القاهرة 12 نوفمبر 2019 الساعة 11:06 ص
ظلت المؤسسات الصحفية فى مصر والوطن العربي لسنوات طويلة ومازالت تعتمد على وكالات الأنباء الدولية كونها مصدرا مهما ورئيسيا للأخبار ضمن مسار العملية الإعلامية؛ إذ تهيمن هذه الوكالات على نشر ما يقارب 80% من أنباء العالم، كما يذهب بعض الكتاب إلى أن هذه الوكالات هي السبب الأساسي في الاختلال القائم في تدفق المعلومات على النطاق الدولي وأن تراجع ذلك بالمقارنة بالسنوات السابقة؛ خاصة وكالات الأنباء الكبيرة منها ذات الصفة العالمية، وهو ما جعل العملية غير المتوازنة في بث الأخبار بين الوكالات العالمية الكبرى في البلدان المتقدمة والوكالات الأخرى في البلدان النامية وكيفية إعادة التوازن والتداول الحر للأخبار ضمن نظام إعلامي دولي جديد.. ومع ذلك أرى أن إطلاق مواقع التواصل الاجتماعي قد أحدث تحولاً فى مسألة هيمنة الأخبار وتدفقها من الشمال إلى الجنوب وتحديداً فى مصر والوطن العربى خاصة بعد ارتفاع استخدامات الجمهور لتلك المواقع.
الأسبوع الماضى قرأت خبراً عن إعتزام "فيسبوك" إطلاق قسم للأخبار هذا الخريف سيقوم بنشر عناوين من صحيفة وول ستريت جورنال ومؤسسات إعلامية أخرى تابعة لنيوز كورب، ليس ذلك وحسب؛ بل إن المنظمات الإخبارية ستدفع لـ"فيس بوك" رسوم ترخيص لتزويدها بعناوين الأخبار، وقد تتراوح رسوم الترخيص هذه بين المئات من الآلاف سنويًا والملايين من الدولارات للمنافذ الإخبارية الكبرى خاصة "الموثوق بها"؛ بحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، إضافة الى إطلاق غرفة أخبار خاصة بفيس بوك تتمثل مهمتها فى إنتاج الأخبار جغرافياً لكل دول العالم.
الخبر يحمل الكثير من الإشارات حول مسألة الهيمنة الإعلامية وإن تغيرت آليات تنفيذه - من دول الشمال إلى دول الجنوب – حيث تهيمن منصات التواصل الاجتماعى التى تسيطر عليها شركات عالمية عابرة للقارات فى الشمال على التدفق الإخبارى بدلاً من وكالات الأنباء فى الوقت الذى تراجع اعتماد الجمهور فى مصر والوطن العربى على وسائل الإعلام التقليدية كمصادر للأخبار واستبدالها بتلك الواقع، وهو فى حد ذاته أمر خطير للغاية، خاصة فى ظل الانتقادات الموجة لمواقع التواصل الاجتماعى وتحديداً "فيسبوك" بكونها تتبع نهجا متساهلا مع التقارير الإخبارية المزيفة وحملات التضليل المدعومة من الدول!! وهو ما دفع الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج، بالرد على الانتقادات بأن شبكة التواصل الاجتماعي ستعطي الأولوية للأخبار"الجديرة بالثقة" من خلال تحديد المنافذ الإعلامية رفيعة المستوى، وذلك عندما قال: "من المهم بالنسبة لي أن نساعد الناس في الحصول على أخبار جديرة بالثقة وإيجاد حلول تساعد الصحافيين في جميع أنحاء العالم على القيام بعملهم المهم".
رد شركة "فيس بوك" جاء بعد أن تدهورت علاقة "فيس بوك" بالناشرين، وعندما استشعر القائمون عليها بأن تراجع أهمية الأخبار على المنصة ليس في صالحها، ويدفع قراء الأخبار إلى منصات منافسة لاستكشاف الأخبار والتفاعل مع المحتوى الإخباري، كما أعلنت "فيس بوك"خلال الساعات القليلة الماضية عن إطلاق برنامج لتدقيق الحقائق باللغة العربية بالتعاون مع وكالة فرانس برس – (AFP)" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمساعدة على تدقيق الحقائق التي ستجريها وكالة "فرانس برس" على "فيسبوك" ومساعدة المنصة على مكافحة الأخبار الكاذبة، وهو برنامج من المقرر إطلاقه هذا العام بهدف خفض مستوى نشر المعلومات المضللة وتعزيز جودة الأخبار التي تصل إلى الجمهور عبر منصة فيسبوك.
منذ تأسيس موقع "فيس بوك فى 4 فبراير 2004 مروراً بشهر مارس 2006 الذى شهد أيضاً إطلاق موقع تويتر" وحتى عام 2011 ومعدل استخدام مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر والعالم العربي محدود للغاية؛ حتي ارتفع استخدام الأول في المنطقة العربية بمعدل أسرع في الشهور الثلاثة الأولى من عام 2011 مقارنة بعام 2010؛ حيث بلغت نسبة الزيادة % 29 في الشهور الثلاثة الأولى من عام 2011 مقابل % 18 خلال نفس الفترة في عام 2010، وهو الارتفاع الذى حدث فى البلدان التي انطلقت فيها الحركات الأهلية صعوداً سريعا خلال وبعد اندلاع تلك الحركات الشبابية التى نادت بالتغيير؛ وحتى يومنا هذا، وهو ما يفرض تساؤلاً حول مدى استعداد المؤسسات الصحفية فى مصر والوطن العربى لغرفة أخبار "فيس بوك" خلال الفترة المقبلة حتى لا نقع فى فخ الهيمنة الإعلامية الشمالية أو ظاهرة تدفق الأخبار باتجاه واحد، وهو ما أجاب عنه المؤتمر الدولي "مستقبل غرف الأخبار المدمجة بين المطبوع والإلكتروني والموبايل والبث التلفزيوني"، الذي نظمه البرنامج المصري لتطوير الإعلام، وعلى مدار 9 جلسات بالشراكة مع الشبكة العالمية لمسؤولي التحرير في المبنى اليوناني في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وبحضور خبراء في مجال الصحافة والإعلام من مصر والعالم وذلك عندما لخص متحدثو المؤتمر قدرة الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية المصرية على الالتحاق بقطار صالات التحرير المتطورة، قائلين "التجارب والأفكار الصحفية الصغيرة قادرة على النجاح إذا امتلكت خطة مهنية واضحة وتصوّرا تمويليا طويل المدى".
المؤتمر ناقش أيضاً قضايا عدة من ضمنها، كيفية تأسيس غرف أخبار مدمجة داخل الصحف، وإعادة ترتيب صالة التحرير في عالم البث، وغرف الأخبار في الصحف المصرية، ودمج غرف التحرير في الصحف المطبوعة.