القاهرة 17 سبتمبر 2019 الساعة 01:06 م
وسط انشغالنا بسؤال الماضي والحاضر يحلق سؤال المستقبل دائما فى الأفق ويلوح وبإلحاح أنه من الواجب الاستعداد له .. ومن الآن، ولكى نستعد لهذا المستقبل يتوجب علينا إعادة صياغة استراتيجياتنا و رؤانا فى كافة المجالات؛ بداية من وضع سيناريوهات مستقبلية لملفات الصحة والتعليم وحتي استعادة قوة مصر الناعمة واستعادة دورها الثقافي؛ وهو ما لم يحدث إلا عبر وضع سيناريوهات للمستقبل - القريب والمتوسط والبعيد-.
ولكي تستعيد مصر قوتها الناعمة ودورها الريادي في المنطقة على مستوى الثقافة والفكر والفنون يجب أن يكون المدخل لصياغة هذا المستقبل سؤال إلا هو :" ما هي استراتيجية القائمين علي الإصدارات الصحفية الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية مستقبليا؟"، والتى يبلغ متوسط عددها 20 إصدار يتنوع ما بين المجلة والجريدة الأسبوعية والشهرية، المطبوعة والإلكترونية، ما كان متوقف منها عن الصدور وعاد مرة أخرى أيضاً، وما توقف منها لأسباب تتعلق بضعف نسب توزيعها أو قلة رواجها.
وللإجابة عن هذا السؤال كان عليا لزاماً أن أجمع البيانات الخاصة بعدد الإصدارات الصحفية الصادرة عن قطاعات وزارة الثقافة ( الهيئة المصرية العامة للكتاب- الهيئة العامة لقصور الثقافة –قطاع الإنتاج الثقافي – البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية)، لكن للأسف لم يتثنى لى الحصول على إحصائية بهذه الإصدارات وهو ما دفعنى لحساب متوسط عددها والذى بلغ ما يقرب العشرين إصدار صحفي كما أشرت من قبل، ومع ذلك تعالوا معاً نضع ولو بعض التصورات لسيناريوهات المستقبلية لهذه الإصدارات، التصور الأول لهذه الإصدارات إلا هو سيناريو المستقبل القريب والذى يتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات، حيث أنه من المتوقع أن يتم تحويل الإصدارات الصحفية المطبوعة الصادرة عن الوزارة لإصدارات رقمية، ولعل إطلاق الهيئة العامة لقصور الثقافة موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت يناير الماضى خير دليل على ذلك، وهو موقع يضم أجندة البرامج الشهرية، وبيان العروض الفنية والمسرحية والفعاليات الأدبية، مقتنيات الحرف اليدوية، والفنون التشكيلية، المأثورات الشعبية وإصدارات الكتب وشروط وآليات التقدم للمسابقات الأدبية والبحثية والفنية، مشروعات اكتشاف المواهب مع ربط الموقع بالدوريات الإلكترونية منها جريدة مسرحنا، مجلة الثقافة الجديدة، مجلة مصر المحروسة وكذا قناة الهيئة على "اليوتيوب" وصفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ولعل باقى قطاعات الوزارة التى مازالت تتمسك بإصدار نسخ مطبوعة من إصداراتها الثقافية تحذو حذو "قصور الثقافة" خلال المستقبل المنظور؛ حيث أنه من المتوقع أن يتحول من 30 إلى 35% من الإصدارات المطبوعة للنسخ الرقمية.
وهنا يتوجب علينا النظر لبعض الإصدارات الصحفية الدولية مثال صحيفة "ذي اندبندنت" التي استغنت عن صحيفتها الورقية وحصرت اصداراتها بالنسخة الرقمية، بعد التدهور الكبير في مبيعاتها خلال السنوات الاخيرة، فبعد أن حققت الصحيفة في الثمانينيات طفرة في المبيعات وصلت الي 428 الف نسخة يوميا انهارت مبيعاتها إلي أقل من 28 الف نسخة عام 2016، وهو ما يتوجب على رؤساء تحرير الإصدارات الصحفية المطبوعة لوزارة الثقافة إعادة النظر فى مسألة التحول للمجال الرقمى خاصة فى ظل تراجع توزيع إصداراتهم المطبوعة وهو ما يجعلهم غير قادرين على سداد مكافآت من يكتبون فيها من كتاب ومحررين، ولنا فى مجلة "ذوات" الإلكترونية وهي مجلة ثقافية صادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث عبرة ومثالا، وهى مجلة تضم أطياف متنوعة من الأقلام من كافة أنحاء العالم العربي وتلعب دوراً مؤثراً وتفاعلياً داخل الأوساط الثقافية العربية، وهو الدور الذى نبحث عنه وعلينا تحقيقه من خلال إصدارات وزارة الثقافة المصرية فى إطار استعادة القوة الناعمة المصرية.
السيناريو الثاني إلا هو السيناريو الخاص بالمستقبل المتوسط خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، حيث أنه من المتوقع دمج إصدارات وزارة الثقافة بالكامل – المطبوعة - وتحول إصداراتها لنسخ إلكترونية، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك فى ظل الركود الاقتصادي ونقص عوائد الاعلان والاشتراكات الذى تشهدها، كما انه من المتوقع أن تسعى إدارات تحرير إصدارات الوزارة الصحفية – المطبوعة والإلكترونية - للاهتمام بتوثيق الصفحات الخاصة بها على "فيسبوك" و"تويتر" وذلك لضمان وصول وانتشار المحتوى لأكبر عدد ممكن من القراء والمهتمين بالشأن الثقافى، والاستفادة من عوائد الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يضمن لها تحقيق عوائد مادية تضمن استمرارها بعد تغطية نفقاتها.
السيناريو الثالث؛ إلا هو المستقبل البعيد، والذى يتراوح بين خمسة عشر سنة وخمسة وعشرون؛ حيث أنه من المتوقع تحول الإصدارات الصحفية للوزارة إلي "تطبيق إلكتروني عبر الموبايل" ؛ حيث أنه من المتوقع أنه تقفز حصة الإعلانات بتطبيقات الهواتف الذكية بحلول عام 2020 والسنوات التى تليها من 58 % إلى 62%، وذلك فى ظل نمو سوق تطبيقات الهواتف الذكية بنسبة 270% من 70 مليار دولار فى 2015 إلى 189 مليار دولار بحلول عام 2020، كما من المتوقع أن ينمو الوقت الذى يقضيه المستخدمون على التطبيقات بنسبة 114? خلال تلك الفترة وما بعدها، وستكون تطبيقات الألعاب مسئولة عن 55% من عائدات المتجر، لكن الفئات الأخرى سوف تنمو بسرعة هى الأخرى، حيث من المتوقع أن ينمو الوقت الذى يقضيه المستخدم فى تطبيقات التسوق والنقل والصحافة ثلاثة أضعاف، إضافة الى انتشار المحتوى عبر تطبيقات الهواتف الذكية وهو ما سينعكس على توسيع دائرة قراء الصحف من خلالها وهو ما سيلعب دوراً كبيراً فى إيصال المحتوى الثقافى المصري لكافة الأقطار العربية والإفريقية؛ خاصة فى حال الاهتمام بالقصص الصحفية المكتوبة بلغات غير العربية وهو ما سيخدم مسألة تفعيل الدور الثقافى المصرى واستعادة القوة الناعمة المصرية.