القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 02:05 م
كتب: طلعت رضوان
أعتقد أنّ من أشهر أعمال توفيق الحكيم رواية (عودة الروح) التي كتب عنها الناقد الكبير د. عبد القادر القط أنها كانت التعبير الحقيقي عن ثورة 1919 وأنها تميـّـزتْ عن ثلاثية نجيب محفوظ بالحبكة الدرامية المُـحكمة حيث خمسة أفراد (يمثلون الشعب) ينامون في غرفة واحدة.. ويهتمون بالفتاة سنية (رمز مصر)
هذه الرواية تمـّـتْ (مسرحتها) وكان أبطالها صلاح قابيل، سعيد صالح، والفنانة المُـبدعة نعيمة وصفى.. ويبدو أنّ تلك الرواية شـدّتْ اهتمام الكاتب اليساري الراحل (أحمد عباس صالح) فأعد عنها السيناريو الإذاعي.. وأذيع بنفس الاسم (عودة الروح) في (البرنامج العام) ومن إخراج إسلام فارس.. وكان المذيع الذى يقدم الحلقات يبدأ كل حلقة بجملة وردت فى الرواية حيث (الكل فى واحد.. والواحد في الكل)
كذلك فإنّ عودة الروح شـدّتْ اهتمام السيناريست صلاح طنطاوى..فأعـدّ عنها سيناريو تليفزيوني من إخراج المخرج الكبير(حسين كمال) وشارك فى التمثيل: صلاح ذوالفقار، ليلى حمادة، محمد العربي، وجدى العربي..وتأليف موسيقى الفنان الراحل الكبير عمار الشريعي .. ومن إنتاج الشركة العربية للتليفزيون.
وكانت المفاجأة- وأنا أبحث في النت- العثور على معلومة لم أكن أعرفها وهى أنّ دولة تركيا أنتجتْ مسلسلا عن رواية (عودة الروح) وبنفس الاسم.. وأنّ (قناة الراي) إحدى القنوات العربية أذاعتْ المسلسل، الموجود حاليا على You Tube . وهذا يؤكد أنّ العمل الأدبي كلــّـما توافرتْ فيه عناصر الدراما.. وتضفيرها بالأبعاد الاجتماعية والإنسانية.. كلــّـما جذب كــُـتاب السيناريو.. وإعجاب المُـشاهدين.
ومن بين أفلام الأبيض والأسود الشهيرة فيلم (رصاصة فى القلب) عن مسرحية كتبها الحكيم بنفس الاسم.. وكان انتاج الفيلم عام1944 بطولة راقية إبراهيم ومحمد عبد الوهاب.. وسيناريو وإخراج محمد كريم.. وغنى فيه (الميه تروى العطشان) تأليف أحمد رامي.. وأغنية (لستُ أدرى) تأليف الشاعر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي وأغنية (انس الدنيا) تأليف مأمون الشناوي.. وأغنية (حكيم عيون) تأليف حسين السيد.. هذا الفيلم حصد شهرة جماهيرية عند عرضه الأول عام1944، بسبب موضوعه الرومانسي الساذج، حيث علاقة الحب المُـلتبسة بين كل من الشاب محسن المستهتر ويعيش حياة فوضوية ودائم الاستدانة.. وصديقه الدكتور سامى.. وبين الفتاة التي رآها محسن فى جروبى وأعجب بجمالها ورقتها.. فيذهب محسن لصديقه سامى ويطلب منه مبلغ خمسة جنيهات.. وبعد عدة مشاهد ركــّـز السيناريو فيها على المفارقات، يكتشف محسن أنّ الفتاة خطيبة سامى، فيبتعد عنها بنبل.. وحين يتعذر على سامى شراء دبلة الخطوبة، فإنّ محسن يهبه خاتمًـا هدية.
وبالرغم من أنّ الفيلم حقق جماهيرية واسعة (قبل التليفزيون) فإنّ الحكيم لم يرض عنه.. وقال: أنا لا شأن لى بالسينما.. وكان هذا رأيي دائمًـا.. وقلته لكل من حاول إغرائي.. وقلته للمطرب محمد عبدالوهاب.. ولكنه هوّن علىّ الأمر حتى وقعتُ في حبائل هذا الفن العجيب (فن السينما)
بعد ذلك التاريخ (عام1944) انجذب الحكيم للسينما وأدرك أنّ جمهورها أوسع وأكبر آلاف المرات من جمهور محبى الأدب المكتوب.. وبالتالي لم يعترض على تحويل إبداعه إلى أعمال سينمائية أو تليفزيونية أو(مسرحة) بعض أعماله الروائية، بل إنّ الحكيم (بسبب غواية أو نداهة السينما) كتب بعض الأعمال بنفسه للسينما ومن أمثلة ذلك (طريق الفردوس) عام1965من إخراج فطين عبدالوهاب وبطولة فريد شوقي، سميرة أحمد، نجوى فؤاد موسيقى عبدالحليم نويرة.. وتـمّ ترشيحه لمهرجان موسكو الدولي السينمائي.. والفيلم استخدم فيه الحكيم الخيال حيث أنّ (عليش) الدرويش يموت وينتقل في موكب مهيب من مريديه إلى المدفن.. وفى المقبرة يتم صعوده إلى السماء بهدف محاسبته.. وأثناء المحاسبة (يكشف السيناريو) أنّ حسناته = سيئاته.. وبالتالي فإنه ليس من (الصالحين) كما كان يتصوّربنسبة100% مع العديد من المشاهد التي جمع فيها الحكيم الفانتازيا بالسخرية بالواقع من خلال (كوميديا المواقف) وليست كوميديا الحركات الجسدية، كما حدث من الجيل الجديد.
وكتب الحكيم سيناريو فيلم (الخروج من الجنة) عام1967 من إخراج محمود ذوالفقار.. وموسيقى تصويرية أندريه رايدر.. والتصوير وحيد فريد.. وبطولة هند رستم، فريد الأطرش، زوزو ماضى ومحمود المليجي.. ويدور حول الصحفية (عنان) التي تعرّفتْ على الشاب (مختار) الذى أهمل موهبته الموسيقية.. ويعيش حياة ضياع واستهتار.. ويحيط به مجموعة من رفاق العبث واللهو.. والذين يزعمون (كذبـًـا) أنهم (أصدقاء) تتطوّر العلاقة بين الصحفية والموسيقى فيتزوجان.. ولعبتْ الزوجة دورًا فى محاولة أنّ يبتعد زوجها عن حياة العبث والمجون.. والتفرغ لفنه.. والمحافظة على موهبته المُـعرّضة للانهيار.. وبعد تعدد الخلافات انتهتْ علاقتهما بالطلاق.. فشعر الفنان بالندم.. وحاول استعادة زوجته وحبيبته.. ولكنها رفضتْ وتزوّجتْ من آخر(رغم حبها للفنان) ولكنها فضـّـلتْ هذا الاختيار(بتضحية منها) بهدف أنْ يـُـعيد الفنان حساباته ويهتم بفنه.. وهذا ما حدث حيث تفجـّـرتْ موهبته.. وأبدع مجموعة من الألحان وأصبح مطربـًـا مشهورًا.
وكتب الحكيم سيناريو فيلم (أريد هذا الرجل) ويدور حول سعى الصحفية إيمان إلى نشر فكرة تقوم على أنْ تبادر الفتاة بالتقدم (من تلقاء نفسها) لتخطب الشاب الذى أحبته وتريده.. وبذلك فإنّ الحكيم- كعادته- يلجأ للخيال لكسر المألوف، حيث أنّ من التقاليد العربية (والمصرية) أنّ الشاب/ الرجل/ الذكر هو الذى يتقـدّم لخطبة الفتاة التي يرغب في الزواج منها، فلماذا لا يحدث العكس؟ والفيلم إخراج هنري بركات. وإعداد سينمائي الصحفي بالأهرام والسيناريست المتميز أحمد صالح.. وبطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر.. وهكذا يكون الحكيم أحد المُـبدعين الذى أصرّ- في معظم إنتاجه الأدبي والفكري- على رفض الثوابت المُـتوارثة منذ آلاف السنين.
وكتب الحكيم للسينما قصة فيلم (المرأة التي غلبت الشيطان) وأخرجه يحيى العلمي سنة 1973 بطولة شمس البارودي، نور الشريف.. والفنانة القديرة نعمت مختار والفنان الكبير عادل أدهم ووضع موسيقاه الفنان الموهوب فؤاد الظواهري. وتدور أحداثه حول الفتاة شفيقة التي تعمل خادمة.. وهى دميمة الوجه.. والجميع يـُـعاملونها بقسوة شديدة.. ومع تطور الأحداث تــُـوهم نفسها- مثل أي فتاة- أنها وقعتْ في حب الصحفي محمود الذى لا يشعر بها، خاصة أنه يـُـحب إحدى الممثلات.
تتفق شفيقة الخادمة مع أدهم (حفيد إبليس) على أنْ تــُـسلمه روحها لمدة عشر سنوات، مقابل أنْ يهبها وجهـًـا جميلا ومبالغ مالية تجعلها من الأثرياء.. وبالفعل تحوّلتْ إلى مليونيرة فائقة الجمال.. وإذا بها تــُـفكر في الانتقام من كل الذين عاملوها بقسوة في الماضي.. وتكون ذروة التوتر الدرامي: ماذا بعد أنْ تشفى غليلها بالانتقام؟ ماذا ستفعل مع أدهم (حفيد إبليس) الذى أسلمته روحها.. وهكذا فإنّ الحكيم استهدف بهذه القصة هدفيْن 1- خطورة الرغبة في الانتقام وأنها مُـدمّـرة للإنسانية 2- على الإنسان أنْ يـُـقاوم رغبات النفس التي قد تؤدى إلى عواقب وخيمة.. ورغبات النفس هنا استبدلها الحكيم بحفيد إبليس، كما فعل المبدع الألماني (جوته) في رائعته فاوست الذى تعاقد مع الشيطان فقتل وفسق إلخ.
وكتب الحكيم قصة فيلم (العش الهادئ) عام1976بطولة محمود ياسين، برلنتي عبد الحميد.. ويدور حول كاتب السينما مراد الإنسان الملتزم أخلاقيـًـا وفنيـًـا.. ويرفض أنْ يكتب نوعيات من الأفلام الهابطة والغير ملتزمة بقواعد الفن الراقي.. وذلك بالرغم من شدة حاجته للمال.. وحين ذهب إلى شاطئ البحر للكتابة، تعرّف على الفتاة سامية.. والتي أوحتْ إليه بأنها على وشك الغرق، ثـمّ يكتشف أنها سباحة ماهرة.. وبعد الزواج يتبدّد حلم الحب.. وتحاول إقناعه بالخضوع لرغبات المنتج.. والفيلم من إخراج عاطف سالم.. وهكذا استهدف الحكيم تعرية الأقنعة الزائفة.. والأهم ذلك الموقف الدرامي لحيرة الزوج: هل يستسلم لرغبات المنتج لإرضاء زوجته؟ أم سيتمسك بمبادئه؟
وكتب الحكيم قصة فيلم (حكاية وراء كل باب) عام1979 بطولة فاتن حمامة، أحمد رمزى.. وهو عبارة عن أربع قصص داخل الفيلم.. وكل قصة مختلفة عن الأخرى.. ولكن في إطار هدف واحد هو أنّ وراء البيوت (أسرار) وهذه الأسرار قد يخجل منها البعض.. وقد تكون مادة للمكاشفة والمودة. شارك في إعداد السيناريو الفنان يوسف فرنسيس.. وإخراج سعيد مرزوق.
وكتب الحكيم قصة فيلم (أغنية الموت) وتدور أحداثه حول مشكلة الثأر التى مازالتْ متأصلة في عقول كثيرين من أهالي جنوب مصر.. ويستعرض الفيلم مصير حياة أسرة بكاملها لو أنّ الثأر تم.. والذى سيتبعه المزيد من الدماء.. وهكذا في متوالية لانهاية لها.. وهذا الفيلم أنتجه التليفزيون المصري.. وأخرجه سعيد مرزوق، بطولة فاتن حمامة.. وتـمّ مسرحته للتليفزيون.. وشارك فى التمثيل كريمة مختار، حمدي أحمد وعبد العزيز مخيون.
ومن الأفلام الشهيرة المأخوذة عن روايات الحكيم: الرباط المقدس، الأيدي الناعمة، ليلة الزفاف، يوميات نائب في الأرياف.. وعصفور من الشرق.
بينما الأقل شهرة إبداعه لمسرح اللامعقول.. ومن بين هذه الأعمال مسرحية (يا طالع الشجرة) وتـمّ عرضها على مسرح جامعة قناة السويس.. ومثلتْ فيها ميرفت أمين التي أصبحتْ فنانة مشهورة.. وهذه المسرحية توفرّتْ فيها كل عناصر الدراما، سواء للسينما أو للمسرح.. واستلهم الحكيم عنوانها من موتيفة شعبية مصرية، حيث كان الفلاحون يُغنون: يا طالع الشجره..هات لى معاك بقره..إلخ.
في تلك المسرحية سيدة تغزل ثوبــًا لابنتها.. فهل لدى تلك السيدة ابنة؟ وهل هي حامل وتنتظر لحظة الولادة؟ أم أنها خلقتْ عالمًا وهميًا وصدّقته؟ في الصفحات الأولى لا يفصح الأديب عن مكنون وجوه رتلك السيدة.. ولكن عندما تخرج من البيت ولا تعود.. وبعد أنْ غابتْ لمدة ثلاثة أيام، فإنّ الحكيم كتب المشهد التالي بين المُحقق والخادمة.. قالت الخادمة أنّ سيدتها خرجتْ من البيت لشراء الخيوط لتنسج ثوبًا لبنتها بهية، فسألها المحقق:
المٌحقق: بنتها؟
الخادمة: نعم بنتها بهيه.
المحقق: وأين هي بنتها بهيه؟
الخادمة: لم تولد.
المحقق: لم تولد؟ ومتى ستولد؟
الخادمة: لن تولد.
المحقق: وكيف تعرفين أنها لن تولد؟
الخادمة: كانت ستولد من أربعين سنة.. ولكنها لم تولد.
المحقق: ما دامتْ قطعتْ الخلف ولم تلد ولم تولد.. فلماذا تنسج ثوبًا لبنتها التي لم تولد ولن تولد؟
الخادمة: إنها تراها وُلدتْ كل يوم.. وتولد كل يوم.
***
في هذا المشهد ترجم الحكيم– إبداعيًا– حالة الإنسان الذى يخلق لنفسه عالمًا من الأوهام ويـُـصـدّقه.. ورغم أنّ تلك الأوهام تبدو- في بداية نشأتها– على أنها عابرة وسوف تزول، فإنّ مكمن الخطورة عندما تسيطر تلك الأوهام على الإنسان يومًا بعد يوم، فيكون أسيرًا لها.. وبعد حالة الأسر، يكون من الطبيعي أنْ يُصدق نفسه، أي يُصدق أوهامه، لدرجة أنّ تلك السيدة– فى المسرحية- كما قالت الخادمة- أنها ترى ابنتها كل يوم.. وتراها تولد كل يوم.. ورغم أنّ البداية تعود إلى أربعين سنة مضتْ.. وبما أنّ الولادة الحقيقية لم تحدث، فإنّ الخيال– خيال هذه السيدة- أناب عن الواقع.. فمن هي تلك الابنة (الرمزية)؟ ولماذا اختار لها اسم (بهية)؟ وهو اسم يستخدمه الشعراء كناية عن مصر؟ وما مغزى أنها لم تولد ولن تولد، ثم التأكيد على أنها ((تولد كل يوم))؟ ألا تؤكد كل تلك الإيحاءات أنّ الحكيم كان يستشعر الخطر على مستقبل مصر؟ فهل يمكن أنْ تولد مصر من جديد؟ وأعتقد أنّ هذا هو مغزى قول الخادمة (الذى يبدو متناقضا من الناحية المنطقية) أنّ (بهية) لم تولد ولن تولد.. ومع ذلك فإنها ((تولد كل يوم)) أي أنّ مصر- رغم كل المآسي التي تتعرض لها، تفرض وجودها بفضل شعبها، لا بفضل حكامها.
مشهد: حوار بين مفتش القطار والدرويش:
في هذا المشهد يستلهم توفيق الحكيم مفردات الواقع المصري، ويغزل عليه رؤاه: مفتش القطار سأل الدرويش: هل تعرف ماذا أطلب من حياتي؟ ردّ الدرويش عليه بالأغنية التي كان الفلاحون يُردّدونها (أيام أنْ كان شعبنا يُنتج ثقافته القومية) قال الدرويش:
يا طالع الشجره هات لى معاك بقره
تحلب وتسقينى بالمعلقه الصينــــــى
فما علاقة الأغنية بالسؤال؟ وهل فوق الشجر بقر؟ إنه الخيال الشعبي، الذى يُـكمل ما عجز عنه الواقع، أو هو بديل الواقع.. وهذا الحل (الشعبي/ الفانتازي) يراه علماء الاجتماع أنه درجة من درجات مقاومة بؤس الحياة، بغرض الاستمرار في الحياة. لذلك كان الحكيم موفقــًا عندما جاء رد مفتش القطار– بعد أنْ سمع الأغنية: ((يظهر إنك عرفتْ)) والحكيم في هذا الرد المُـختصر، ترك مساحة للقارىء ليُكمل باقي الجملة: أي أنك أيها الدرويش عرفتَ طلبي.. وبعد ذلك يستمر الحوار بينهما على هذا النحو البديع الذى مزج فيه الحكيم الواقع بالفانتازيا:
الدرويش: العارف لا يُعرّف.
المفتــش: إذن لا حاجة بي إلى الشرح.
الدرويش: هناك في ضاحية الزيتون.
المفتــش: ضاحية الزيتون؟
الدرويش: هناك سوف تجد...
المفتــش: أجد ماذا؟
الدرويش: الشجرة.. فى الشتاء تطرح البرتقال.. وفى الربيع المشمش.. وفى الصيف التين.. وفى الخريف الرمان.
المفتــش: شجرة واحده؟!
الدرويش: واحدة.. كل شيء واحد.. هناك الشجرة والبقرة والشيخة خضرة.
المفتــش: الشيخة خضرة؟!
الدرويش: كل شيء أخضر.. كل شىء أخضر..
المفتــش: كل شيء أخضر؟ّ! هذا كلام مُـطمئِن..
الدرويش: إلى حين.
المفتــش: أترى شيئــًا مًــكــدّرًا؟
الدرويش: لا تــُـلق علىّ أسئلة.
في هذا المشهد– شديد الكثافة- فإنّ الحكيم– بسلاسة إبداعية- نقل القارئ من الشجرة التي تتربّـع فوقها بقرة.. كما أراد خيال الفلاح، إلى شجرة عجيبة هي الأخرى، تطرح فاكهة الشتاء والربيع والصيف والخريف، أي أنها شجرة كل فصول السنة.. ولكن السؤال هو: هل توجد شجرة (واقعية) لها تلك القدرة الخارقة على إنتاج فاكهة كل الفصول؟ أم هي شجرة رمزية لشيء أبعد وأعمق؟ الإجابة– من خلال الحوار- إنها شجرة رمزية.. رمزية لأى شيء؟ رمزية لما قاله الدرويش وهو يتحدث عن الشجرة حيث قال: هناك الشجرة والبقرة والشيخة خضرة.
فإذا كانت (الشجرة) رمز الخضرة والجمال والعطاء.. والبقرة رمز حتحور التي قدّسّها جدودنا المصريون.. وكانت ترمز للجمال.. وتــُـرضع الآلهة والبشر.. كما جاء في البرديات وعلى الجداريات العديدة، فإنّ ذلك الثنائي (الشجرة والبقرة) هو التمهيد لما قصده الحكيم عندما وضع بعدهما مباشرة (الشيخة خضرة) فما مغزى هذا الاسم (والأدق هذا الرمز)؟ لا أغالى إذا قلتُ أنّ الحكيم كان يقصد (طبيعة الأرض المصرية) العفية القادرة على العطاء.. وقد بنيتُ اعتقادي هذا من الحوار الذى داربين الدرويش والمفتش الذى سأل مُـندهشـًا: الشيخة خضرة؟ فردّ الدرويش عليه: كل شيء أخضر.. وكانت المفاجأة– الإبداعية- عندما وضع الحكيم على لسان المفتش تلك الجملة الدالة: كل شيىء أخضر؟ هذا كلام مُـطمئِن.. ولكن الدرويش– وبالأدق هذا رأى الحكيم– قال: ولكن إلى حين.. وهنا براعة الحكيم– في هذا الحوار المُـكثف– أي أنّ الخضرة والنماء وبالتالي الاعتماد على الزراعة- أي الاعتماد على كل ما هو أخضر.. قد يدوم أو لا يدوم، لأنّ المسألة تحتاج إلى وعى وطني بأهمية الزراعة.. وتأكــّـد ذلك عندما سأل المفتش: أترى شيئــًا مُـكــدّرًا؟ ولأنّ الحكيم يرفض أنْ يكون للإبداع أي دور في تقديم الإجابات الجاهزة، جعل الدرويش يرد على السؤال قائلا: لا تــُـلق علىّ أسئلة.. وهكذا ترك الحكيم الإجابة للقارئ. بمعنى التفكير في مصير الزراعة المصرية: هل هناك أشياء تقف ضد النمو الزراعي؟ وما العمل؟