القاهرة 28 اكتوبر 2019 الساعة 06:24 م
كتبت: سماح عبد السلام
قال الدكتور كمال مغيث إن الكاتبة البريطانية لوسى دوف جوردن لا تكتب تاريخاً أو أدب رحلة، ولكنها تكتب بمشاعرها وبشكل صادق ما رأته ولمسته فى صعيد مصر فى منتصف القرن الثامن عشر، ومن هنا نرى صورة للحياة المصرية فى هذا العصر.
جاء ذلك خلال اللقاء الذى أقيُم مساء الخميس الماضى بالحزب المصرى الديمقراطى، لمناقشة كتاب "رسائل من مصر" للكاتبة لوسى دوف جوردن بترجمته الكاملة للكاتب إبراهيم عبد المجيد، حيث شارك فى المناقشة كل من الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة الأسبق، والدكتور كمال مغيث.
قام مغيث، بتحليل بعض الرسائل مشيراً إلى أن "جوردون" انتقدت التناقضات الأوربية وغطرستها، وعاشت حياة بسيطة مع الناس، كما تطرق إلى حديثها المستمر عن التداخل بين الفرعونى والإسلامى المعاصر، وأشار إلى المعتقدات التى تنص على أن المرأة عندما تلد تذهب للاستحمام فى النيل؛ لأنه استقر فى الذهنية أن النيل مصدر الخصب والنماء، بينما المرأة التى لم تحمل تملأ إبريقاً لتستحم به لأن أوزوريس خصب ماء النيل فأصبح أساس الحياة.
وأشار مغيث، إلى حديث جوردون عن السخرة رغم أنها إنجليزية رغم أنها السخُرة سبُة فى وجه هذا النظام، وعن سبب عدم ثقة الناس فى الحكومة، حتى إنهم كانوا يرفضون قبول العلاج من الحكومة معتقدين أنها تقوم بتسميمهم بينما يقبلون العلاج من "الخوجاية". ويستكمل: أنتقدت جوردون مواقف الخديوى إسماعيل الذى قدم خطبة عصماء عن تجارة الرقيق رغم أنه عمل نظام السخرة وقالت إنه كان لديه 3000 جارية فى قصرة، كما تحدثت عن زيارة السلطان عبد العزيز لمصر سلطان الدولة العثمانية وكيف أنهم كانوا يخبئون السيدات داخل البيوت؛ لأن السيدة المصرية كانت تتسم بالجرأة و القدرة على التعبيرعن مشاكلهم.
وأختتم حديثه بأن ليدى جوردن عاشت فى البلد بطيبعة وحب؛ لذا كان من الطبيعى أن يطلقوا عليها عدة ألقاب منها "الست، نور على نور، البشوشة، الشيخة"، حتى إنه عندما مرض طفل قرر والده أن يلمس الطفل السيدة حتى يتبارك فيها.
ومن جانبه قال الكاتب إبراهيم عبد المجيد، مترجم الكتاب: لقد ترجمت هذا الكتاب بعد أن اقترحته على إحدى الصديقات، عقب انتهائى من رواية السايكلوب، حيث تعُد هذه هى الترجمة الكاملة له والتى تصل إلى 131 رسالة، إذ أن هناك عدة ترجمات ولكنها ليست كاملة.
وتحدث عبد المجيد، عن ليدي دوف جوردون ووصفها بالكاتبة والمترجمة العظيمة في تاريخ الأدب الإنجليزي، والتى جاءت إلي مصر عام 1862، للاستشفاء من مرض السل وسط الطبيعة الجافة. أرسلت رسائلها إلى زوجها وأمها وابنتها حتي وفاتها ودفنها في مصر عام 1869، وأبدى إعجابه برسائلها لافتاً إلى أنها تجُسد أعظم مظاهر الحب لمصر والمصريين، وقال: أبكاني الكتاب أكثر من مرة وأمتعني غاية المتعة وأنا أرى الحياة البسيطة للمصريين خالية من كل تعصب بين الأديان، حافلة بالتسامح، وأرى الغائب في كثير من كتب التاريخ عن الظلم الذي عاناه الشعب المصري تحت حكم الخديوي المستنير إسماعيل! والمشاعر المتدفقة من الخدم الأطفال والكبار، العبيد والأحرار وتعلقهم الرائع بهذه السيدة العظيمة. ويواصل: بلغت محبة المصريين لها عنان السماء وهم يبتهلون من أجلها في مولد سيدي أبو الحجاج في الأقصر ومولد سيدي عبد الرحيم القناوي في قنا. وجد المصريون فيها ملاذا لهم في الحياة، ولم يعترفو بغيرها مبعوثا للإنسانية في أعظم صورها.
أما الدكتور عماد أبو غازى، فقد أعطى إضاءة عن العصر الذى كُتبت فيه الرسائل لأنها جاءت فى لحظة من اللحظات الفارقة فى التاريخ المصرى والتى كان بها التحديث المنقوص الذى مرت به مصر. بحد قوله، حيث أشار إلى هذا العصر شكل البديات الحقيقية لدخول مصر فى عصر جديد. ويتابع: من وجهة نظرى أن التحديث كان فى عصر سعيد باشا وليس محمد على، حيث إن سعيد ألغى الجزية وبالتالى لأول مرة منذ دخول عمرو بن العاص يكون هناك مساوة بين المصريين أمام القانون فى الحقوق بغض النظر عن كونه مسلما أو مسيحيا أو يهوديا. أصبحت هناك فكرة المطالبة بوضع دستور مصرى أذن اللحظة كانت للتغير فعلا. ويواصل: الرسائل تعطينا جانب من الصورة الأخرى عن القاهرة بعيداً عن مشروعات الخديوى إسماعيل؛ حيث جاءت من عين غريبة لا يرى بها أهل البلد. تصف ما تراه بخلفيتها وتكوينها الثقافى والمعرفى، وأشاد أبوغازى بالجهد المبذول من جانب الكاتب إبراهيم عبد المجيد فى ترجمة هذا الكتاب كونه أول ترجمة كامله لهذه الرسائل. فضلاً عن أن خلفيته كأديب ومبدع كانت واضحه فى قدرته على نقل الرسائل.