القاهرة 17 سبتمبر 2019 الساعة 12:49 م
بقلم :د. هبة سعد الدين
هناك عادة مساحة من الحوار بين كل ما هو مكتوب والسينما على امتداد التاريخ ، فعندما ظهرت السينما كان الأدب مصدرها الأساسي والوحيد ؛ فذلك الفن الوليد لم يكن له مخرج سواه ، لكن التطورات الإنسانية والاجتماعية جاءت بمعالجات سينمائية وإدراك لصعوبة وتشابك العلاقة ما بين الكلمة والصورة ؛ حتى أن الكثير من الأدباء غضبوا عندما شاهدوا اعمالهم واتهموا صناعها بإفساد إبداعهم ، ونفى البعض الآخر علاقته بها وأكد أنه غير مسئول عن الصورة ، بينما اعترف الثالث أن هناك أبا شرعيا آخر فى تلك الحالة . ولذلك يعد كتابة بعض الاعمال للسينما ؛ خطوة لابد من النظر لها بعين الاعتبار ؛ خاصة عندما تكون استكمالاً لنجاح سابق.
والجزء الثانى من فيلم "الفيل الأزرق" وهو اللقاء الرابع بين أحمد مراد ومروان حامد بعد : الأصليين وتراب الماس والجزء الأول من الفيل ، علامة لابد من التوقف لرصد ملامحها وخصوصيتها. فكتابة أحمد مراد لها سمات خاصة ؛ بعيدا عن تقييمها فى إطار الأدب ، فتلك العوالم الأسطورية حينا والخفية فى أحيان والشخصيات المختلفة والأحداث ذات المنطق الخاص ؛ كل ذلك يجعل اختيار أعماله موضع اختبار خاصة أن الكتابة أكثر رحابة مما يشكل صعوبة فى نقلها على الشاشة ؛ والفيل الأزرق بأحداثه وشخصياته يجعلنا نتساءل هل كان مفتاحا لدخول سينما ذات صورة مختلفة ؟
لابد وأن نتفق أن السينما كصورة لها قواعدها الخاصة وإبهاراتها المستعينة بالتقنيات ليظهر الشريط السينمائى صوت وصورة بكل بإبداعاته ، فنحن أمام عمل يدخلنا عوالم التخاريف والأساطير ، ويأتينا بأماكن وأزمنة متعددة تتناسب مع الاحلام وسطوتها ، وليدرك هشام نزيه ذلك فيصاحبها بموسيقى تصويرية تتجاوز الزمان والمكان فتضيف لكل ذلك مساحة من الترانيم وكأنها أحجية صوتية لها شفراتها التى تلتقى مع تلك الأسرار ، وتصاحب الأحداث حركة متميزة للكاميرا تنتقى الكادرات وكيفية الانتقال بسلاسة معها ؛ فترصد التطورات لنرى عالماً موازياً له قانونه .
بدايةً جاء الجزء الثانى الذى اعتمد على نجاح الأول بذات الفيل الأزرق وتوابعه من شخصيات وأحداث وأفكار ؛ يمكنك أن تتبع خط سيرها قبل رؤيتها ، لذلك جاء ابهار اختيار الشخصية الرئيسية الجديدة هند صبرى الشهيرة ب "فريدة" لتلقى أبعادا متطورة على العمل ككل ، وليقدم كل فنانى الفيلم مساحة من التألق تضاف لتاريخهم فنضج كريم عبد العزيز ونيللى كريم ومشاهد إياد نصار وخالد الصاوى وشيرين رضا القليلة تخبرنا بأدق التفاصيل.
الفيل الأزرق جعلنا نرى بوضوح تلك الكيميا ما بين أحمد مراد ومروان حامد القادرة على صنع سينما مختلفة متجاوزة لما هو معتاد ، فتقدم بذلك خطوة فى تاريخ السينما المصرية لابد من التوقف أمامها فكتابات "مراد" التى تبحث فى كل ما يحيط به الأسرار تشكل تحديا لمروان الذى عليه أن يواكبها إبداعا صوت وصورة ، فهنا تعانق السينما الزمان والمكان على مر العصور ، وإن كانت فانتازيا الأحداث ما بين أزمنة تتعدد لتتبع حل اللغز وأماكن تتسع لها حركة الكاميرا ويصاحب كل هذا تطورات تكنولوجية قادرة على تتويج كل عناصر الفنون لتصنع ملحمة خاصة تحمل توقيع مروان حامد الذى وجد فى أحمد مراد ضالته الجديدة التى أراد من خلال أفكاره والغازه أن يقدم سينما مختلفة ، فها هو يستغل كافة الفنون السينمائية من موسيقى ومونتاج وتصوير وغيرها ليغوص فى الزمان والمكان على امتداداته لنستمتع وننبهر ونتساءل عن ما بعد الفيل !!.