القاهرة 01 اكتوبر 2019 الساعة 12:41 م
كتب: د. حسين عبد البصير- مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
أعلن عدد من علماء الآثار أنهم اكتشفوا عطرًا من خلال حفائر البعثة الأثرية لجامعة هاواي الأمريكية في مدينة منديس الأثرية في منطقة تمي الأمديد في محافظة الدقهلية، وأنهم نجحوا في إعادة تركيبه في معامل جامعة أمريكية، وقاموا بتصنيع العطر من خلاصات نباتات وأعشاب أحضروها من نفس المناطق التي جاءت منها مواد صناعة العطور في مصر القديمة.ومن الغريب أنهم ادعوا أن هذا العطر قد استخدمت الملكة البطلمية الشهيرة الملكة كليوباترا السابعة!
ومن المعروف أن قوام العطور في العالم القديم كان أكثر كثافة بكثير مما يُستخدم الآن؛ إذ كان يشبه إلى حد كبير قوام الكريمات والمراهم الحالية، ومن الجدير بالذكر أن هناك معرضًا أثريًا في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي افتتحت الجمعية الجغرافية الأمريكية بعنوان "ملكات مصر"، وتشمل معروضاته قارورات هذا العطر المعاد إنتاجه، وطبعًا يرجع ذلك الادعاء بأن كليوباترا قد استخدمت هذا العطر إلى أن الأمر يعد مثيرًا أن يشم الإنسان العطر الذي استخدمته هذه الملكة الجميلة الساحرة كليوباترا الذي تعطرت به وأن أحدًا لم يشم هذ العطر منذ أكثر من ألفي سنة، ودون شك فإن كليوباترا كانت على دراية كبيرة بالعطور، وكانت تستخدم العطور الأكثر قيمة وشهرة في العالم في عهدها الشهير تاريخيًا وحضاريًا.
وهذا الكلام ليس له أساس من الصحة وينافي الحقيقة العلمية لأسباب عدة. فكيف عرف هؤلاء العلماء أن الملكة كليوباترا استخدمت هذا العطر؟ فلا توجد حقيقة وحيدة تربط هذا العطر المكتشف في هذا الجزء من الدلتا بهذه الملكة الساحرة، وهذا الجزء من الدلتا وأعني مدينة منديس، في موقع تمي الأمديد، عاصمة الأسرة التاسعة والعشرين الفرعونية، كان بعيدًا جدًا عن بلاط الملكة كليوباترا في مدينة الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط.
ومن المعروف أن كليوباترا كانت نهايتها بعد معركة أكتيوم البحرية التي كانت بعيدة تمامًا عن هذا الموقع الذي تم في اكتشاف بقايا العطر من قبل هذه البعثة، ومن المعروف أن مدينة الإسكندرية كانت عاصمة الملكة كليوباترا وكان بها العديد من رجال العطور ومصانع العطور التي كانت تتعامل مع البلاط الملكي مباشرة في الإسكندرية.
ولا يوجد أي دليل أثري واحد يوضح ارتباط كليوباترا بالمكان ولا ارتباط هذا العطر بها، والحقيقة إن البعض يحاول أن يحقق شهرة وفرقعة من وراء أي اكتشاف يقوم به وينسبه لأية شخصية تاريخية مشهورة مثل كليوباترا السابعة الملكة البطلمية الشهيرة أو إلى الإسكندر الأكبر الفاتح العظيم في العالم الكلاسيكي. وبالفعل قد تم تقديم العديد من الأعمال الرصينة التي تناولت حياة كليوباترا بشكل صحيح.
ومن المعروف ان المصريين القدماء استخدموا العطور، وعثرنا على العديد منها وكذلك على الورود مثل الورود التي وجدت في مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون والتي تركت فوق تابوته أرملته الشابة عنخ إس إن آمون، إذن فمعرفة العطور أمر ليس غريبًا على المصريين القدماء، لكن ربط هذا العطر تحديدًا بكليوباترا السابعة الساحرة الجميلة هو الأمر الغريب والمخالف للعلم والمنطق.
واتباع المنهجي العلمي في نشر الأخبار عن الاكتشافات الأثرية الحديثة ضرورة، وذكر الحقيقة العلمية لا الإثارة أو الفرقعة هو المطلوب من علماء الآثار، وكليوباترا بريئة من هذا العطر المنديسي.