القاهرة 05 نوفمبر 2019 الساعة 09:36 ص
كتب: محمد ناجى
العلاقة بين النص والعنوان هي علاقة احتمالية وتدخل في المراوغة، وهناك مساحة واسعة بين الناقد والنص والأخير يفرض على الناقد أدواته.
وبين يدينا نص تقاربت الأجناس الأدبية داخله وتنازل كل جنس فيه عن بعض خصائصه وتم عمل مصالحة داخل النص، وتم تحييد النوعية وسادت النصية داخل العمل، والاسم الخارجي رواية هو مقاومة خفيّة لظاهرة الذوبان هذه.
الرواية مكونة من 156صفحة من القطع المتوسط ومن صورة الغلاف تلاحظ المعنى الأسطوري جسم إنسان ورأس طائر، يذكرنا بالأسطورة الفرعونية القديمة (إيزيس أوزوريس)
حينما قتل حورس كما تقول الأسطورة عمّه إله الشر لأنّه قتل أباه أوزوريس فقامت أمه إيزيس بتجميع جسد زوجها
وبدأت الحرب.
ومن هذا الجو الأسطوري ندخل إلى "الديك الأخضر" ..
الرواية مكونة من 19 فصلا ومن مدخلها تظهر فيها شاعرية السرد.
"كانت الشمس تهدى للفجر القبلة الأولى"
"تضحك الغيمة حين تلامس قمة الجبل"،
"انصهر الانتظار تحت نيران الترقّب ص7 (فصل لوحة خضراء)
مازلت أبتلع حبّات الأرق في كوب القهوة المرّة (فصل خارج البلاد ص65)
إبراهيم عطية يتوخى رأى جوته في إيقاع العمل الروائي الناجح (نظرة في كتاب ونظرتان في الحياة المعاشة).
حين ننظر إلى أسلوب إبراهيم عطية في الكتابة في هذه الرواية نلاحظ الاّتى:
جُمل متوالية، أفعال متراصة لإنتاج المعنى، مِزق مأخوذة من واقع الحياة لتدخل في تكوين مجال جديد (كولاج)وهو أسلوب سينمائي ويسمى أسلوب "الرؤية من خلال عمل الراوي وتوجيه المنظور".
ففي" فصل الكمائن الحديثة"
(تفتح الباب فتجد تحت الشباك المواجه للباب، كرسين ومنضدة ومكتبا ملاصق للحائط بحيث إذا جلست على بعد 3أمتار وبعرض 4 أمتار تجد مكتبة تحتوى على 25 رفا غير الادراج الجانبية).
ويذكرك هذا برواية "وردية ليل" لإبراهيم أصلان.
"غادر العربة عند دار القضاء العالي عبر 26 يوليو ومشى في الجانب الآخر وكان الوقت ليلا واللمبات الملونة تحيط بالإعلان الملون المعلق على مدخل السينما".
يذهب إبراهيم عطية إلى أسلوب التوثيق في السرد متمثلا في الاّتي:
رؤية خارجية بصرية، ورؤية من باطن الشخصيات ففي فصل رحلة أقدام ص57 بمصطلحات (الانتشار، حلقة التعليم، مسئول الجولة، الدليل، المتكلّم، الذكر).
الفضاء المكاني عند إبراهيم عطية:
المسجد وما يحدث فيه وكيفية الوصول إلى الإمامة وهى دلالة على وضع ديني قائم وكذلك المعايير الغائبة لقياس التديّن.
في فصل (الخط العربي) ص119
"غرفة متواضعة، فيها صور لزعماء ج.م.ع، أحمد عرابي، جمال عبد الناصر، أنور السادات، ثم أنتريه أسود من الجلد المنتفخ".
جاء الراوي بأسماء الزعماء العسكر فقط كزعماء لمصر
*مسجد الصحابة روّاده كثيرون، أما مسجد الرؤى فروّاده قليلون.
فهل أصحاب الرؤى قليلو المريدين.
أريد أن أشرككم معي فالمتلقي أحيانا قد يكون شريكا في الإبداع. فهناك أسئلة حائرة.
ديك إبراهيم عطية أخضر ومصحفه أخضر، والخضرة هي رمز للحياة؟
لا يظهر الديك الأخضر إلا مع حالات شرب البانجو فصل(لوحة خضراء) ص9" هويت على الأرض بينما الدخان الأخضر يتصاعد من السيجارة مصحوبا بتهويمات تشكلت على هيئة طائر خرافي يشبه إلى حد ما الديك".
يظهر الديك الأخضر حينما يحصل الراوي على سيجارة من حودة الفكهانى (فصل رحلة أقدام) ص57.
ترى الديك الأخضر في المسجد- الميدان- في رحلة الصيد-على الfaceb00k- العلاقات المشبوهة مع النساء.
فهل هذا هو توجه الديك الأخضر وفق تصور الراوي؟
المرة الوحيدة التي ظهر فيها الديك بوعى كامل حينما تحدث في السياسة(فصل ترنيمة العائد) حينا تحدث عن رؤوس الشياطين "أما رؤوس شياطين الإنس فكثيرة لكن لها تأثير غريب في دنيا الناس، إذا ما كان صاحب هذا الرأس حاكما مستبدا أو رجل أعمال...." ص86.
وهناك سؤال للكاتب نفسه لماذا أسماء الشخوص مزدوجة(حسن سلاّم- حودة الفكهانى- فريدة الشربينى-إبراهيم عبد العزيز- مصطفي غريب) لكنه حينا ذكر زوجته كانت اسما مفردا (وجدان) هل لأن الوجدان واحد ثم الشيخ حسّان هل لأنه علم من العوالم العلوية؟
لقد جمع إبراهيم عطية في روايته هذه بين الرواية التقليدية ولا يعنى ذلك التقليل من شأنها ولكنها تشمل الاهتمام بالأحداث أكثر من الشخوص، الأحداث ترتبط في كثير من الأحايين بالمصادفة، كثيرا ما يتدخّل السارد ليشرح ويفسر ليعْلمنا أنّه عليم بكل شيء، القفزات كثيرة عبر الأزمنة والامكنة.
يحاول جاهدا إضاءة الجانب المظلم من الوعي الجمعي السائد.
ومن الرواية الحديثة أخذ حيثيّات الاهتمام بلغة الجسد، وتعرّض كثيرا لعلاقة الإنسان بالعالم
ظهر الموروث الثقافي والاجتماعي والبيئي داخل العمل الروائي.
وفي النهاية نقول:
إبراهيم عطية في ديكه الأخضر أوضح أنّه:
قد تكون الرحلة الإيمانية والتجوال الديني هروبا من الحياة ومن الانتكاسات وخيبات الأمل فتحدث الأوجاع السياسية والاجتماعية.
يتنقل إبراهيم عطيّة بين الواقع والرمزية.
يستخدم في تقنياته في روايته هذه (السرد- الوصف- الحلم-الحوار- الاسترجاع- روح الدعابة- تعبير بالصورة- نهايات مفتوحة.
وأقول إن ابراهيم عطيّة متمرد أمام هيكل الحب يجمع بين رقة الحب وشراسة المقاومة ولا تنفصل عنده صوفية الروح عن غرائز البشر.
وهناك سؤال أقوله سرا لنفسي:
هل الديك الأخضر هو من يقود الراوي أم الراوي هو الذى يقوده أم هما يتبادلان الأدوار؟
وفي النهاية هذه قراءة لرواية إبراهيم عطيّة "الديك الأخضر" وهى تستحق القراءة.
وإدخالها من منتج أدباء الأطراف وهم أدباء الأقاليم إلى أدباء القلب وهم أدباء العاصمة.
فقوة القلب تظهر في قوة وحيوية الأطراف.