القاهرة 15 اكتوبر 2019 الساعة 11:28 ص
قصة : محمد مجي
وقف في النافذة وهو يرنو إلى حقول أبيه الذابلة، ثم شخص ببصره إلى كأس شراب رخيص شارد الذهن، ممتقع الم?مح، كيف استحالت تلك الخضرة إلى هذا الاصفرار المميت؟ منذ أن عاد من الديار ا?وربية صار مدمنا على السكر حد الثمالة ، في كل مرة يحاول أن ينسى همومه، يعانق قنينة نبيذ ويقف مواليا وجهه نحو تلك المساحات المترامية ا?طراف وهي فيافي قاحلة، المياه تراجع، مستواها، ولم تعد المضخات توصلها للسطح دافعة إياها في ا?نابيب نحو أصص ا?شجار في ذلك الصباح، وقف كعادته في النافذة ينظر إلى تلك الكارثة، فتذكر أيام صباه حين كان يجري وسط بساتين العنب متخطيا تلك ا?س?ك التي تشد، بها فروع ا?شجار؛ لكي تحافظ على توازنها أ? تغلبها عناقيد العنب حين تثمر ويتحول لونها تدريجيا ليصير طازجا ،أحيانا يسقط ، وأحيانا ينجح في الوثب عاليا. كم من مرة تعثر وسقط وسط كومة من النبات الشوكي فيعود إلى أمه مدمى اليدين، باكي العينين، فتجلسه أمه فوق ركبتيها ،وتمسد رأسه ليخف بكاؤه، وتزيل ا?شواك من راحة يديه واحدا واحدا، ثم تهدهد أنامله ريثما يبرد ا?لم الذي استوطن تلك البقع الصغيرة من الدم.
يزداد امتعاضه حين يتذكر ماضيه في حضن أمه ،التي رحلت هي ا?خرى، حين كان ينفق سنوات شبابه في ديار المهجر، يحزنه كثيرا أنه لم يحضر جنازتها، ولم يقبل جبهتها للمرة ا?خيرة، تابع ا?مر فقط من عبر الهاتف "أمك أمك في لف حولها000ماتت أمك حملت في نعش000الكفن 000على ا?كتاف نحو المقبرة .
" أمك توارى عليها التراب انتهى كل شيء. أمه ردمت 0تحت ربوة من التراب أبوه ذبل وانطفأ بصره حين رأى خيراته يفتك بها الجفاف وزحف عليها القحط ،فتساقطت، أوراق ا?شجار وظلت كأنها أشباح متراصة في تلك السهول، المسكين يكتفي بالجلوس تحت شرفة منزله،? تفارقه سبحاته وعكازه، وهو ? يحس ضوء النهار و? دمس الليل حياته كلها ظلمة حالكة، منذ أن حل الداء بمقلتيه، ظل يبكي دموعا وهو يهيم على وجهه متحسرا على الكارثة التي حلت، بحقوله، حتى تورمت عيناه وظل بصره يخفت تدريجيا، حتى صار كفيفا بشكل نهائي.
هكذا يقضي اابن نهاره متكئا بسواعده على حافة النافذة يفكر في أم خطفها الموت ذات يوم في غفلة ، وفي أب فقد بصره وقعد في المنزل ? يبرحه إ? حين يأخذ ابنه بيده ليقضي، حاجته البيولوجية أو يأتيه بقدر
من الماء ليتوضأ، وفي حقول ينخرها الخراب دون أي أمل في إنقاذها.
موجة جفاف ملعونة اجتاحت المنطقة، وجفت اآبار والعيون وانقطع منسوب ا?نهار ، فصار الناس ينسلون من كل حدب وصوب نحو البئر التي لم ينضب بعد مخزونها فكثرت النزاعات والمناوشات حول من يم? دلوه وقنيناته خوفا من سقوط
ا?طفال والنساء جراء موجة حارة غير مسبوقة.