتدفق المشاعر يوقفنا أمام القضية التالية وهى: هل الأدب تعبير عن المشاعر؟ أم هروب منها؟ بصيغة أخرى: هل ينبغى أن تكون قوة المشاعر هى الأساس؟ أم تأملها وخلق معادلات موضوعية لها؟
هناك رؤيتان فى هذا السياق الأولى تعرف بنظرية التعبير الرومانسية، حيث يصبح الأدب محاكاة لما فى النفس. والنظرية الثانية هى ما يعرف بنظرية الخلق التى تحدث عنها "ت إس اليوت" حين قال إن الأدب خلق جديد متمايز عما فى داخل النفس وعما فى الواقع من خلال ما أطلق عليه المعادل الموضوعى وهو مجموعة الرموز التى يستخدمها الكاتب فى عمله ويخلع عليها مشاعره. وكاتبنا سيف المروانى، يسير على نهج النظرية الأولى أعنى نظرية التعبير؛ لكنه يمزج – غالبا – بين المشاعر وعناصر الطبيعة - وهى سمة رومانسية أيضا- وذلك للابتعاد عن المباشرة الواضحة حين يقول مثلا فى نص "أنت أبجدية تحيل صمتى لتدفق": " مذهل إحساسك الدافىء – وهديلك المترع بالبهاء – والذى يغمرنى بالأنس – ويشعل قناديل الدهشة فى فى كل مدى – فتتدفق شلالات الحنين لك" وأظن أن سيف المروانى وهو موهوب حقا فى حاجة إلى أن يتأمل ما قاله إليوت حول فكرة المعادل الموضوعى وأن يبتعد عن تكرار المعانى والأساليب، فالحقيقة أننا أمام مجموعة من المعانى كثيرة الدوران على مدار الكتاب وقد ترتب على ذلك ثبات الأسلوب وتماثل الخيال والصور الأدبية على أن هناك بعض النصوص التى استوقفتنى حقا رغم ماعليها من ملاحظات ومنها نص "معك تمطر الثوانى زهورا" الذى يقول فيه: "أنا هنا – وأنت هناك – مهما تباعدت المسارات – فالمشاعر فى التقاء دائم – وامتزاج لا مثيل له – يحمى من امتداد التعب – فالأشواك ترفرف تبحث عن إيقاعك الدافىء – وموج حبك الآسر – وتدفقك المميز".
فالكاتب يبدأ بمعنى جيد وهو أنه رغم المسافات المادية الفاصلة فإن مشاعره ومشاعر حبيبته فى التقاء دائم، فالعبرة هنا بمشاعر الذات وليس بالعالم الموضوعى.. هذا معنى جيد لكن بعض السطور تجنح إلى النثرية العادية حين يقول "امتزاج لا مثيل له" أو حين يجعل هذا الامتزاج "يحمى من امتداد التعب" أو يصف التدفق بأنه "مميز" لكن بقية السطور تحمل شاعرية لا تخطئها العين، وكل ما أدعو الكاتب إليه هو أن يبتعد – بقدر المستطاع – عن الصفات التقليدية أو غير الشاعرية وأن يحافظ على مستوى قوله البديع "تبقين أنت وردة مختلفة – تظللنى بالبهاء – وتحيطنى بالأنس – وتغمرنى فى رمال الحنين – لتنهمر كل الشلالات – وتمطر الثوانى زهورا" هذه صور بديعة بالفعل وبها خيال جديد مبتكر وتقدم صورة مشهدية كلية تدل على امتلاك الكاتب لأدواته التى أرجو أن تزداد مع الوقت نضجا وإبداعا.