القاهرة 15 اكتوبر 2019 الساعة 11:29 ص
بقلم د.هبة سعد الدين
على مدى سنوات وسنوات كان السؤال المعتاد الذي يتم الاحتفاء به فى نفس التاريخ من كل عام: لماذا لا يوجد عمل سينمائي يقدم نصر أكتوبر كما ينبغى ولماذا تم الاكتفاء ببعض الأعمال التى واكبت ما بعد الحدث بسنوات قليلة، والتى تذاع كل عام ؟؟ هذا كان "المقرر" من التساؤلات سنوياً كما كانت الأفلام التى لم تزد على عدد أصابع اليد تعاد إذاعتها فى نفس الموعد من كل عام، يتبع ذلك السؤال؛ الحديث عن بطولات ما قبل أكتوبر وبعده؛ ليقف يوم السادس فى المنتصف حائراً وليس لديه إجابات!
وها هو فيلم "الممر" قد جاء ليجيب عن الكثير من التساؤلات التى لا تتعرض لنصر أكتوبر فحسب؛ بل ليرد عملياً على الكثير من الكلاشيهات التى ارتبطت بكافة تراجعات الإنتاج السينمائى على مدى تاريخه. لسنا فى حالة تقييم فنى لهذا العمل المميز الذى استطاع حصد 75 مليون جنيه من شباك التذاكر، فذلك الرقم جانب من الإجابات، فكيف له ذلك بلغة الواقع وهو لا يملك عناصر الجذب المعتادة؟ فهو ليس الفيلم الكوميدى أو الأكشن أو الميلو دراما الذى يمكنه أن يكتسح بقصة أو رقصة أو خناقة فى الحارة!!
لقد جاء "الممر" حاملاً الطوفان، فهو لم يتعامل مع الوصفات المعلبة لجذب الجمهور والخلطات المعتادة للحارة بصورتها السبكية وغيرها من الخلطات ذات الجذب المضمون لشباك التذاكر، فقد جاء بقصة يخبرنا المنطق أنها غير جاذبة، وتقول لنا جملة "الجمهور عايز كده" إنها صفقة خاسرة. وبمتابعة واقع شباك التذاكر لن ينجح بأى حال من الأحوال؛ لكننا أمام معادلة جديدة بقدر حصدها ل75 مليون جنيه، فهى تقف وجهاً لوجه بقوة أمام كافة الخلطات المزعوم أنها الوحيدة الناجحة، فأما أسباب النجاح بعيداً عن المبدع دائما شريف عرفه واستغلاله لمفردات اللغة السينمائية من أداء الممثلين بحرفية عالية والديكورات وتنفيذ المعارك والحوار الذى يلعب على عدة مستويات بين المباشر وما وراءه، واختيار اسم "الممر" الذى يحمل داخله رسائل الماضي والحاضر والمستقبل، والمزج ما بين الصعيد المهمش والنوبة ليدافع الجميع عمن بجواره.
وعلى كل الأحوال لسنا هنا فى حالة رصد فنى لهذا العمل الذى ينبغي نقاشه بشكل مستفيض وقراءة رسائله ومستوياتها؛ فحتى ثنائية "الرعاشة ومااعدمكش" على الرغم من انتقاد الكثيرين لهما فهما يقدمان جانباً مقصوداً متعدد المستويات حتى ولو كان مقحماً بصورة ما. نجاح "الممر" يطرح الكثير من الإجابات حول جمل كان يتم التعامل معها على أنها حقيقة مسلم بها، "الجمهور عايز كده"، تلك المقولة التى جاءت بموجات من أفلام مقاولات قليلة التكلفة على مدى سنوات؛ تطرح معادلات بتباديل وتوافيق وكأنها خلطات لنجاح الطبخة الفيلمية.
جاء الممر ليؤكد أن الجمهور متعطش لفن حقيقي ولا يمنعه المضمون الهادف المباشر من الإقبال على العمل، شريطة أن يقدم بلغة سينمائية مميزة صادقة، جاء ليؤكد أن خلو العمل السينمائى من "المنكهات" الإضافية لا يعوق النجاح؛ بل على العكس لقد اعترض الكثيرون على "مااعدمكش والرعاشة" رغم أنهما لم يراد لهما أن تكونا منكهات، جاء ليؤكد أن العمل السينمائى حول البطولات وتاريخ الوطن يحقق النجاح فى شباك التذاكر من أوسع الأبواب، وكان بداية الحصاد مسلسلاً عن "المنسي" سيعرض فى رمضان القادم وفيلماً عن البطل "إبراهيم الرفاعى" وبطولاته؛ لتتوالى نجاحات "الممر" لتشكل جانباً من المشهد الإبداعي نحتاجه كثيرا فى هذا الوقت .