القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 01:45 م
كتب: ناصر إجو ـ المغرب
بعد ليلة متعبة من الرقص والشطح .. استلقى الأرنب تحت شجرة رمان، غاص في جمجمته نوم عميق، هدأ من روع الموسيقى و صخب ليلة رأس السنة، لكن الشجرة لم تكف بعد عن الرقص، لكن ليس نتيجة سعادتها بنهاية سنة وبداية أخرى، إنما تلك الرياح التي تهب بقوة عاصفة، تهز أغصان الشجرة في رقصة متناغمة مع تلك الرمانات المتدلية من الأغصان...في مجال بين جبلين مكتنزين بالغابات الخضراء الموحشة
لا وجود لأحد في المقربة، لا مزرعة و لا حظيرة لا إنسان حتى، لكن الأرنب قفز فجأة من مكانه بسبب رشقة جاءت تماما في جمجمته التي تتلو أناشيد الراحة والاسترخاء في عالم قريب من الموت تماما، فالأغصان ثائرة تقصف كل من حولها خاصة حين تهتز، هرول النائم بأقصى سرعة مكنته قوائمه، في اتجاه فتح عيونه المغمورة بالنعاس في أول وهلة...
ولج الأرنب الغابة اعتباطيا بحذر دقيق، يزيح الاغصان من أمام وجهه و أعينه، دون أن يرفع بصره عن الارض لتفادي الفخاخ التي وضعت في عقله قبل أن تضعها الأيدي الشريرة نصبا للفرائس أمثال الأرنب النائم... ظهر أمامه ثعلب أصفر بمظهر المتفاجئ من هذا الهارب من لا شيء، والحذر من لا شيء بعد دخول أقدامه للغابة الكثيفة...ثم سأله ما بك أيها الأرنب تجول بحذر بعد أن هرولت من هناك (مشيرا بيده إلى مكان نوم الأرنب(
رد الأرنب مختنقا: لقد كنت نائما نوما هادئا منتشيا بظلال الشجرة تلك، لكن أحد الأشرار قام برشقي بحجارة كاد يقتلني لولا ضعف قوة الرمي ...لذلك هرولت بروحي
الثعلب: و هل رأيت من قام بذلك أم فقط تهرول دون تأكد من مصدر الضربة ؟
الأرنب: نعم إنه وحش ذو قائمتين، إنه من بني البشر ...
رافق الثعلب الأرنب في رحلته خوفا من أن يكون المجرم قد لحق بفريسته...لم يطبق الثعلب هذه المرة مقولته الشهيرة (الذل لمن هرب دون معرفة السبب والتأكد منه) ... لم يمر الوقت كثيرا حتى التقيا بذئب وحمار وحشي في مستنقع وسط الغابة، كانا يتحاوران حول ما إذا كان الشر من الإنسان أم من الحيوان...تفاجأ الذئب من هذه الرفقة غير المسبوقة بين الأرنب و الثعلب ...ونادى عليهما : أيها الثعلب الماكر والأرنب الغافل إننا بحاجة لكما في الفصل بيني وبين هذا الحمار الأبله في موضوع الشر ....
لم ينتهي الذئب من كلامه المستهزئ والحامل للسخرية تجاه الجميع...حتى صرخ الأرنب : هيا بنا إن الشر آت من هناك لقد قام أحدهم برشقي، إن أردتما النجاة بروحيكما فلتلتحقوا بنا وإلا هلكتما... ارتعشت أوصال الحمار والذئب في المستنقع واتفقا في سرهما على أن الشر هو الذي رشق الأرنب حين كان نائما تحت الشجرة ...
الحيوانات أصبحت الآن أربعة ، دون توقف عن الجري والركض، حتى التقيا بالأسد والقنفذ، استفسرا الأخيرين ثم تلقيا نفس الإجابة من طرف الأرنب ...
لم يلتفت ملك الغابة نحو الخلف ولا كشر عن أنيابه ولا زمجر ولا زأر ...بل التحق بالجموع استمر الجري، حتى خرت قوى الهاربين كلهم، والتفتوا خلفهم فما كان ورائهم سوى الأشجار والغابة دون حركة غير الرياح تهب بقوة...شكلت الحيوانات حلقة لمناقشة الوضع، ما كان الموضوع سوى الجوع الذي جعل أمعاء البعض تلتهم من طرف المعدة على حد تعبير الحمار ...كانت القرعة هي الحل في اختيار الضحية والقربان لأجل أن يترك الجوع أمعاءهم ...
كان الذكي والأقوى سيقومان بمناورات وتزوير النتائج؛ لذلك فالأسد كرمز للقوة والقنفذ كشعار الذكاء، لن يقعا قربانا لجوع الهاربين ...جاءت النتيجة على الشكل التالي بعد تصويت لم يطلع أحد عليه غير أنياب الأسد وجمجمة القنفد: الأرنب هو الضحية، سيموت شهيدا على حد تعبير الحمار ...
لكن هل عظيمات الأرنب تكفي لسد رمق أمعاء الأسد ومجموعة من المفترسين الجائعين حد الموت؟
لم يستمر الحال على ذاك النحو حتى نظموا قرعة أخرى لذبح قربانا آخر، فكان الثعلب وبعده الذئب ثم الحمار؛ ليقتسم القنفذ والأسد لحم الضحية الأخيرة، التي قالت أن الأرنب شهيد حين ذبح على مقصلة الجوع ...
بقي الأسد والقنفد يتجولان في تلك الجبال معهما مؤونة مكونة من أمعاء الحمار الشهيد قديدة...لكن الأسد قام بالتهام نصيبه بسرعة، لتلبية حاجات جسمه من الوحدات الحرارية ...وبذلك بحث عن طريق لجعل جسد رفيقه القنفذ على شوايته، بعد صراع معدته مع الامعاء بسبب الجوع...لكن القنفذ فطن لمصيره قبل أن يصير على المحك، و لهذا خبأ في جلبابه الشوكي مصارين الحمار المذبوح، وأخذ يخرجها حيث ذكر الأسد حاجته بالطعام، و بهذا سأله الأسد: ما الذي تلتهمه يا رفيق ؟
أجاب القنفذ: التهم امعائي ثم تقع في بطني وحين أشعر بالجوع أخرجها مرة أخرى و هكذا، إلى حين يرأف بنا الإله و نخرج من هذه الغابة الموحشة ...
رد الأسد: لكن كيف أخرجت أمعائك من بطنك ؟
سعد القنفذ لهذا السؤال، وعلم أن رفيقه القوي قد يخفق بعد قليل بتهوره هذا، ثم أجاب: بهذا السكين يا رفيقي، فتحت جلد بطني ثم أخرجت أمعائي وجعلتها طعاما...هل تود تطبيق نفس الطريقة للبقاء على قيد الحياة، فلو كان جسدي سيكفي لسد رمقك، لوهبته لسيدنا ملك الغابة ....
أخذ الأسد السكين وغرزه بقوة في بطنه الجائعة، ثم سالت الدماء على الأرض، ونظر إلى القنفذ بنظرة المقت والكره، ثم خر صريعا على أرضية الغابة، فاتحا فكيه وكان أول الزوار لفمه المفتوح عن آخره، الذباب الأزرق و الأخضر،،..
أما القنفذ فقد أخذ ما ينقصه من المؤن لحما من قوائم الأسد الميت، وصار على نهجه سائرا حتى وصل إلى ظل شجرة الرمان التي رشق فيها الأرنب قبل أيام ... وبهذا أعلنت قوة الأجساد استسلامها لقوة العقول، بمباركة حبوب الرمان الحمراء.