القاهرة 06 اكتوبر 2019 الساعة 12:26 م
كتبت: سماح ممدوح حسن
مما لاشك فيه أن هناك صورة نمطية لدى المصرين عن الصعيد "جنوب مصر"، هذه الصورة إما إيجابية عن الشهامة والمروءة والكرم، وإما سلبية عن الأخذ بالثأر وانغلاق المجتمع الجنوبي فى كل شيء. ربما هذا الصورة صدرتها العديد من الأعمال التلفزيونية (ليست كلها بالتأكيد) والتي يرتدى فيها الممثلون ملابس غريبة، ويتحدثون بلهجات أغرب، ولا تنحصر أعمال الأشخاص فيها سوى فى ثلاث، إما تجارة المخدرات أو الآثار أو السلاح.
هذه الصورة الخاطئة رسخت فى أذهان الكثيرين صورة مختلفة عن الواقع فى الصعيد المصرى، لكن الحقيقة أن الصعيد (خاصة فى العشر سنوات الماضية) تغير بشكل كلي، وذلك بعد رواج نشاط الصالونات الثقافية ومدارس البالية، وتزايد عدد الفرق المسرحية، والفرق الغنائية، وفرق الفنون الشعبية، التي تحوز على جوائز فى مهرجانات الفنون الشعبية بأوروبا، أيضا النشاط السنيمائى المتزايد والمتغير بشكل ملحوظ، فبعد أن اقتصرت علاقة السنيما بالجماهير فقط على المشاهدة، أصبح الآن الجنوب هو من يصنع الأفلام.
لم تقف المركزية عائق أمام الفنون؛ فمن المعروف أن كل من يريد الازدهار فى مجال ثقافي فى الكتابة والغناء والتمثيل، يشد الرحال إلى القاهرة، لكن مع التغير الذى يجتاح الصعيد أصبحت السينما تصنع فى قلب الصعيد ولا أدل على ذلك من فيلم "سينما الجنوب" الفيلم الوثائقى والذى يعرض ضمن مُلتقى المدرسة العربية للسينما؛ حيث كل صناع العمل من مدينة ملوى بالمنيا! فيلم وثائقى من إخراج "مينا يسرى" وعن فيلم سينما الجنوب سألنا المخرج الآتي..
•عما تدور حكاية "سينما الجنوب"؟
سينما الجنوب هي حكاية السينما والجنوب معا، لقد ولدنا في الجنوب ولم نجد دور عرض سينمائية تعمل في نطاقنا الجغرافي، على سبيل المثال أنا من مدينة ملوي، وهي أقصى جنوب المنيا، عشت طوال حياتي هناك وأعلم أن لدينا سينما قديمة، فعادة ما يستخدمها الناس للإشارة إلى مكان ما، لكني لم أحضر فيلما فيها مطلقا، رغم أنني أحببت الأفلام جدا من خلال التليفزيون، لكني لم أشاهد فيلماً في السينما مطلقا إلا حينما أصبحت في الثالثة عشر من عمري وكانت رحلة مع أسرتي.
وتدور أحداث فيلمي عن انعدام تلك الحالة والمشاعر والتجربة بكاملها، وعن حق لا نتمتع به، المسرح والسينما في صعيد مصر شبه منعدمين، رغم أن تعداد سكان المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا ملايين إلا أنه لا توجد سوى سينما واحدة في مول تجاري بمدينة المنيا الجديدة
•لماذا كان الإهداء إلى رضوان الكاشف على وجه الخصوص؟
رضوان الكاشف هو مخرج جنوبي عظيم، واحد من رواد صناعة الأفلام رغم أنه لم يقدم سوى عدد ضئيل جدا من الأفلام، ولكنها عظيمة، لقد كنت أحب الأفلام منذ كنت صغيراً، ولكن فيلم "عرق البلح" جعلني أتساءل من هو المخرج وما هي وظيفته وثم أحببت أن أصنع أفلاما أيضا، لذلك أهديت فيلمي الأول لرضوان الكاشف رائد الواقعية السحرية، ولسبب آخر هو واضح أيضا أنه من ضمن القلائل الذين حكوا حكاية عن الجنوب وعن الجنوبيين بشكل فني عظيم ودون أن يقدموننا في صورة نمطية كتجار سلاح ومخدرات وآثار، ونقتل بعضنا البعض طوال الوقت ونسكن في قصور فارهة أو عشش معدومة، لقد كان "عرق البلح" حكاية عادية لا تشوبها صورا نمطية ومليئة بكل فنون وموروث الجنوب، وهو أيضا صاحب قضية وله رؤية لا يقدم الأفلام لمجرد التسلية، لقد جعل هذا الرجل طفلاً في الرابعة عشر يتساءل "من الذي كتب إهداء عرق البلح إلى الجنوب المُطارد بخبيئته؟ ولماذا كتبه؟ ولماذا الجد أخرس والفتى لم يسافر معهم؟" فما كان من الفتى إلا أنه أهدى فيلمه الأول إلى الجنوبي رضوان الكاشف.
•عن أبطال وشخوص الفيلم، من هم؟
هم أشخاص من الصعيد، منهم ما يزال مقيما في الصعيد ومنهم من رحل إلى القاهرة، لديهم تجارب ولديهم رؤية فيما يتعلق بالوضع الخالي لدور العرض.
•كيف ترى مستقبل السينما فى الجنوب خاصة، وصورة الجنوب بشكل عام؟
أنا أحاول من خلال مؤسسة مجراية في ملوي التي أديرها والتي قامت بإنتاج الفيلم أن نقوم بكسر الصورة النمطية عن الصعيد من خلال الفنون والغوص في ثقافة الجنوب، أعتقد أن السينما في الصعيد تحتاج إلى جهود جبارة، جهود دولة وليست جهود أفراد أو مجموعات، الصعيد مليء بهواة السينما ومحبيها وهؤلاء الأشخاص يصنعون أفلام رائعة رغم إمكانياتهم البسيطة، ويقيمون نوادي سينما لمشاهدة ومناقشة الأفلام، أحترمها بشدة ولكنها ليس بديلاً عن دار العرض السينمائية أو عن المدارس السينمائية التي يمكنها أن تقوم بتعليم هؤلاء المبتدئين بطرق منهجية واحترافية.
•ما هي المحطة القادمة التى تنتظر عرض "سينما الجنوب"؟
"سينما الجنوب" سيعرض في تونس الشهر القادم ضمن مهرجان القصير بالكاف الدولي، في سياق برنامج الأفلام الوثائقية القصيرة ضمن البرنامج الرسمي، وأسعى إلى أن أقيم عروضا أو المشاركة في مسابقات أو برامج عروض أخرى تحديداً في الصعيد.
•ما هو العمل القادم للمخرج مينا يسرى؟
فيلمي القادم سيكون فيلما قصيرا أيضا ولكنه روائي، تدور أحداثه في الصعيد، وبطله فتى جنوب، أسعى من خلاله إلى دمج الموروث الصعيدي بحياة فتى معاصر يحب الأفلام أيضا، الفيلم مقتبس عن مربع من الموروث الغنائي الشعبي للجنوب، والمربع هو فن صعيدي يطلق عليه أحيانا فن الواو ويمكننا اختصاره بأنه شكل من أشكال الغناء والمواويل الجنوبية.