القاهرة 12 سبتمبر 2019 الساعة 03:56 ص
كتب ـ أحمد مصطفى الغـر
جرت العادة بعض المثقفين وكتّاب أعمدة الرأي والمقالات في الصحف والمجلات، بأن يعيدوا نشر مقالاتهم المتناثرة مجمعة في كتب، وهي عادة مفيدة إذا كان ما يتم جمعه من مقالات فيه ما يُغني، وتحمل موضوعاتها ما يُثري، وإذا هناك ما يربطها ببعضها، ووُضِعَ للكتاب مقدمة جامعة يهتدي بها ذهن القارئ، لكن ماذا إذا كان الهدف من جمع المقالات أن يُضَاف إلى قائمة كتب المؤلف كتابٌ جديد، ليس أكثر ولا أقل؟!
لا يمكن تعميم الحكم على كتب المقالات المجمعة، فمع توافر معظم هذه المقالات على الشبكة العنكبوتية، ومع عدم تعديل الأخطاء في المقالات المنشورة أساسًا، أو الإبقاء على ما غمُض فيها، أو مع دخول معلومات وحقائق جديدة عليها، فإن أمر إعادة نشر المقالات في كتب جديدة فيه تكرار غير مفيد للقارئ، لكن ربما يكون مفيدًا للمؤلف، من حيث إنه سَيُقال "صدر للمؤلف كتاب جديد .."، وما هو من هذا القبيل. والعكس بالعكس، فهناك مقالات لا تفنى مع الزمن، وتظل ما تحمله من حقائق ومعلومات واستفادات مهمة ولا تصيبها الشيخوخة مع الزمن.
وللكاتب اللبناني القدير "سمير عطا الله" تجربة مهمة في تحويل المقالات إلى كتب، كما أنه قد كتب مقالة ذات يوم، تحمل عنوان "المهنة الآثمة"، تم نشره بتاريخ (25 ديسمبر 2018)، وقد عرض فيه رأي بعض دور النشر التي لا تجد في تجربة تحويل المقالات الى كتب ما يكفي من البيع، وأن بعضها قد بات يتحاشى ما أمكن هذا النوع من الكتب، وذلك لاختلاف ظروف نشر المقالات في كتابٍ بين زمنٍ وآخر، وقد سبق وأن جمع طه حسين مقالاته، وكذلك فعل العقاد، كما جُمِعَت مقالات الطيب صالح، وأنيس منصور، وأدونيس، وعبد السلام بنعبد العالي، وعبد الفتاح كليطو، وغازي القصيبي، وتركي الحمد، ومحمد جابر الأنصاري، ويوسف الخال، وغيرهم كثيرون، وهي كتب ثمينة لا يمكن إغفال قيمتها وأهميتها.
لكن على الجهة الأخرى، فإن بعض المقالات تبقى لها أهميتها وحظها من الشهرة والأهمية، بل ان بعضها قد غيرت مجرى التاريخ الفلسفي والعلمي، مثلما نجد ذلك في مقال "في الطريقة" لديكارت، ومقال "في الميتافيزيقيا" للايبنتز، وأيضا مقال "اللوغوس" لهوسرل، ومقالات الشباب لهيجل، ومقالات رولان بارت، ومقالات غاستون باشلار، وهى مقالات مكتنزة بالعلم، والمعرفة، والقدرة على إثارة النقاش، وتغيير طرق المعرفة ورسم منعطفاتها، فلا يمكن انكار أهمية هذه المقالات وغيرها، وأهمية جمعها في كتب تحفظها من النسيان أو الفتور.
بعض هذه الكتب، وبالرغم من كونها تحمل بين طياتها مقالات منفصلة، وسواء كانت متصلة أو مختلفة في سياق موضوعها وفكرتها، فإنها تشكل نواة دراسة، أو أطروحة، أو نتيجة بحث، ليستفيد منها القارئ والباحث لما تحويه من تمارين فكرية، وفلسفية، أو أدبية، كما تحوي تسلية للشغوف بالمعرفة، ومساحة للنقاش والحوار، لكن المؤسف في بعض الأحيان، هو عندما لا يتعب الكاتب نفسه من أجل تهيئة المقالات لتكون كتابًا، سواء عبر تعزيز المعلومات الموجودة بها وأن يدعمها بمعلومات حديثة وحقائق أثبتها الزمن وغيّرها، وأن يراجع النص ويعيد صقله، أو تحشية الكتاب ببعض الهوامش والتعليقات المساعدة، فعدم فعل ذلك يجعل من الكتاب مجرد إعادة تدوير لأفكار قديمة بالية، ولا جدوى من تكرار النصوص في هذه الحالة، إذ ستكون في هذه الحالة مجرد قصاصات يُعَاد نشرها.