القاهرة 10 سبتمبر 2019 الساعة 12:24 م
حوار :أمل زيادة
النور يشتت ظلام الجهل والتعصب .
"برنامج لمبة" نافذة إليكترونية تبث الضوء و تنير الطريق والبصيرة لكل متردد وتائه.
الإلحاد ظاهرة زادت بعد سقوط الأقنعة عن الوجوه الموثوق فيهم مؤخراً.
السينما المقروءة أقرب للقارئ من السينما المرئية.
فيلمين في كتاب أحدث إصدارات السيناريست شريف عبد الهادي.
الكاتب والأديب شريف عبد الهادي شاب وسيناريست متميز جسدت كتاباته على شاشة السينما. يقدم لوناً جديداً من الكتابات المرئية "سينما مقروءة". يرى أن المبدع الحق هو من يطور من أدواته وأفكاره وطريقة الطرح. يعبر بقلمة عن هواجسه بصفته أب وتخوفاته من المستقبل والحياة. يدرك أهمية القلم فسخر فكره وقلمه وقدم برنامجًا تنويريًا على اليوتيوب. يرى أن الكتابة لديها قدر أكبر من الحرية بخلاف العمل في الميديا والإعلام. حول أخر وأحدث مؤلفاته "فيلمين في كتاب" كان لنا معه هذا الحوار
من هو شريف عبد الهادي؟
-شريف عبد الهادي كاتب روائي وسيناريست، لي أكثر من مشروع أدبي، على رأسهم "السينما المقروءة" قدمت ثلاثة أعمال بهذه الطريقة هم "كوابيس سعيدة"، و"تيستروجين"، وأخيرًا "فيلمين في كتاب، نار باردة، وأكاذيب حقيقية"، إلى جانب روايتين هما "أبابيل" و"ملكوت"، وكتاب "حبيبة قلب بابا" الذي كان مجموعة من المقالات عن "هواجس أب يخشى أن تكبر ابنته فلا تجده"، وهي مقالات تنتمي لأدب الاعترافات.
ما هي السينما المقروءة ؟
هي نوع من الكتابات تمزج بين الأدب والسينما حيث تقدم أفلامًا سينمائية في كتب، يشعر القارئ وهو يقرأها كما لو كان يشاهدها.. وهي ليست سيناريوهات صرفة، بقدر ما هي مزيج من السرد الأدبي الروائي بكل ما يحمله من مشاعر وأحاسيس، لكنها مكتوبة بإيقاع سينمائي، ولغة حوارية عامية كتلك المستخدمة في أغلب أفلامنا المصرية. فقد لاحظت أن مصطلحات السيناريو مثل "ليل داخلي – نهار خارجي- قطع" وغيرها من المصطلحات، تصنع حاجزًا بين النص والقارئ، فقمت بحذف هذه المصطلحات الأكاديمية من أفلامي المقروءة، كما أن وصف الصورة في السيناريو السينمائي غالبًا ما يكون جافًا، لا توجد به مشاعر وأحاسيس لأن السيناريو السينمائي هو نص وسيط، ليس مكتوبًا بشكل مباشر ليتذوقه الجمهور، ولكنه بمثابة خطة عمل يتم تنفيذها وتحويلها إلى صوت وصورة على الشاشة الفضية، لكن في أفلامي المقروءة الأمر مختلف، حيث يشعر القارئ بروح ومشاعر داخل السطور، لأنها أفلام لن يراها على الشاشة، ولن تكون هناك ملامح فنانين وموسيقى تصويرية لإيصال الشعور إلى المشاهد، وبالتالي أجعل القارئ يشعر بكل هذا من طريقة الوصف والسرد، ليشاهد كل شيء في خياله، ويصبح هو المشاهد والمخرج.
حدثنا عن برنامج "لمبة" بإيجاز ولماذا اخترت هذا الاسم ؟
هو برنامج فكري فلسفي، يناقش الأسئلة الوجودية التي تشغل بال كل البشر مثل "ما هو شكل الله، وأين كنا قبل أن نولد، وما هي أسماء وصفات الله في مختلف العقائد الدينية"، وغيرها من الأسئلة التي نحاول إجابتها بمنظور ديني، علمي، فلسفي، ونعرض على المشاهد المصادر والمراجع التي تمت الاستعانة بها للوصول إلى الإجابة، وتم اختيار اسم "لمبة" لأن النور يشتت ظلام الجهل، والتعصب، والاستسلام لموروث لم يتم البحث خلفه ومحاولة التأكد من صحته.
هل ترى أن إيقاع هذا العصر بحاجة لهذا النوع من البرامج التوعوية؟
بكل تأكيد، خاصة أن الإلحاد وانتقاد الأديان أصبح ظاهرة عالمية ومحلية، وهناك الكثير ممن فقدوا ثقتهم في رجال الدين وفي كل شيء حولهم، وقرروا التمرد على كل ما هو مقدس.
ما الذي جعلك تتجه للكتابة الروائية بعد عملك في الإعلام المرئي والمسموع؟
لكل منهم متعته، فالعمل الإعلامي أقدم فيه رسالة إعلامية بها قدر من التسلية، والتوعية، والمعرفة، لكن بشكل مباشر وصريح، وتحكمني فيه محاذير إعلامية مثل السياسة التحريرية للصحيفة، أو القناة الفضائية، أو المحطة الإذاعية التي أعمل بها، وقمت برئاسة تحرير العديد من البرامج الهامة مثل "كلام وسط البلد" بإذاعة راديو مصر، تقديم رامي رضوان، وكريم كوجاك، ونسرين عكاشة، و"خليك مكانك" تقديم الفنانة بشرى على إذاعة "نغم f.m"، وبرنامج "فهمي فهمك" تقديم الفنان أحمد فهمي بإذاعة "ميجا f.m" وغيرهم من برامج التليفزيون والراديو.
أما العمل الروائي فلا رقابة فيه على ما أقدم سوى صوت الضمير والمسئولية، وهناك مساحة أكبر لأقول كل ما لديّ دون التقيد بمدة حلقة أو عدد صفحات مخصصة للموضوع في الجورنال أو المجلة، كما أقدم فكرتي من خلال أحداث وشخوص أحرص بأن يشعر القارئ كما لو كانوا حقيقيين مثلنا من لحم ودم، وفي ثنايا السطور أقول أفكاري وقضيتي بشكل غير مباشر، قدر الإمكان.
لماذا اخترت هذا اللون من الأعمال الذي يعرض فيلمًا كرواية؟
السينما المقروءة هدفها تكذيب مقولة بعض المنتجين والنجوم الذين يقولون لدينا أزمة ورق ونقص في السيناريوهات الجيدة، لتبرير سرقة واقتباس أفلام أجنبية، بينما في حقيقة الأمر لدينا أعمال كثيرة ووفيرة، لكنها بعيدة عن دائرة "الشلة"، فحول كل منهم شلته، ولا يحاول أن يفتح الباب لباقي المواهب لتعرض عليه ما لديها من أعمال، ثم ينتقي منها الجيد الذي يناسبه، وأثبتت التجربة منذ بداية ظهور السينما وحتى الآن، أن الأفلام العظيمة تولد من رحم الروايات، بشرط وجود المنتج المثقف والنجم الذي يقرأ حتى يتعرف على كل ما هو جديد في عالم الأدب والروايات، لاكتشاف أفكار وموضوعات جديدة، وأقلام تستحق أن تتحول أعمالها لأفلام، فقررت أن أقدم أعمالي وكانها أفلام جاهزة ومكتوبة بشكل سينمائي مباشرة.
ماذا عن آخر مؤلفاتك كتاب فيلمين في كتاب ؟ حدثنا عنه في إيجاز ؟
فيلمين في كتاب هو أحدث مشاريعي في السينما المقروءة، ويضم فيلمين هما "نار باردة" المستوحاة قصته من أحداث حقيقية وقعت بالفعل، أما الثاني فهو "أكاذيب حقيقية" الذي ينتمي لنوعية الأفلام الأكشن دراما، وبه خط إنساني مليء بالمشاعر والتساؤلات التي تشغل بال أغلب البشر، وخط أخر مليء بالحركة والتشويق.
عما يتناول فيلمك الأول نار باردة؟
هو باختصار يناقش الصراع على تعريف الحقيقة.. فهناك موروث ورثناه من الأهل يخبرنا أن كل ما تعلمناه على أيديهم منذ طفولتنا هو الصواب والحقيقة، وهناك في الوقت نفسه اختيار يختاره الإنسان بعد تجارب وخبرات يكتسبها تجعله يرى الحقيقة بشكل مختلف وقد يكون معاكسًا تمامًا لكل ما تربى عليه، فهل يكون مستعدًا لتبني الحقيقة المكتشفة إذا ما كانت ضد الحقيقة التي تعلمها في مؤسسة الأسرة؟ وما الثمن النفسي الذي سيدفعه لو فعل ذلك؟ تلك هي القضية ولب المسألة.
الإلحاد ظاهرة حديثة أم كانت موجودة لكن السوشيال ميديا ساعدت على إظهارها؟!
أرى أنها ظاهرة موجودة منذ زمن بعيد في كل الأديان، لكن معدلاتها تتزايد باستمرار، لاسيما في عصر العولمة الذي جعل العالم قرية صغيرة، بما صاحبه من ثورة الاتصالات التي سهلت على الجميع لاسيما الشباب التواصل مع ثقافات وجنسيات مختلفة، وفتحت الفرصة أمامهم للاستماع لأقوال لم تكن لتجد فرصة للوصول إليهم إلا عبر الانترنت، بالتزامن مع التراجع الشديد في المؤسسات الدينية، وصدمة الشباب في الكثير من رجال الدين الذين كانوا في نظرهم قدوة ومثل ثم حدثت هزات عنيفة أدت لسقوطهم من الأنظار، أضف إلى ذلك ما ترتب على مزج السياسة بالدين، وظهور رجال متعصبين قالوا تصريحات صادمة ومخجلة باسم الدين، مما ساهم بالطبع في زيادة نسبة الإلحاد محليًا، كما أتاحت السوشيال ميديا الفرصة للتواصل مع ملحدين يعيشون خارج البلاد، والاستماع إلى حججهم ومبرراتهم في وقت كانت الثقافة الدينية لدى شبابنا هشة وضعيفة وتعتمد على الحفظ والتلقين، بدون فهم واعي ومتعمق، مما سهل عملية هدم معتقداتهم، وجذبهم لمجموعات وتجمعات الكترونية تضم أعدادًا كبيرة ممن يتبنون هذا الفكر، في ظل غياب دور الأسرة وعدم وجود تعزيز لانتماء الفرد إلى عائلته ومؤسسته الدينية، ولا حل لهذه المسألة إلا إذا شعر الفرد بروح الانتماء لكيان أسري وديني يحتضنه ويشاركه ألامه ومشكلاته، ويتبادل معه الحوار، إلى جانب رفع درجة الوعي والتثقيف العقلاني والديني.
هل كان لبرنامج لمبة دورًا في كتابة قصة "نار باردة"؟!
"رواية ملكوت "هي التي دفعتني لكتابة فيلم "نار باردة" وتقديم وإعداد برنامج "لمبة" لأن هذا الرواية –تحديداً- حاولت أن أجعل منها سفرا أدبياً يلخص قصة الخلق من قبل مجيء أبونا آدم إلى الوجود وحتى يومنا هذا، لتمر على أهم المراحل الدينية التي جاءت في الكتب الدينية والأسفار المقدسة، وتقارن بين الأديان السماوية الثلاثة بما لها من أصل بشري واحد هو أبونا إبراهيم أبو الأنبياء، وأصل واحد سماوي متمثلا في الخالق جل وعلا، وبالتالي يتضاعف فيها الحرص على تصحيح أي خطأ .
ما دلالة العنوان "نار باردة"؟
ليس كل صراع نمر به شرط أن يكون ساخنًا ونستطيع حسمه سريعًا.. فأصعب أنواع الصراعات هي التي تستمر لوقت طويل، لتكون مثل النار في شدتها وألمها، وفي الوقت نفسه باردة! مثل الصراع بين أبناء العقائد المختلفة الذين يتصارعون على تعريف الحقيقة والإيمان، دون أن يستطيع أي طرف أن يعطي الأخر ضربة قاضية تحسم المسألة للبشرية كلها وتوحدها على عقيدة واحدة، وإنما هو صراع أبدي لن يُحسم سوى يوم القيامة أو الدينونة.
"أكاذيب حقيقية" هو الفيلم الثاني في كتابك. حدثنا عنه بصفتك شريف الأب وليس الكاتب؟
شريف الأب لديه طفلتين جميلتين، هما جنى وبُشرى، مثلي مثل الجميع أخشى عليهما من المستقبل، من أن أرحل وأتركهما بمفردهما في حياة موحشة يزداد توحشها وقسوتها يومًا بعد يوم، من أن تغتال سكينتهما واقعة تحرش، أو حادث سيارة، أو خطف لا قدر الله، وغيرها من الأهوال التي باتت أمرًا طبيعيًا نسمع عنه كل يوم في السوشيال ميديا وصفحات الحوادث، ونطلب من الله أن يحمينا ويحمي أبنائنا وبناتنا منه باستمرار. فقررت تحويل هذه الهواجس إلى فيلم سينمائي استغرق الكثير والكثير من الدموع أثناء فترة كتابته، وبعد الانتهاء منه أيضًا!
ما هو الموضوع الذي تتمنى الكتابة عنه وتشعر معه بالتردد؟
حين أتفاعل مع فكرة ما وأؤمن بها لا أتردد أبدًا في كتابتها مهما كانت المخاطرة والعواقب المحتملة، فالمبدع لا يجب أن يهادن ويخشى ردود الأفعال مادامت لديه حجته وأسانيده، وإلا فهو متخاذل، أو جبان، أو هش ليس لديه ما يكفي من ثقافة ومبررات يدافع بها عن فكرته وإبداعه أمام الجميع.
كيف ترى الساحة الثقافية؟
- مزيجًا من الأقلام ودور النشر المحترمة الجادة، التي تقدم منتج ادبي يحترم عقلية القارئ، وموهومين يحلمون بلقب كاتب للبرستيج والشهرة دون وجود موهبة وثقافة حقيقية، وبالطبع كل طماع أمامه نصاب يستغل طمعه وسذاجته ليخدعه ويبتز منه امواله، ومن هنا ظهرت دور نشر دخيلة، تأخذ من الموهومين أموالهم مقابل نشر أعمالهم الرديئة دون أي مراجعة وتدقيق، بجانب شيء أخر مؤسف، وهو تراجع دور الدولة عن دعم الثقافة. فلم يعد لدينا مهرجان القراءة للجميع، وغيره من الأنشطة الثقافية الهامة التي كان لها تأثير كبير لا ننكره.
كلمة أو نصيحة توجهها للكاتب والقارىء على حد السواء؟
اقرأ، ثم اقرأ، ثم اقرأ، وتواضع دائمًا أمام الحقيقة التي ستتغير باستمرار مادامت قراءاتك تتعدد، وخبراتك تزداد.. فرسم الحقيقة مثل رسم القلب، لابد وأن يكون منحنيات، ولو صار خطًا مستقيمًا فمعنى ذلك هو الوفاة!
ما هو جديدك؟!
لدي عمل جديد يجمع بين الأدب والمسلسلات هذه المرة، وأعد من يقرأ لي ويهتم بما أكتب، أنه سيكون جديدًا ومجنونًا لأقصى حد.