القاهرة 01 اكتوبر 2019 الساعة 12:44 م
حوار : أمل زيادة
مُعلم وكاتب وناشر مصري صدر له العديد من الأعمال الإبداعية الروائية المتنوعة ، دراسته للعلوم جعلته في حالة شغف مستمر للكتابة في مجال الخيال العلمي والفانتازيا، الشيطان من أبرز اعماله والتي شكلت علامة فارقة في تاريخه ومشواره الأدبي أولاً ومع القراء ثانيا، اتجه لأدب السلاسل لأنها حلم طالما راوده وطالما آمل أن يظهر للنور، أسس دار نشر بعد أن خاض عدة تجارب متنوعة مع الناشرين المختلفين، قرر أن يحقق أحلام جيله بعيداً عن الانتفاعية والانتهازية التي تسود الواقع الثقافي، قدم روايته الجريئة "الشبح" وعبر فيها عن رؤيته للواقع المزري الذي يغلف عالم النشر وعلاقته بالكُتاب. كتب عن الوجه الأخر المستتر للواقع القميء ولكن في إطار ساخر، انتقد سلبيات الوسط الأدبي بجراءة يحسد عليها، هذا من بين عدة مؤلفات أخرى تركت علامة مع القراء، حول أول جزء من "سلسلة هيستريا" والتي تحمل عنوان "دليفري" التقينا الكاتب :محمد عبد الرازق.
ما هو اللون الأدبي المحبب إليك ككاتب شامل ؟
يجب أن يكون الكاتب كاتباً شاملاً وليس متخصصاً في لون محدد وهذا لأن العمل الأدبي هو ما يجبرنا على الكتابة بالرغم من النية المبيتة على الكتابة وما يتبعه من اختيار اللون المحدد لكن هذا لا يمنع أن هناك أعمالاً تكتبنا وتجبرنا على خوض مجالات وألوان مختلفة ، أما بخصوص السؤال فأعترف أنني أحب الكتابة في أدب الخيال العلمي .
لماذا اخترت أدب الخيال العلمي ؟
أولاً: لأنه مجال دراستي، ثانيًا لأنه مجال خصب للكتابة. فالعلم بحر لا ينضب. الكتابة فيه ممتعة لأنك تسبح في مجال ولون غير مألوف. حيث أنك تكتب فيما بعد ما توصل إليه العلماء .وليس كل من يكتب يمكنه الكتابة في الخيال العلمي. ليس لعدم قدرته الأدبية وإنما لأنه لابد أن يوازن بين ثلاثة نقاط الحبكة الدرامية التي تجذب القارئ وتجعله لا يمل من مواصلة القراءة والمعلومة العلمية الجديدة التي تجبر القارئ على العدو حتى يعرف هل هذه المعلومة حقيقية أم هي من وحي خيال الكاتب وبالتالي تعد رؤية للمستقبل . والقالب الذي يصوغ فيه فكرته سواء أكان قالبا علميا فقط أم رومانسيا أو رعب . لذا أعتقد أنها هبة لا يتمتع بها إلا كُتاب الخيال العلمي.
لماذا اخترت أدب السلاسل للكتابة فيه ؟
أدب السلاسل نوع من الأدب المميز الذي ينتظره الجميع وخاصة إذا كانت هناك فترة زمنية محددة لصدور اعداد السلسلة كل عام ، والسبب الرئيس في اختيار كتابة السلاسل هو أننا تربينا عليها وكانت هي بداية الطريق نحو مستقبل القراءة، فأردت أن اساهم في عودتها مرة أخري، وخاصة بعد توقف سلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل للدكتور نبيل فاروق ، وسلاسل ما وراء الطبيعة وفانتازيا وسفاري بعد وفاة العراب رحمه الله . أتمنى أن ينتعش هذا النوع من الأدب لأنه يشكل وعي جيل كما حدث معنا . هذه السلاسل تحبب الأجيال الجديدة في القراءة.
حدثنا عن سلسلة هيستريا ؟
سلسلة هستيريا، سلسلة مختلفة عن تيمة السلاسل المعروفة، فالبطل هنا هو الحدث نفسه، لذلك نجد في كل مرة احداث مختلفة بشخصيات مختلفة ، والهدف هنا هو الخروج من الرتابة ومن المعتاد، ولكنها في نفس الوقت تدور في إطار الخيال العلمي .
ماذا عن الجزء الأول " دليفري"؟
عامل ديليفري يعاني من الملل من المهنة ، في أحد الأيام يشير عليه زميله في العمل بالدخول إلى أحد المواقع الإباحية، لعله يجد فيها ما يغير حياته، ويخرجه من الملل، بالفعل ينفذ ما أشارعليه به زميله ليجد أنه ووقع فى شراك من الصعب الفكاك منه، فيجد نفسه مراقب من أناس لا يعلم عنهم شيء وهم يعلمون عنه كل شيء، تبدأ حياته تتغير عندما يصبح مطارداً ليل نهار، وفي النهاية يجد القارئ مفاجأة غير متوقعة .
هل ماهر بطل قصتك ضحية أم مذنب؟
ضحية ومذنب ، ضحية للشبكة التي وقع تحت سيطرتها ، ومذنب لأنه نفذ رأي زميله بالدخول لهذا العالم الذي لم يكن يفكر في دخوله قبل ذلك ، مما جعله ينتقل من خانة الضحية إلى خانة المذنب .فليس كل ناصح مُحب وأهل للثقة، وأعتقد هذا ما اكتشفه البطل أثناء الأحداث.
لماذا لم يكن للرحمة والعفو والغفران مكان في روايتك ؟
لقد حاولت إقامة شكل من أشكال الحساب، والقارئ العزيز سيجد أن جميع من وقفوا للحساب مذنبون، عاثوا في الأرض فساداً وكانوا سبب في ضياع وهلاك العديد من البشر، فبالتالي كان لابد من العقاب وبشدة .
هل الجهة التي تتبع ضحايا قصتك تهدف لتطبيق العدل أم تفعل ما تفعله للتسلية ؟
بالطبع كان الهدف هو تطبيق العدالة على الأرض، وليس هناك مجال للتسلية بأي شكل من الأشكال، مما جعل الرواية تأخذ منحني مختلف، ألا وهو القسوة في كل كلمة من كلماته، وهذا بالطبع لم يتضح بشكل مباشر، فمن الوهلة الأولى تعتقد أن البطل ضحية أشخاص مريضة تلهوا معه مستغلين التكنولوجيا الحديثة . لكن مع تسلسل الأحداث يتضح الهدف الرئيسي لهؤلاء.
بصفتك ناشر كيف ترى سوق النشر المصرية ؟
سوق النشر في مصر يحتاج للعديد من الضوابط كي يكون ناجحاً، فمع انتشار العديد والعديد من دور النشر الخاصة، أصبح الكاتب فريسة للناشر الذي لايري إلا العائد المادي فقط من مشروعه، فأصبح الشعار السائد لهؤلاء الناشرين هو ( ادفع أنشر لك ) وأيضا ( كم متابع على صفحتك ؟ ) مما جعل العديد من الكتاب أصحاب الأقلام الرائعة تضيع موهبتهم وسط هذا الوسط العجيب، ولكنني منذ أصبحت مديراً لدار يافي للنشر والتوزيع، وضعت قواعد أساسية للدار، أولاً دار يافي لا تتقاضى أي مبالغ مادية للنشر بل تتكفل بكل شيء من الألف إلى الياء، تصميم الغلاف والتدقيق والتنسيق والطباعة، ولكن بضوابط معينة، أولها /لجنة القراءة والتى هي في غاية القوة من حيث اختيار الأعمال، فلا ننشر إلا ما يستحق بعيدا عن الإسفاف واللغط، ثانيا / خريطة التوزيع الكبيرة التي تغطي أكثر من 90 في المائة من المكتبات داخل وخارج مصر، بجانب المشاركة في المعارض الداخلية والخارجية .
ما هي الآليات التي تتحكم في المعروض من الإنتاجات الثقافية ؟
مع الأسف هناك دور نشر تطلب من الكاتب أن يكتب في لون معين بحجة أن هذا هو المطلوب في السوق وما يطلبه القارئ، فنجد هناك أن الألية المتحكمة هنا هي النقود ولا شيء غيرها ، إلا أنني أري أن العمل الجيد هو الذي يفرض نفسه على الساحة الأدبية وفى أي مجال .هذا بخلاف أن دور النشر تتعامل مع الكاتب وكأنه آلة كاتبة تطالب بعمل كل عام . وفي لون محدد فكيف يمكن أن يخرج الكاتب عملا أدبيا قيما في ظل هذه الضغوط بخلاف أعباءه الحياتية والأسرية وظروف البلاد التي تنعكس بالسلب والإيجاب عليه. هذه المطالب تساعد على تراجع أصحاب الأقلام الموهوبة التي ترفض الانصياع لهذه الرغبات الغير منطقية.
ماذا ينقص الأدب العربي كي يصل للعالمية ؟
الثقة بالنفس والثقة في الأقلام الموجودة على الساحة بعد الفرز بالطبع . هذا بخلاف أن ترجمة الأعمال الأدبية تكلف مبالغا باهظة قد تكون عائقاً أمام الكاتب ودار النشر.
ما الذي ستقدمه للكتاب بصفتك كاتب ومررت بالعديد من العقبات في النشر ؟
أستطيع مد الكاتب والقارئ بعدة نصائح:
أولاً: لا تلتفت لدار النشر التي تطلب منك نقود مقابل النشر ولكن عليك البحث عن دور النشر التي تسعى لدعم الثقافة والأقلام الجديدة وهي التي لا تأخذ منك نقود مقابل النشر ، عندما يُقبل عملك في أحد هذه الدور تأكد أنه عمل مميز ويستحق النشر .
ثانيا: جمهور القراء يتميز بالطمع إذا نال عملك الأول إعجابه فلابد أن يكون الثاني أفضل حتى لابد أن تبهره دائما بالمحتوى الذي تفاجئه به.
ثالثا: جمهورك الحقيقي هو من لا يعرفك ، حيث لا مجال للمجاملات من الأقرباء والأصدقاء وهو أمر من الصعب تحقيقه في ظل هذا الكم والعدد الهائل من الكتاب الذي يميز الساحة الأدبية المصرية.
رابعاً: دار النشر ستصنع الكثير لنجاح كتابك، ولكن ذلك لن يعفيك من المسئولية تجاه كتابك، فلابد أن تعمل على كتابك وتروجه بصورة جيدة .بأن تنشر كل الآراء سواء سلبا أو إيجابا على كتابك . وأن تنشر منه بعض الفقرات التي تعد جاذبة وتثير شغف القارئ من فرط إثارتها وغموضها. الكتاب مشروع نجاح مشترك بين الناشر والكاتب. نجاح الكتاب يضيف وينعكس على الاثنين.
بماذا تنصح القارئ والكاتب بوجه عام ؟
نصيحتي للقارئ ، أن يختار الأعمال التي يقرأها ، لأنه يقرأ بهدف المتعة الشخصية ويبتعد عن الإسفاف وأن يضع نفسه مكان الكاتب ويقدر ما يمر به من مجهود أثناء الكتابة فلا يسخف من أي عمل لا يتفق مع اهواءه لأن الكتابة في الأول والآخر أذواق ولكل منا ذائقته الأدبية الخاصة.
أما نصيحتي للكاتب ، أكتب بإحساسك بروحك تأكد أنك ستخرج عمل رائع ، وأعلم أن الأفضل لم يأت بعد . تأكد أن من يخرج من القلب يصل للقلب. كن أمينا ودع نصب عينيك أن عملك يدوم للأبد فاجعله سُنة حسنة لك مدى الحياة. لابد أن يحتوي على رسالة سامية أو رؤية إصلاحية تدوم . كن أبعد الناس نظرا وأعمق البشر فكرا وحسا.
كيف ترى الشأن الثقافي ؟
الساحة الثقافية بوجه عام تشهد تقدما وازدهارا، على الرغم مما تتعرض له من عواصف ومعوقات قد تتسبب في إحباط البعض وعزوف آخرون عن التواجد، رغم كل هذه العقبات أؤكد أن الوضع الثقافي على المستوى المحلي يشهد طفرة من حيث ظهور العديد من الأقلام الجيدة والموهوبة. بخلاف جيل الأوائل من الأدباء الذين برزوا عقب ثورة يناير. هذا الجيل الذهبي من الكُتاب. فقد ساهمت هذه الفترة الهامة من تاريخ الوطن في بزوغ نجم العديد من الأسماء الأدبية الشهيرة في الوسط الثقافي في الوقت الحالي، الذي يحسب لهم إعادة الشباب لحب واقتناء الروايات والكتب.
ما هو جديدك؟
سأواصل نشر الجزء الثاني من سلسلة هيستريا والتي تتضمن تأثير التكنولوجيا على حياتنا . وهل ستكون سببا في تدمير حياة البعض كما عرضه الجزء الأول دليفري أم سيكون لها تأثير مختلف وإيجابي؟ هذه أسئلة لن تجدوا لها أية إجابات في الوقت الحالي . حتى لا أحرق الأحداث، لكني أعد أن العدد الجديد سيكون مختلفا تماما عن العدد الأول من حيث الأحداث وكم التشويق والإثارة والغموض، هذا بخلاف متابعة إصدارات دار النشر من حيث مراقبة وجني ثمار ما ننشره من خلال منصتنا الثقافية الذي أعتز بكوني مديرا لها.