القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 02:01 م
"قروش الإنترنت بدلًا من الدولارات التقليدية".. بهذه الكلمات وضع جيف زاكر رئيس مجموعة شركات «إن بي سي» العالمية للترفيه في عام 2008 خريطة لواقع الاستثمار الإعلامي حول العالم في ظل تراجع إقبال المعلنين عن الإعلان المطبوع والاتجاه نحو الإعلان الرقمي، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي لسرعة انتشارها وقلة تكلفتها وهو ما لم يحدث للأسف حتى الآن في مؤسساتنا الصحفية المصرية والعربية على الرغم من التحول السريع من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية؛ وهو ما يتطلب إعادة نظر في موارد المؤسسات الصحيفة المصرية من الإعلان والتوزيع والاشتراكات، والمصادر الأخرى كالطباعة التجارية للغير والنشر والأنشطة الاستثنائية.
إذاً ما الحل؟.. دعونا نرى كيف وضع "porter" أستاذ إدارة الأعمال بجامعة هارفارد- الحل لإنقاذ مؤسساتنا الصحفية.. في البداية أكد على أن الطريقة المثلي لإدارة اقتصاديات المؤسسات المختلفة في ظل المنافسة والضغوط الاقتصادية التي تعانيها هذه المؤسسات لابد أن تقوم في الأساس على دخول هذه المؤسسات في شراكة مع مشروعات قوية وناجحة؛ لكن بشرط أن تقتصر هذه الشراكة على المؤسسات التي تنتمي لنفس المجال العام "الإعلام- الثقافة - الفن- تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والبرمجيات، وغيرها"؛ دون مخاطرة الشراكة مع مؤسسات غير متجانسة فكريا.
الأخبار عبر الموبايل أيضا يعد مصدرا من مصادر الدخل للمؤسسات الصحفية من خلال رسائل الموبايل؛ وهى الخدمة التي تتأثر طرديا بالأحداث السياسية فمع سخونة الشارع السياسي تزيد عدد الاشتراكات وعوائد الخدمة التي قد يصل شهريا لنصف مليون جنيه على أقل تقدير، كما يمكن تعظيم العوائد عبر الاهتمام بالأخبار العاجلة وأخبار الرياضة والاهتمام بالإعلام المحلي عبر خدمات رسائل خاصة بأخبار مدن القناة والإسكندرية وسوهاج والغربية، مثلا، وهو منحى أقل بكثير من كلفة إصدار مطبوعات محلية متخصصة.
مركز بيو للأبحاث كشف عن مصدر دخل آخر من مصادر الدخول للمؤسسات الصحفية إلا هو سوق إعلانات الإنترنت والتي شهدت نموًّا مطردًا في السنوات الأخيرة حتى أصبحت تُشكِّل حوالي 33% من حصة السوق الإعلاني الإجمالي بمبلغ قدره 60 مليار دولار عام 2015 من مجموع 183 مليار دولار، كما قفزت إعلانات الإنترنت في 2015 بنسبة 20% مقارنة بسنة 2014.
وعلى الرغم من اتجاه المؤسسات الصحفية العالمية مثل الجارديان والواشنطن بوست نحو إطلاق تطبيقات عبر الهواتف الذكية كونها أكثر المواضع والاتجاهات الحديثة في المجال التقنية التي تساهم في جني الأرباح؛ إلا أن بعض المؤسسات الصحفية فى مصر لا تفضل ذلك على الرغم من أن هذا النوع من التطبيقات تتميز بوجود أنظمة تحليل ومتابعة لسلوك المستخدمين واهتماماتهم ومدى تفاعلهم، وتحليل هذه البيانات وإرسالها لشركات الأبحاث ووكالات الإعلان المهتمة، وبعض العملاء الذين يحرصون على معرفة مدى تفاعل المستخدمين مع خدماتهم ومنتجاتهم وهو ما يحقق مزيداً من الأرباح التي تساهم في تطوير منظومة العمل الصحفي.
ثقافة المحتوى الرقمي المدفوع غير مفعلة وهو ما برز عبر بعض التجارب الصحفية المحدودة جداً والتي لم تثبت نجاحاً كبيراً يسمح بتكرارها بشكل أكثر انتشارا على عكس المؤسسات الإعلامية الغربية التي تتخذ خطوات جريئة في الاستثمار في المجال الرقمي المدفوع، وهو ما نجده على سبيل المثال في مجلة "شبيجل" الألمانية الأسبوعية وموقعها الإلكتروني الإخباري "شبيجل أونلاين" والصحيفة اليومية الإلكترونية التي تحمل اسم "شبيجل دايلي" والتي يمكن الحصول على الإصدار الرقمي بمقابل 6.99 يورو شهريا، فيما تبلغ التكلفة الأسبوعية 2.49، وبالنسبة لمن هو مشترك في كل منتجات “شبيجل”، سوف يحصل على الإصدار الرقمي مجانا أو مقابل تكلفة إضافية محدود، وكذلك صحيفة "نيويورك تايمز" التي وضعت سياسة اشتراكات للمحتوى الإخباري على المواقع الإلكترونية، كواحد من مصادر الدخل لتنشيط مبيعاتها، بعد الانخفاض الهائل في إيرادات الإعلانات؛ حيث بلغ عدد المشتركين في خدمة المحتوى المدفوع للصحيفة 2.2 مليون مشترك.
بعض خبراء الإعلام يرون أن مسؤولي بعض المواقع الإخبارية التابعة للمؤسسات الحكومية، لديهم مقاييس غير عملية للحُكم على نجاح إصداراتهم وتفاعل القراء معها، لأنهم ينظرون إلى عدد الزيارات اليومية والفترة الزمنية التي يقضيها القارئ في الموضوع الواحد، على أنها المعيار الأهم لتحقيق معدل نجاح معقول، وهو ما سينعكس علي المرود الاقتصادي الذي تنشده المؤسسات الصحافية والذى في الغالب لن يتحقق، حيث يرون أنه من الممكن أن تكون قصة إخبارية مثيرة ولافتة كافية لاستقطاب الآلاف من القراء لمرة واحدة، لكنها لم تجذب منهم أي مشترك جديد.
في النهاية؛ يظل التحدي أمام نجاح مشروع الخدمة المدفوعة، أن يكون القائمون على رأس إدارة الصحف الحكومية لديهم خبرة التعامل مع الجمهور الرقمي والوفاء باحتياجاته، لأنه مهما امتلكت المؤسسات تراثا ومواد صحافية نادرة، فإن ذلك لا يهم شريحة كبيرة من الشباب الذين يفترض أنهم الجمهور الأهم للصحافة الرقمية وهو ما أكد عليه خبراء الإعلام أكثر من مرة عبر العديد من المواقع الصحفية، ولتحقيق ذلك يجب على أساتذة الإعلام إجراء مزيد من استطلاعات الرأي لقياس نوعية الموضوعات التي يفضل الشباب قراءتها عبر المواقع الإلكترونية والتي تشجعهم على الاشتراك ولو بمبالغ زهيدة مقابل قراءتها.