القاهرة 05 نوفمبر 2019 الساعة 09:56 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
في مقدمته لكتابه "أطوار خلق الإنسان" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، يقول د.عبد الفتاح عبد المجيد الشريف إن هذا الكتاب يتحدث عن إحدى آيات الله في هذا الكون، ألا وهي آية خلق الإنسان وكيف تمت، ومراحل حدوثها، حتى يتيقن كل من يقرأه أن الله تعالى هو الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد، ولا إله غيره متفرد بالكمال والجمال. من كتابه هذا، يهدف المؤلف إلى أن يسهم في إثراء المكتبة العربية بمعلومات عن كيفية الخلق وسُنة الله في خلقه، وما أول شيء خلقه الله. كما يهدف إلى لفت انتباه الشباب إلى التفكر والتدبر في قدرة الله على الخلق، ومواجهة الكثير من الفتن التي ألمت بأوطاننا.
هنا يتحدث المؤلف عن مفهوم الكون والوجود، عن مفهوم الخلق، متناولاً الحديث عن التمهيد لخلق الإنسان، وكذلك يشرح كيف خلقه الله من الطين، وكيف يتم التناسل حتى يصل إلى الحديث عن أطوار خلق الإنسان في الرحم وبيان وحدة الخلق منتهيًا بالحديث عن دلائل وجود الله تعالى. المؤلف يهتم أيضًا هنا بإبراز الجوانب التي تُعتبر مؤشرات إعجاز إلهي في خلق الإنسان رغم كونها بسيطة في قدرة الله والتي تُعادل كلمة واحدة هي كلمة " كُنْ". وفي تعرّضه لأصل الوجود يقول إن الله قسم الوجود إلى عالميْن، أحدهما محسوس وهو عالم الشهادة، والآخر غيبي غير محسوس ويُعرف بعالم الغيب. ومتحدثًا عن عوالم الغيب والشهادة ومراتب الوجود يذكر أن أهل العلم اختلفوا في تحديد عددها، فمنهم من قال إنها أربعة تشمل اللاهوت والجبروت والملكوت والملك، وآخرون أضافوا إليها خامسًا وهو عالم الناسوت، وآخرون حددوا سبعة عوالم وهناك من زادوا على هذا، غير أن الغالبية اتفقوا على خمسة عوالم. وصاعدًا إلى الحديث عن الكون يقول المؤلف إن علماء فيزياء الكون يرون أن الكون هو الحجم النسبي لمساحة الفضاء الزمكاني الذي يتواجد فيه كل شيء.
الكون والفضاء الكوني
ذاكرًا أن الفرق بين الكون والفضاء الكوني يتمثل في أن التسمية الأولى تُطلق على الكون ككل سواء أكان مرئيًّا أم غير مرئي، بينما تُعبّر الثانية عن الوجود المادي: الأرض والكواكب والشمس والقمر... مؤكدًا أننا نحن البشر لا نعلم عن الكون سوى 4% فقط، أما الباقي فهو مجهول لا نعلم عنه أي شيء. المؤلف يذكر كذلك أن بعض الفلاسفة يرون أن الوجود هو بعض من الكون، وأن الوجود بالنسبة إلى الكون هو كالواقع بالنسبة إلى الوجود، وإن الكون بالنسبة للوجود هو كالمكان بالنسبة إلى الواقع، باعتبار أن الواقع هو ما يتحقق علميًّا. في كتابه هذا يتحدث المؤلف عن مفهوم الخلق، بادئًا بالمفهوم اللغوي لكلمة "خلْق" ذاكرًا أن لها ثلاثة معانٍ أولها بمعنى إيجاد الشيء من العدم أو ابتداع مخلوق جديد، والثاني بمعنى التهيئة والتقدير والتشكيل والتجميع والتركيب، أما الثالث فبمعنى الكذب والادعاء، مرورًا بذكر معنى اسم الخالق وقدرته وكيف بدأ الخلق. كما يتحدث عن نشأة الكون، عن خلق السماوات والأرض ومراحله، وعن تهيئة الأرض ليسكنها الإنسان، ويتحدث عن كون الإنسان مخلوقًا عجيبًا اصطفاه خالقه ليكون خليفته في الأرض وسيدًا لها ومعمرًا لأرجائها، ومسيطرًا عليها بما حباه الله من النعم التي تمكنه من ذلك. ولكي يحقق الإنسان مهمته بجدارة فقد منحه الله العقل والعلم والمعرفة مكرمًا إياه ومفضله عن بقية المخلوقات.
آدم وحواء
ثم يصل المؤلف إلى الحديث عن خلق حواء وعن مراحل خلق آدم ونفخ الروح فيه، متناولاً التفسير العلمي لخلق آدم من التراب. كذلك يُفرد المؤلف فصلاً للحديث عن التناسل والتكاثر في حياة الإنسان وعن نشأة وتطور الأعضاء التناسلية عند الرجل والمرأة وعنصر الإخصاب ومراحل تكوين البويضة في المبيض ومرحلة الحيض، ذاكرًا أن الإخصاب هو رحلة عجيبة تشبه الرحلات التي سمعنا عنها في التاريخ مثل رحلة ابن بطوطة ورحلات المستكشف فاسكو ديجاما ورحلتي الشتاء والصيف، غير أن الرحلة الأقرب التصاقًا وتشابهًا برحلة الإخصاب هي الرحلة التي سار فيها آدم من الهند إلى مكة قاطعًا آلاف الأميال ليلتقي بزوجته حواء. هذه الرحلة تنتهي بالتقاء المشيجيْن: النطفة والبويضة، فتتكون البويضة الملقحة المسماة علميًّا بالزيجوت، ثم تبدأ رحلة جديدة لتكوين الجنين.
من الكتاب نعرف أن ظهور أنواع الأحياء يتوالى عبر ملايين السنين، وظهور أنواع الأحياء الجديدة يعني إنتاج أشكال جديدة من المواد العضوية، ومن نتائج تحللها، مما يمهد بدوره لظهور أنواع جديدة تعيش وتتكاثر بسهولة. كما نعرف أن البقايا العضوية الناتجة عن تحلل الكائنات الميتة تطلق حرارة حامية؛ لأن بها غازات ومواد تستطيع تغيير لون الماء ورائحته وشفافيته ليصبح آسنًا أسود راكدًا، والآسن الأسود الكدر هذا يُسمى بالحمأ. كما نقرأ كذلك أن العلم الحديث أثبت أن الكائنات الحية تتوارث مكونات أجسامها بعد فسادها، فجسم كائن حي جديد يتكون من بقايا تحلل كائنات قديمة فسدت. أيضًا نقرأ أن كل كائن حي يتميز عن غيره من الأحياء وفقًا لما تتميز به شيفرته الجينية التي يتضمنها ال " DNA " في نواة خلاياه، إذ أن لكل كائن حي تصميم جيني خاص به لا يشابهه أحد على الإطلاق، ويتميز كل جين بأن له بناءً ماديًّا كيمياويًّا يتكرر باستمرار، وهو مجموعة أحماض أمينية تترتب وتتكامل مع بعضها.
إعجاز إلهي
أما الكروموسومات فتلعب دورًا كبيرًا ومهمًّا في الحفاظ على الصفات الوراثية للكائنات الحية، وضمان انتقالها من جيل إلى جيل للحفاظ على الأنواع. في كتابه هذا يخبرنا المؤلف أن هناك إعجازًا إلهيًّا في خلق الإنسان، إذ خلقه في احسن تقويم، ومنحه عقلاً يفكر به، وقلبًا يحس، وأذنًا تسمع، وعينًا ترى، وقدرات أخرى تمكنه من التواصل مع العالم الخارجي متأثرًا به ومؤثرًا فيه. وجسم الإنسان المتكون من دم ولحم وعظام ما هو إلا خليط من عناصر ومعادن كثيرة مأخوذة من تراب الأرض، انتقاها الخالق بنسب معينة لتكوين هذا البناء الرائع.
وختامًا، أعيد ما قاله المؤلف معترضًا على نظرية دارون إذ يتساءل: إذا كانت نظرية دارون تدّعي أن الإنسان جاء نتيجة تطور كائنات دقيقة عبر ملايين السنين، فلماذا لمْ يتطور هذا الإنسان حتى الآن إلى مخلوق أسمى مما هو عليه؟