القاهرة 20 اكتوبر 2019 الساعة 09:46 ص
كتبت: عبير عبد العظيم
* حالة من التلاحم الوطنى والشعور بالانتماء والفخر أحدثها عرض "الممر" على المصريين
* مطالبات من الأجيال الشابة بضرورة صناعة المزيد من الأفلام التى تتحدث عن بطولات الجيش المصرى
أحدث عرض فيلم الممر على الفضائيات خلال الأيام الماضية حالة من رفع الروح المعنوية للشعب العربى ككل، عادت الأسرة المصرية من جديد تلتف حول الشاشات كى ترى بعينها قصص بطولات الجيش المصرى التى كنا فى حاجة إلى أن يراها الجيل الجديد من الشباب المصرى والعربى.
حطم فيلم الممر مقولة وحجج المخرجين والقائمين على صناعة السينما بأن الجمهور عايز أفلام الأكشن والعنف وعرض فئات بعينها داخل المجتمع. حالة من الروعة تابعتها الأسر المصرية وهى تستمع إلى تعليقات الشباب من الجيل الجديد الذى لم يسمع أو يقرأ أو يرى الكثير عن حرب أكتوبر إلا من خلال أفلام قديمة عفا عليها الزمن وباتت لا تؤثر فى جيل السوشيال ميديا. ومن يرى الحرب على الطبيعة أمام عينيه.
سيظل الفيلم لسنوات علامة فارقة فى تاريخ صناعة الأفلام الوطنية التى تتحدث عن البطولات العسكرية للجيش المصري أعظم جيوش العالم والأول على المنطقة العربية والشرق الأوسط.انعكس نجاح الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي وجاءت التعليقات عند عرض الفيلم، معبرة عن الإعجاب الشديد به وبطريقة سرده لأحداث حقيقة وقعت في أثناء حرب الاستنزاف، حيث طالب الجمهور بضرورة صناعة وعرض المزيد من هذه الأفلام التي ترفع من الحس الوطني عند الشباب خاصة، وعند الناس عامة.
يقول الناقد السينمائى أحمد رشاد حسانين: إن الأفلام العسكرية نادرة وشحيحة عند صناع السينما فى الوطن العربى عموما؛ لأنها تصطدم بأكثر من عائق، أولها التقنية المرتبطة فى جزء منها بضآلة الميزانية، وأيضا نظرا للبطولات الأسطورية التى حققها الجيش المصرى والتى تحتاج إلى كاتب سيناريو واع جدا بما يقدمه، وفى فيلم الممر كنا جميعا متعطتشين لمن يتحدث عن بطولات كانت تتم على أرض الواقع على مدى ست سنوات قبل العبور والنصر، فالبطولات التي قدمتها قواتنا المسلحة في حرب الاستنزاف متعددة، وأسطورية.
من هنا جاءت فكرة العمل، وفيلم الممر بداية انطلاقة قوية لتقديم مثل هذه النوعية من الأعمال خلال الأيام القادمة؛ لأن نجاح الممر على المستوى الجماهيرى سيجعل المنتجين يسعون إلى تقديم الأفلام الحربية والدينية والتاريخية مع ضمان الإيرادات، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الجمهور يحتاج هذه النوعية من الأفلام التى تحترم عقل المشاهد، وتلامس مشاعره الوطنية وتشحذ الهمم، وتؤكد أن الجمهور لا يبحث عن الاستسهال، لكن يهمه العمل المصنوع بشكل جيد والذي يؤجج المشاعر الوطنية داخله.
أما الناقدة عبلة الروينى فترى أن الفيلم تحول إلى ملحمة فنية، بعد الإشادات التى حاز عليها من النقاد والجمهور والفنانين، لأول مرة يحدث شبه إجماع على عمل سينمائى بهذا الحجم، فقد حقق أصداء كبيرة فى الوسط المصرى والعربي واستطاع أن يلقى بحجر فى المياه الراكدة للسينما المصرية، وهى المرة الأولى فى تاريخ السينما منذ فترة طويلة أن يحقق فيلم حربى جاد كل هذه النجاحات.
الفنانون المشاركون اعتبروه أهم مرحلة فنية فى حياتهم، ومن لم يشارك فيه تمنى المشاركة ولو كضيف شرف باعتباره فيلمًا يشرف السينما المصرية، واتفق النقاد على أنه أهم فيلم حربى تم تقديمه حتى الآن على مستوى الإخراج والإنتاج والسيناريو، وكافة عناصر اللغة السينمائية، أما الجمهور فأكدت الإيرادات الضخمة التى أعلنتها قاعات العرض فى أول أيام عرضه على اشتياق الجمهور ورغبته فى مشاهدة فيلم يحترم عقليات الناس، ويشحذ الهمم ويعيد أصداء الانتصارات والمشاعر الحربية التى عاشها المصريون ومازالوا يعيشونها.
فى حين يرى الناقد محمود قاسم أن عرض «الممر» فى هذا الموسم يمثل طفرة انتقالية فى العالم السينمائى لعدة أسباب أهمها: أننا منذ 15 عاما لم يعرض فيلم حربي فى قاعات العرض السينمائى، وكانت الكفاية بأفلام تليفزيونية مثل ناصر 56، وبعدها نجح العديد من الأفلام مثل «يوم الكرامة» و«الطريق إلى إيلات»، ولذلك نحن نحتاج إلى هذه النوعية من الأفلام؛ لأن المكتبة السينمائية المصرية فقيرة للغاية فى مجال الأفلام الحربية.
وهناك مشكلة تواجه مدير أى محطة تليفزيونية مصرية وقت الاحتفال السنوى بنصر أكتوبر، فالأفلام الموجودة لدينا معادة ومكررة وحفظها الجمهور عن ظهر قلب كالعمر لحظة، والرصاصة لا تزال فى جيبي، وبدور، والطريق إلى إيلات ، ويوم الكرامة، وحكايات الغريب، وأبناء الصمت وأيام السادات، وبعض هذه الأفلام لا نستطيع تصنيفها كأفلام حربية؛ لكن الممر هو التجسيد الحقيقى للفيلم الحربى الذى غاب طويلًا عن السينما المصرية، والمخرج الكبير شريف عرفة تمكن ببراعة متناهية فى تصوير الحالة العسكرية التى كنا عليها وكيف تم ضرب المطارات والجنود ومراكز القيادة وكيف عاد الجنود سيرا على الأقدام؛ فمات منهم من مات ولاحقتهم الطائرات الإسرائيلية وأخذت تبيدهم بوحشية وهمجية، متناسية أنهم عزل وبلا سلاح، ولا شك أن هذه الحالة جعلتنا نتطلع إلى ما يشفى الصدور.
ويضيف: إن الفيلم قام على عدة أفكار، الفكرة الأولى تأتي من إحدى عبارات الفيلم.. البطل وهو الضابط نور عندما قال: "مكنتش نكسة ولا هزيمة ولا حرب بقوانينها"، هو يوضح حالة ما تم فى 1967 لعلها تغير المفاهيم الأرشيفية عن "نكسة 1967" كما هو معروف عنها ، أما الفكرة الثانية بـ "تيمة المشاعر" وهو ما تفتقده أغلب الأعمال التي تناقش الحس القومي أو الوطني، ولعل حادث النكسة في حد ذاته محمل بالكثير من المشاعر التي لم يكن لفيلم "الممر" كل هذا النجاح بدونها، خصوصًا أنه تناولها في أكثر من موقف.. وهي مشاعر لم يقدر إلا للبعض أن يشعر بها ممن عاش في خضم هذه المعركة.
واتفق النقاد على أن فيلم "الممر" يعد عملًا مهما في تاريخ السينما المصرية في الألفية الجديدة وفي صناعة أفلام الحرب، ويكفي أنه بعد تاريخ سلسلة الأفلام الشهيرة التي صدرت في السبعينيات من القرن الماضي لم يخرج علينا عمل متكامل نفخر بوجوده وبالمجهود المبذول من منتجيه وصناعه خلف الكاميرا وأبطاله الذين لا تسعنا مثل هذه السطور للحديث عنهم.