القاهرة 10 سبتمبر 2019 الساعة 12:32 م
بقلم: د. هبة سعد الدين
قليلة هي الأفلام التي تبحث وراءها لماذا لم تعجبك، فالجهد الواضح في كل التفاصيل والصورة المتميزة تجعلك في حيرة من أمرك، شعرت بهذا الاحساس بصورة قوية أول مرة وأنا أشاهد فيلم "كف القمر" للمخرج خالد يوسف وسبقه بدرجة محدودة فيلمه "دكان شحاته"، مما جعلنى أسعى للحصول على اجابة، وقد كانت واضحة فعلى الرغم من كل الأسماء المتميزة التي وراء هذا العمل ؛ إلا أن تحميله بأفكار هو سر عدم الإعجاب !!
ليست المشكلة في تحميل العمل بأفكار مهما كانت ؛ فكل الأعمال تحمل بدرجة أفكار صانعيها ، لكن الأزمة تواجه المبدع والمتلقي معاً عندما يحمل العمل مالا يمكن حمله، ففي كف خالد يوسف أوقف استمتاعي ذلك القدر من الأفكار الذي جعل كل ما أراه بعيدا عن المنطق لأتساءل ما ذنب "ذكرى" الذي أصبح مسئولاً عن كل شيء وما هذا الجفاء الذي أبعد أصابع الكف عن بعضها ونفسها ؛ لأجد الإجابة في أفكار خالد يوسف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حملت الفيلم ما لا يحتمل!!
وها هو اللقاء مع "خيال مآتة" للنجم أحمد حلمى الذي استطاع أن يسجل بموهبته الملكية الكاملة للعمل ؛ ليصبح اسمه علامة بمفرده بعيداً عمن معه ، لكنه هذه المرة بصحبة الرائع عبد الرحيم كمال صاحب بصمة الكتابة التي لا يمكن أن يخطئها مشاهد ، وتجربة ثانية بعد "على جنب يا اسطى" للمخرج سعيد حامد تلاها العديد من المسلسلات التليفزيونية التي وإن تراوح نجاحها إلا أنها تخبرنا بكاتب متميز وها هو اللقاء !!
تُرى هل كانت أفكار عبد الرحيم كمال أم أحمد حلمى وراء هذا القدر مما لا يحتمل ؟
لقد جاء الفيلم مزجاً بين شخصيات وأحداث وتصاعد درامي ؛ ليتفرق دمه بين كل هذا ، فتارة ذلك البخيل الذي ندرك أنه صُدم في حبه وتخيل غدر محبوبته ليفاجأ أنها عرفت بخداعه لها ، لكننا لا ندرك لماذا كل هذا ؟، "الكيان" الذي يستمر ولايمكن الوقوف أمام إرادته وبروش أم كلثوم تحديداً؛ رمزاً لقوتنا الناعمة وتراثنا المنهوب والصراع عليه ما بين ثرى عربي وثرى يريد الانتصار على غريمه وسارق يرغب في بيعه مرتين واسترجاعه في ذات الوقت ، ليكسر "الحفيد" تلك الدائرة ويسترجع البروش وبعده كل ما نهب من ثرواتنا من قِبل "الكيان" !!
لم تشفع تلك الأسماء الكبيرة في "خيال مآتة" ولا اسم المخرج خالد مرعى صاحب الخمسة أفلام لحلمى والتي لاقت بعضها الكثير من النجاحات أشهرها "عسل أسود" في منح الفيلم النجاح الجماهيرى الذي ينتظره فالإيرادات التي تجعله بعد عرض ثلاثة أسابيع لم تتجاوز 31 مليون بينما اقترب الآخر في نفس الفترة من 100 مليون!!
علامة لابد من التوقف أمامها؛ خاصة مع رصيد حلمى السابق من الإيرادات والنجاحات الجماهيرية ، بالتأكيد شباك التذاكر أحد المؤشرات لكنه مع حلمى؛ يرسل برسالة واضحة عليه أن يدركها ويفكر فيما وراءها .
لا يعيب العمل طزاجة الفكرة والتناول الذي صاحبه إبهاراً في الصورة والصوت الذي يتزامن مع كل هذا؛ لكن المشاهد لن يرى "الكيان" الذي نهب ثروة مصر أو ذلك الحفيد الذي يعيد كل ما سرق بمصاحبة النصابة التائبة، أو ذلك الشجن وفلسفة الثلاثة أيام؛ بل قد يرى كل ذلك في صورة غير مكتملة درامياً، فصياغة الأفكار بهذه الصورة ليس دليلاً على وصولها للمشاهد وكذلك ليس مؤشراً على نجاح العمل بصورته الفنية للوصول إلى محبى أحمد حلمى الذي عليه أن يعيد التفكير فيما قدمه في السنوات الأخيرة، وعلى المتألق عبد الرحيم أن يحذر الإغراق في أفكار لا يحتملها العمل أو ينتبه ليجعلهما عملة واحدة .